"طفرة لا تُصدق في مختلف القطاعات".. كل ما تحتاج إلى معرفته عن شبكات الجيل السادس 6G
بعدما اعتدنا شبكات الجيل الرابع 4G وشهدنا الانتشار الملحوظ لشبكات الجيل الخامس 5G، أصبح الضوء مُسلطًا الآن على شبكات الجيل السادس 6G من التكنولوجيا الخلوية. بفضل فارق الترددات المهول بين شبكات الجيل الخامس -الباهرة بالفعل- وشبكات الجيل القادم، الذي من المتوقع أنه قد يتجاوز التيراهيرتز THz -1000 جيجاهيرتز-، قد نرى أشياء جنونية لم تخطر على بالنا؛ والمزيد حول ذلك في الأسطر القادمة.
ما شبكات الجيل السادس 6G؟ وما الفرق بينها وبين الـ 5G؟
لم تُغطِ تكنولوجيا الجيل الخامس كل بقاع الأرض بعد، بل لا يزال أمامها وقت طويل بسبب التحديات المطروحة من تكلفة البنية التحتية ونطاق الترددات وخلافه، ولعل استخدام مُعظمنا لشبكات الجيل الرابع، بل حتى الثالث 3G إلى يومنا هذا هو أبرز دليل على ذلك.
ولكن، لأن التكنولوجيا تتطور بنسق يفوق تخيلاتنا ودائمًا ما تُبهرنا بتخطي الحواجز، لا سيما أننا نعيش في عصر الذكاء الاصطناعي، فإننا نتفوق على كثير من التحديات المطروحة ونتعطش لمزيد من التطورات لدرجة أن الأمر أصبح عاديًا؛ إن فكرة تطلعنا لشبكات الجيل السادس وكثرة التكهنات حولها منذ الآن هو شيء سابقٌ لأوانه ويجب أن نفتخر بما وصلنا إليه.
تقول شركة "Nokia" شيئًا بديهيًا، ولكنه يعكس بدقة ما ستجلبه لنا تقنية الـ 6G: "حرفيًا، كل تحسين توفره شبكات الجيل الخامس 5G للمستخدمين، ستوفره شبكات الجيل السادس بشكل مثالي. سواء كنا نتحدث عن المُدن الذكية، أم المزارع والمصانع، أم علم الروبوتات؛ شبكات الجيل السادس ستأخذ الأمور إلى مستوى آخر".
لا شك أن التنبؤ بمعدلات سرعة الجيل السادس 6G في نقل البيانات هو أمرٌ سابقٌ لأوانه، ولكن بالتأكيد ستعمل هذه الشبكات المستقبلية بموجات أقوى على مستوى الطيف الراديوي "radio spectrum". التوقعات مُبشرة، ومن الناحية النظرية، فالوصول لسرعة التيرابايت في الثانية الواحدة قد يكون واقعًا يشهده الجميع بأنفسهم يومًا ما؛ يكفي أن شركة "Samsung" اختبرت تقنية تعمل بالجيل السادس ووجدت أنها تفوق سرعة الـ 5G بـ 50 مرة!
الفارق الواضح بين شبكات الجيل السادس والخامس -كما هو الحال بين الـ 5G والـ 4G- سيكمن في السرعة ومعدل الاستجابة. إذا جرت الأمور كما هو مُخطط لها، فقد تفوق شبكات الـ 6G سابقتها بـ 50-100 مرة على الأقل، وإذا كانت شبكات الجيل الخامس قادرة على دعم مليون جهاز لكل كم2، فشبكات الجيل السادس من المفترض أن تدعم 10 مليون جهاز في نفس هذه المساحة.
مميزات شبكات الجيل السادس 6G
بطبيعة الحال ستفوق ترددات الجيل السادس ترددات الـ 5G لا ريب؛ ولكن إلى أي درجة؟ هذا ما يجب أن نسأله لأنفسنا ونستشفه مما نراه حاليًا. على مستوى سرعة نقل البيانات، فالمستخدمون العاديون من المتوقع أن يُحمّلوا الأفلام في ثوانٍ معدودة، واللاعبون gamers و"الستريمرز" قد يتمكنون من بث محتوى مبني على الواقع الافتراضي VR في الوقت الفعلي "real-time" مع المتابعين دون أدنى مشكلة أو تأخير في وقت الاستجابة "latency".
وعلى ذكر وقت الاستجابة "latency"، فإن شبكات الجيل السادس قد تُعزز من خاصية الـ "Ultra-Low Latency" (خاصية تُسرع من الاستجابة بشكل باهر) وتقضي على مشكلات "البينج- Ping" نهائيًا، ما سيغير الكثير للأفضل على مستوى التجارب الانغماسية "immersive" مثل اللعب أونلاين باستخدام الواقع الافتراضي "VR".
من الأشياء الواعدة أيضًا بشأن شبكات الجيل السادس هو أنها ستُحسن من "إنترنت الأشياء- IoT" إلى حدٍ جنونيّ؛ تخيل مليارات الأجهزة المتصلة ببعضها دون مشكلة -بفضل قدرة الـ 6G على تحمل ذلك-؛ هذا سيجعل التكنولوجيا تتوغل إلى حياتنا بطريقة لا نستطيع حتى تصورها، فإذا كنا بالفعل قادرين على التحكم في كل شيء في المنازل الذكية عن بُعد في الوقت الراهن، فكيف سيكون المستقبل؟
يمكن أن نتخيل معًا شكل المستقبل بفضل شبكات الجيل السادس إذا ضيّقنا النطاق وتناولنا التطبيقات التي ذكرتها شركة "Nokia" مثلاً. على مستوى المُدن الذكية "Smart cities"، فقد نجد اتصالاً لا سلكيًا بين السيارات وإشارات المرور بطريقة أو بأخرى ما سيقلل معدلات الحوادث والازدحام، ومن ثم التلوث وغيرهم. ربما أيضًا تُزوَّد البنية التحتية لهذه المُدن بمستشعرات وكاميرات مُراقبة على مدار الساعة ما سيحد من الجريمة ويُعجّل من استجابة الشرطة.
اقرأ أيضًا:"شريحة إيلون ماسك".. هل تُحوّلنا إلى روبوتات في القريب العاجل؟
على مستوى الزراعة الدقيقة "Precision agriculture"، فتكنولوجيا الجيل السادس 6G يقع على عاتقها آمالٌ كبيرة لتحسينها وذلك بمراقبة ظروف الطقس والتربة عن طريق المستشعرات، فضلاً عن اكتشاف الآفات قبل حدوثها باستخدام كاميرات عالية الدقة وذكاء اصطناعي قادر على فعل ذلك، ما سيغير مفهومنا تمامًا عن الزراعة التقليدية.
وبالنسبة للصناعة، فلا شك أن تكنولوجيا الجيل السادس ستطور من الأتمتة "Automation"، ولمن لا يعرف، فيُقصَد بهذا المفهوم استخدام البرامج والآلات لأداء المهام البشرية الروتينية. تُطبَّق الأتمتة الآن على نطاق واسع، ولكنها لا تزال في البداية مقارنة بما يمكن أن تصل إليه. بالتأكيد سنرى الآلة تتوغل في المهام البشرية بشكلٍ أكبر، ومن المُحتمل أن تُسيَّر خطوط إنتاج كاملة بواسطة الذكاء الاصطناعي.
أخيرًا وليس آخرًا، ذكرت "Nokia" أنه في مجال علم الروبوتات، وبالنسبة لمساهمة الجيل السادس في تطويره فهي أكبر من أن نُحصيها في فقرة صغيرة نظرًا لتوسع وتشعب هذا العلم -مثل المجالات المذكورة بالأعلى بالمناسبة-، ولكن عمومًا لا شك في أننا سنشهد قفزة نوعية في تفاعلنا نحن البشر مع الروبوتات.
هل لتكنولوجيا الجيل السادس عيوب؟
لتَبَني شبكات الجيل السادس 6G، يلزمنا بنية تحتية جديدة على نطاق واسع، وهذا أمر مكلف، خصوصًا إذا كنا سندمج الذكاء الاصطناعي والعُقَد "nodes" وحوسبة الحافة وأنظمة البيانات السحابية في أبراج الاتصالات. لحُسن الحظ أننا وصلنا إلى مراحل متطورة، وأن الكثير من مكونات البنية التحتية لا يُشتَرط أن تكون مادية "Physical"؛ السحابة وفّرت علينا الكثير، ولكن هناك المزيد مما يتعين علينا فعله على مستوى الأمور اللوجستية والتقنية.
إذا كان هناك تحدٍ ثانٍ فسيكون على مستوى الأمان والخصوصية، فبسبب إنترنت الأشياء IoT والشبكات الافتراضية "التي ستُستَخدم بدلاً من البنية التحتية الفيزيائية" وغيرهما من التطبيقات التكنولوجية مفتوحة المصدر، قد تكون شبكات الجيل السادس أكثر عُرضة للهجمات السيبرانية، والأبحاث تدعم ذلك؛ إن اكتشاف التهديدات وتحليل حركة سير البيانات وتشفيرها "traffic analysis and data encryption" يقعان على رأس قائمة الأولويات اللازمة لتبني شبكات الـ 6G.
متى ستتوافر تكنولوجيا الجيل السادس للجميع؟
حتى الآن لم يكتمل الإصدار الثامن عشر من المعمارية التي بُنيت عليها تكنولوجيا الـ 5G، أو فيما تُعرَف بمعمارية "3GPP’s 18 release"، والوقت المُقدَّر لاكتمالها هو مُنتصف العام الجاري، هذا ودعم الأجهزة والشبكات المختلفة للتكنولوجيا المذكورة على نطاق واسع وبالمستوى المُتوقع لن يحدث -على الأرجح- قبل العام القادم، ونحن هنا نتحدث عن النسخة المتطورة من الجيل الخامس أو 5G-Advanced. وبالمناسبة، من المتوقع أن تحمل هذه النسخة تطورات كبيرة على مستوى الذكاء الاصطناعي والواقع الممتد "XR".
اعتمادًا على المعلومات الموجودة بين أيدينا، وإذا سارت شبكات الجيل السادس 6G على نفس مُعدل العشر سنوات الذي احتاجت إليه الـ 3G لتصل إلى الـ 4G والتي بدورها استُبدِلَت بعد عشر سنوات، فإننا سنرى شبكات الجيل السادس في أوائل 2030، أو حتى قبل ذلك إذا وضعنا التطور التكنولوجي السريع في الحسبان وإذا سارت الأمور مع القارة الآسيوية -التي وصلتها الـ 5G مُبكرًا- مثلما هو متوقع.
اقرأ أيضًا:من الذكاء الاصطناعي إلى الواقع الافتراضي.. أبرز التريندات التكنولوجية المنتظرة في 2024
هل حقًا نحتاج إلى الـ 6G؟
من المُرجّح أن تلعب شبكات الجيل السادس دورًا محوريًا في تطور التكنولوجيا، حيث ستساعد على استدامة السيارات ذاتية القيادة، والمُدن الذكية، والواقع الافتراضي والمُعزز بشكل أكبر، لا سيما أن هذه التكنولوجيا قد تستطيع ربط الأجهزة من خلال الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة. كذلك نتوقع من شبكات الجيل السادس أن تخلق أرضيات مُشتركة بين أبرز المجالات التكنولوجية اليوم مثل التعلم العميق "deep learning"، وتحليل البيانات الكبيرة "big data analytics"، وهذا سيخلق فُرصًا لا حصر لها.
ونظرًا لارتباط شبكات الجيل السادس بالحوسبة عالية الأداء High-performance computing (HPC)، فمن الوارد، والأرجح أن هذا سيحصل؛ أن تتطور حوسبة الحافة وإنترنت الأشياء ونتمكن من نقل كميات مهولة من البيانات بين مسافات شاسعة وفي أوقات قياسية.
نستشف من هذه الفوائد والتطبيقات أن الحاجة إلى شبكات الجيل السادس هي حاجةٌ ملحة إذا أردنا المُضي قدمًا في سلك التطور التكنولوجي، أما على المستوى الفردي، فالحقيقة أن شبكات الجيل السادس قد لا تكون ذات نفعٍ واضح إلا إذا استفاد بها المجتمع بمستواه الكُلي، ومن ثم عمَّ النفع على الأفراد.