"شريحة إيلون ماسك".. هل تُحوّلنا إلى روبوتات في القريب العاجل؟
لا يخفى على أحد أن "إيلون ماسك" هو أحد أكثر الشخصيات الجدلية في عصرنا الحالي، ومع ذلك فهو عبقري ذو أفكار ثورية، إن طُبّقت، فقد يتغير مصير البشرية إلى الأبد، حيث أعرب "ماسك" سابقًا عن رغبته بتحقيق تكافلٍ بين الدماغ البشري والذكاء الاصطناعي عن طريق زرع شرائح إلكترونية في أدمغة البشر تُمكنهم من "التحكم في فأرة الحاسوب، أو الهواتف، أو حتى أي جهاز بمجرد التفكير".
ورُغم أن "ماسك" اختص بالذكر الأشخاص المصابين بالشلل الرباعي، وأمراض العمود الفقري بوجهٍ عام، فإن زراعة هذه الشريحة بأدمغة البشر عمومًا هي طفرةٌ لم يسبق لنا أن رأيناها. بزغت الفكرة لدى الملياردير المجنون منذ عدة سنوات، فقام بتأسيس شركة نيورالينك Neuralink في 2016.
حتى يومنا هذا و"ماسك" يحاول جاهدًا أن يُنفذ أفكاره المستوحاة من قصص الخيال العلمي ويحولها إلى حقيقة، ولكن نظرًا لأن فكرة العبث بأدمغة البشر وتركيب شرائح إلكترونية بها هو شيء لم نشهده من قبل، فإن الأمر يتطلب موافقة جهات عدة، ولعل أبرزها هيئة إدارة الدواء والغذاء الأمريكية FDA، وبعد انتظارٍ دام كل هذه السنوات، ها قد وافقت أخيرًا في شهر مايو الماضي!
بداية نيورالينك
تأسست شركة "نيورالينك" في يونيو 2016، ولكنها لم تظهر للنور سوى في عام 2017 عندما كتبت صحيفة "The Wall Street Journal" عنها وأخبرت الجميع أنها موجودة، ولكن حتى في ذلك الوقت، لم يذع صيت شركة "ماسك" العجيبة مثلما هو الحال الآن. يمكننا أن نقول إن البداية الحقيقية للشركة كانت في عام 2019، وذلك عندما ظهر "إيلون ماسك" بنفسه، رفقة عددٍ من الفريق التنفيذي لـ"نيورالينك"، وأعلنوا في بثٍ مباشر عن الفكرة المجنونة التي من أجلها أنشأوا هذه الشركة.
فهمنا من الكشف الحي أن الشركة تعمل على نوعين من التقنيات؛ أما الأولى فشريحة بحجم عملة معدنية يتم زراعتها بالجمجمة وتُوصَّل بأسلاك سُمكها أرفع من سُمك الشعرة بـ 20 مرة حتى يتم مراقبة نشاط الدماغ وتحفيزه، وأما التقنية الثانية فإنسانٌ آلي، أو روبوت، مسؤول عن زراعة الشريحة بدقة وتثبيت الأسلاك. ويزعم "إيلون ماسك" أنه بفضل هذا الروبوت، ستكون عملية زراعة الشريحة سهلة مثل عملية الليزك.
اقرأ أيضًا:داخل كواليس Apple .. توظيف الذكاء الاصطناعي لإنتاج شيء مختلف!
هل تم استخدام شريحة نيورالينك؟
في عام 2020، زُرِعَت شريحة "نيورالينك" بداخل جمجمة خنزيرٍ يُسمى "جيرترود- Gertrude" لاختبار مدى فاعليتها، واستطاعت الشريحة أن تتنبأ بحركة أطراف الخنزير الذي وضعه الباحثون على جهازٍ المشي "Treadmill"، كما استطاعت أيضًا أن تلتقط نشاطات الدماغ المتعلقة بالجوع، وهذا يعني أن الشريحة قادرة على التقاط وتفسير الإشارات والسلوكيات العصبية المختلفة.
وبحسب "ماسك"، فإن الخنزير استطاع أن يتعايش بشكل طبيعي مع الشريحة المزروعة في دماغه لمدة شهرين كاملين، وهذه مدة جيدة وتعطينا مؤشرًا، ولو مبدأي، على نجاحها وتكيفها مع فسيولوجية الجسم.
إن كنت تعتقد أن نجاح الشريحة المبدئي برأس خنزير هو شيء غير مبهر، فدعني أُعرّفك على القرد "بيجر- Pager"، وهو قرد مكاك -تتشابه جيناته مع البشر بنسبة 93%- اختُبِرَت الشريحة عليه وهو يلعب ألعاب فيديو، مثل لعبة "بونج- Pong". ظهر القرد وهو يُمسك بعصا تحكم غير موصَّلة بجهاز الألعاب، ورُغم ذلك استطاع أن يتحكم في اللعبة عن طريق إشارات دماغه التي كانت تنشط عند تحريك العصا!
وبعيدًا عن أن هذه التجربة ليست فريدة من نوعها على الإطلاق، بدليل أن هناك تجارب مماثلة لها قبل ما يزيد على العشرين عامًا، فإن هذا لا يُقلل على الإطلاق من نجاح شريحة "نيورالينك" التي لا تزال في بداياتها.
العائق الأخلاقي
من ضمن أكبر التحديات التي تُعرقل تقدم شريحة "نيورالينك" وأبحاثها هو موضوع الأخلاقيّات، ليس فقط على مستوى البشر، وإنما على مستوى بقية الحيوانات الأخرى أيضًا. ففي فبراير من العام المنصرم، قاضت جماعة حقوقية تُسمى "لجنة الأطباء للطب المسؤول- Physicians Committee for Responsible Medicine" شركة "نيورالينك" بسبب ممارساتها في "استغلال" الحيوانات وإجراء التجارب عليها.
وبذلت الجماعة الحقوقية مجهودًا مُضنيًا استهلك منها 3 سنوات، ما بين 2017 و2020، أخذت تُجمّع فيها الوثائق اللازمة لتدعم موقفها لدرجة أنها خَلُصَت في النهاية إلى 700 صفحة! قدمتها إلى وزارة الزراعة الأمريكية. تضمنت هذه الوثائق سجلات بيطرية وتقارير تشريحية موثّقة عن 23 قردًا قد تعرضوا لمعاناة شديدة وإهمال واضح أثناء زراعة الشرائح.
من جانبها، دحضت شركة "ماسك" التُهَم الموجهة لها من قِبل المجموعة الحقوقية، وزعمت في مقالٍ رسمي أنها تُعامل الحيوانات بأسمى الطُرق الإنسانية والأخلاقية الممكنة. وأضافت أنها خصصت حظيرة مساحتها 6000 قدم مربع للقردة والحيوانات لكي ترتع فيها كما تشاء.
ما الاستفادة من هذه الشريحة بالضبط؟
بادئ ذي بدء، يمكن لشريحة "نيورالينك" أن تساعدنا في علاج الأمراض العصبية المستعصية مثل داء باركنسون ومرض ألزهايمر، فضلاً عن التحكم في الأطراف الصناعية عن طريق الدماغ فقط، وهذا بحسب البروفيسور "أندرو هايرز- Andrew Hires"، وهو الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا.
أما عن شركة "نيورالينك" نفسها، فألمحت أن أول استخدامٍ حقيقي، وتجاري، لشريحتها سيتيح للأشخاص المصابين بالشلل الرباعي التحكم بهواتفهم وحواسيبهم المحمولة بشكل كلي أو جزئي. وشاركنا "إيلون ماسك" بتطلعاته الخارقة قائلاً إنه على المدى البعيد، قد يمكن استخدام الشريحة في دمج الوعي البشري مع الذكاء الاصطناعي "أي أنها قد تحولنا لروبوتات بشكلٍ أو بآخر"، وإن كان الخبراء يشككون في ذلك.
آلافٌ يصطفون من أجل الشريحة!
يبدو أن مئات الأشخاص يستأمنون أدمغتهم، وربما حياتهم، بين أيدي "إيلون ماسك" وشركته التقنية، إذ أعرب الآلاف عن اهتمامهم بزراعة شريحة "نيورالينك" بداخل أدمغتهم. وبحسب "آشلي فانس"، وهو صحفي أمريكي وأحد كُتَّاب السير الذاتية لـ"إيلون ماسك"، فإن الشركة تهدف إلى زراعة شريحتها بـ 11 دماغًٍا بشريًّا بحلول العام القادم، و22 ألف شخص بحلول عام 2033.
وعلى ما يبدو أيضًا أن ثقة الأشخاص بـ "شريحة ماسك" قد ازدادت بعد موافقة هيئة الدواء والغذاء الأمريكية FDA في مايو الماضي من هذا العام على بدء إجراء التجارب البشرية، وإن كانت قد رفضتها في مارس من العام الجاري.
الجدير بالذكر أن شركة "نيورالينك" قد بدأت بحثها في سبتمبر الماضي عن أشخاص مصابين بالشلل الرباعي، أو التصلب الجانبي الضموري ALS لإجراء تجاربها عليهم. ويُذكَر أيضًا أنها تقول إنها تأمل في نهاية المطاف أن تصنع جهازًا يخلق نوعًا من التعايش بين البشر والآلات، ويجعلنا نستخدم أفكارنا فقط لكي نلعب ألعاب الفيديو أو نُراسل الغير، ناهيك عن مساعدة المصابين بالاضطرابات العصبية.
برأيك، هل ستستطيع شركة "نيورالينك" أن تنجح مثل شركات "ماسك" العملاقة الأخرى مثل تويتر، وسبيس إكس، وتيسلا؟ أم أنها ستفشل فشلاً ذريعًا قد يصل إلى تدمير سُمعة الملياردير العبقري؟ والأهم من ذلك، إن أُتيحت لك الفرصة لتركيب هذه الشريحة بدماغك، فهل ستُقدِم على هذه الخطوة؟ ويبقى السؤال الأهم: ما العواقب؟