ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي "التوليدي" و"الوكيل"
لا يخفى على أحد أن التقنية عمومًا والذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص يتطوران بسرعةٍ جنونية، ولعل الذكاء الاصطناعي تحديدًا قلب الدنيا رأسًا على عقب، و"الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence" أنواع وتصنيفات كثيرة، كنا قد تحدثنا عن بعضها ضمن تقريرٍ سابق.
وهنا سنتناول نوعين مُحددين من هذا الذكاء، بينما نبرز الفرق بينهما، وهما: "الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI"، و"الذكاء الاصطناعي الفاعل/ الوكيل Agentic AI"، فما المقصود بكل نوع منهما؟ وفيم يُستخدم بالضبط؟
الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI
"الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI (Gen AI)" نوع من تقنيات الذكاء الاصطناعي، قادر على إنتاج محتوى مختلف ومتنوع، يشمل: النصوص، والصور، والصوت، والفيديوهات، وبسبب سهولة استخدام هذا النوع وقدرته على إنتاج المحتوى المطلوب في ثوانٍ معدودة، أُثيرت حوله ضجة كبيرة وأصبح الجميع يستخدمه اليوم.
وما قد لا يعرفه البعض أن "الذكاء الاصطناعي التوليدي" ليس جديدًا على الساحة، حيث ظهر لأول مرة في الستينيات مع ظهور روبوتات الدردشة، لكن الطفرة الحقيقية حدثت في عام 2014، عندما تم تقديم "الشبكات التنافسية التوليدية GANs"، وهي باختصارٍ شديد عبارة عن خوارزميات تجعل الذكاء الاصطناعي قادرًا على إنتاج الوسائط، من الصور والفيديوهات وخلافهما، بدقة كبيرة يصعب تمييزها عن الواقع.
فتحت هذه التقنية الباب على مصراعيه أمام وابلٍ من الفرص، مثل تحسين دبلجة الأفلام، وإنشاء محتوى تعليمي ثري، لكنها في الوقت نفسه أثارت قلقًا واسعًا بسبب تقنياتها الفرعية، مثل "التزييف العميق Deepfake"، التي تستطيع صنع محتوى مُزيف للأشخاص بهدف الابتزاز أو السخرية أو غيرها من الأهداف غير الأخلاقية.
ومن أشهر الأمثلة التي ظهرت للتزييف العميق كان فيديو لـ"ويل سميث" وهو يتناول المعكرونة. الفيديو كان مُضحكًا للغاية، وكان يُمثل البداية المتواضعة لهذه التقنية التي ظن الجميع أن كشفها سهل، غير أن هذا الظن سرعان ما تبدد عندما ظهرت فيديوهات أخرى مزيفة، يكاد يكون مستحيلًا تمييزها عن الحقيقة، وكثيرٌ منها موجود على يوتيوب؛ فقط ابحث عن "Deepfakes".
اقرأ أيضًا: التزييف العميق يخرج عن السيطرة.. هل فات أوان إيقافه؟
أمثلة على استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي
1. إنشاء النصوص والمحادثات الواقعية:
الاستخدام الأبرز والأكثر انتشارًا للذكاء الاصطناعي التوليدي، ويبرز في نماذج مثل ChatGPT، وGemini، وClaude، وCopilot، وغيرها، حيث تستطيع إنشاء نصوص شبه بشرية، سواء كانت قصصًا أو مقالات أو حتى دردشات عادية مثل التي نُجريها بيننا نحن البشر.
2. إنشاء الصور والفيديوهات:
تطورت نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ كبير، حتى باتت قادرة على إنشاء صور وفيديوهات احترافية بمجرد كتابة سطرٍ واحد، وهو كل ما تحتاج إليه لإنشاء صور باهرة باستخدام DALL-E أو Midjourney أو Copilot، وسطرٌ واحدٌ أيضًا يكفي لإنشاء فيديو احترافي باستخدام أداة مثل Sora، وإن كانت عملية إنشاء الفيديوهات أصعب بالطبع، وتحتاج إلى وصف أكثر دقة.
3. تأليف الموسيقى:
إذا كانت أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة على إنشاء النصوص والصور والفيديوهات، فحتمًا تستطيع تأليف الموسيقى وإنتاجها، ومن أشهر هذه الأدوات نجد: Loudly، وSoundraw، وBoomy، وغيرها من الأدوات.
كيف يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
بكل بساطة، يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي عن طريق تغذية نماذج تَعَلُّم آلي بمجموعة ضخمة من البيانات، ومن ثَم تدريبها على إنشاء بيانات جديدة تُشبه التي دُرِّبت عليها، ولنفهم الفكرة دعونا نُلقِ نظرة على ما يمكن أن نُسميه بالذكاء الاصطناعي التقليدي، والذكاء الاصطناعي التوليدي:
- الذكاء الاصطناعي التقليدي:
في هذا النوع يتم تدريب الآلة على توقع نتائج مُعينة بناءً على بيانات موجودة مُسبقًا، على سبيل المثال: يستطيع الذكاء الاصطناعي التقليدي أن يطلع على أشعة سينية ما، ويُخبرك بما إذا كانت تحتوي على ورمٍ أم لا، بناءً على رؤيته لأنماط ملايين الأشعة الأخرى، ومثالٌ آخر، يستطيع الذكاء الاصطناعي التقليدي توقع ما إذا كان هذا العميل أو ذاك سيسدد القرض أم من الممكن أن يتأخر في السداد، بناءً على البيانات المالية التي تدرب عليها من قبل.
- الذكاء الاصطناعي التوليدي:
أما في الذكاء الاصطناعي التوليدي، فالنموذج لا يتوقع فحسب، بل يستطيع أن يولّد بيانات جديدة تمامًا مثل التي تدرب عليها، من النصوص أو الصور أو الفيديوهات كما قلنا، حيث يكون قد تدرب على كم مهول من هذه البيانات ليُنشئ مثلها.
ويستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي ما يُسمى بـ"الشبكات العصبية Neural Networks"، حتى يفهم العلاقة والتركيبات الموجودة في طيّات البيانات التي تدرب عليها، ومن ثم يبتكر أشياء جديدة ومختلفة، وبصورة مُبسطة جدًا: إذا رأى الذكاء الاصطناعي صورة لقطة، فإنه يكون فكرة عامة عن شكل القطط، ليستطيع لاحقًا أن يرسم قططًا جديدة لم يرها من قبل، وباختصار، يمكننا تشبيه الذكاء الاصطناعي التوليدي بالفنان الخبير الذي وصل إلى مرحلة تمكنه من إبداع أعمال فنية جديدة من خياله وخبراته.
الذكاء الاصطناعي الوكيل Agentic AI
سُمي هذا النوع من الذكاء الاصطناعي بـ"الوكيل أو الفاعل Agentic"، لأنه يستطيع العمل دون تدخلٍ كبير من الإنسان، وهذا هو الفارق الجوهري بينه وبين الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ويُعد الذكاء الاصطناعي الوكيل نموذجًا متقدمًا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يمزج بين تقنيات ونماذج وأساليب مختلفة، تُمكنه من العمل بشكلٍ ذاتيّ، ويُشبه هذا النوع، الذي يستطيع تحليل البيانات وتحديد الأهداف، بل التحرك من أجل تحقيق هذه الأهداف، "العقل الإلكتروني"، الذي يستطيع التعلم من كل موقفٍ جديد، والتعامل بشكلٍ أفضل مع المواقف المستقبلية.
فيما يعتمد الذكاء الاصطناعي الوكيل على ما يُسمى بـ"النماذج اللغوية الكبيرة Large Language Models (LLMs)"، وببساطة، تُمكن هذه النماذج الآلة من فهم لغة الإنسان، صحيحٌ أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يعتمد عليها أيضًا، لكن الفرق في الوظيفة يختلف.
أمثلة على الذكاء الاصطناعي الوكيل
1. بوتات الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء:
باتت متطورة وقادرة على فهم النية وراء الكلام بشكلٍ كبير، وتُستخدم هذه البوتات في البنوك والخدمات المالية، ومنصات التجارة الإلكترونية، وغيرهما.
2. جدولة المواعيد ومتابعة المرضى تلقائيًا:
يُساعد الذكاء الاصطناعي الوكيل أو الفاعل في تقليل الورقيات والمهام الإدارية والروتينية في مجال الرعاية الصحية، وذلك عن طريق تتبع مواعيد الأدوية للمرضى، وتنبيه الأطباء حال حدوث أي مشكلة صحية، وكل هذا عن بُعد.
اقرأ أيضًا: أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. هكذا سيُغير الـAI حياتنا
3. إدارة اللوجستيات وسلاسل التوريد والإمداد:
يستطيع الذكاء الاصطناعي الوكيل تتبع المخزون تلقائيًا، وتوقع النقص الذي قد يحصل في المنتجات مُسبقًا، كما يستطيع تحديد أفضل الطرق ومسارات النقل، بناءً على حالة الطقس، ما يوفر الوقت والمال.
4. كشف الاحتيال في مجال الماليات:
يستطيع الذكاء الاصطناعي الوكيل أيضًا أن يرصد العمليات المريبة، ويوقفها فورًا ثم يُحقق فيها بشكلٍ تلقائي، كما يستطيع تحليل الأسواق المالية وتنفيذ الصفقات في أجزاء من الثانية.
5. تحسين تجربة التعليم:
يدخل الذكاء الاصطناعي الوكيل في منصات التعلم التكيفي، ويحدد نقاط القوة والضعف عند الطلاب، كما يستطيع التجسد في صورة مدرس افتراضي يساعد الطلاب وقتما شاء، وبطريقة التعليم التي يفضلها.
كما يدخل الذكاء الاصطناعي الوكيل في مجالات أخرى كثيرة مثل التسويق، والصناعة، والزراعة، والمنازل الذكية، والمركبات ذاتية القيادة، وغيرها الكثير والكثير.
ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي التوليدي والوكيل؟
الخلاصة أن "الذكاء الاصطناعي التوليدي Gen AI" و"الذكاء الاصطناعي التوكيل Agentic AI" هما فرعان مختلفان في مجال الذكاء الاصطناعي، وكل واحدٍ منها له مميزاته واستخداماته الخاصة، فالذكاء الاصطناعي التوليدي مُتخصص في إنشاء المحتوى بأشكاله من النصوص والصور إلى الموسيقى والفيديوهات، في حين يركز الذكاء الاصطناعي الوكيل أو الفاعل على الخدمات أكثر، أي بدلًا من التصميم والكتابة، فإنه يعمل على تنفيذ قرارات مستقلة.
الأنظمة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي الوكيل تستطيع تحليل المواقف، وتنفيذ خطوات مدروسة لتحقيق أهداف معينة، من دون الحاجة إلى تدخلٍ كبير من الإنسان، ومن هنا يأتي التخوف الذي لم يعد يخفى على أحد، بأن الذكاء الاصطناعي قد يستبدل معظم الوظائف، من موظف الاستقبال إلى الطبيب، ولكن لنتفاءل وننظر للأمر من منظور إيجابي، من ناحية الوظائف الكثيرة التي يُوجدها.