انطلقت فكرتها من مطعم.. كيف أصبحت "إنفيديا" الشركة الأغنى في العالم؟
كسرت شركة "إنفيديا Nvidia" حاجز التريليون دولار الأول في منتصف العام الماضي، وحاجز التريليون الثاني في فبراير من العام الجاري، أما التريليون الثالث فكان منذ عدة أشهر، تحديدًا في يونيو من هذا العام 2024، وتمكنت هذه الشركة العملاقة المتخصصة في كروت الشاشة وشرائح الذكاء الاصطناعي من مضاعفة قيمتها من 1 إلى 2 تريليون دولار في غضون نحو 270 يومًا فقط!
الأكثر إدهاشًا أن قيمة "إنفيديا" تجاوزت حاجز الـ3 تريليون دولار بعد أكثر من 60 يومًا فقط، لتصبح في الخامس من نوفمبر الماضي الشركة الأكثر قيمة في العالم، صحيحٌ أنها تلعب لعبة الكراسي المتحركة على المركز الأول مع "أبل" و"مايكروسوفت"، إلا أنه يُتوقع لها أن تنفرد بالصدارة في المستقبل القريب إذا ظلت على المنوال نفسه.
فما القصة؟ وكيف خرجت "إنفيديا" من مطعمٍ أمريكي لتصبح أغنى شركة في العالم؟ لنتعرف على الإجابة بينما نستمتع بقصة الصعود.
بداية إنفيديا المتواضعة
في عام 1993، وفي مطعم "دينيز Denny’s" الموجود بوادي السيليكون، بدأت قصة "إنفيديا"، عندما اجتمع ثلاثة أصدقاء هُم "جنسن هوانج Jensen Huang" و"كريس مالاكوسكي Chris Malachowsky" و"كورتيس برييم Curtis Priem" لمناقشة إحدى الأفكار.
الفكرة كانت إنشاء شريحة بسيطة، قادرة على عرض رسومات ثلاثية الأبعاد بشكلٍ واقعي على أجهزة الكمبيوتر، فخرجت شريحة "NV1" في عام 1995، وعلى الرغم من أن فكرتها كانت جديدة نوعًا ما، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعًا، بسبب معمارية التصنيع التي لم تكن ملائمة، وسعرها المرتفع، ومن ثم لم تحقق النجاح المتوقع، ولك أن تتخيل أن شركة "Diamond Multimedia"، التي كانت شريك المبيعات لـ"إنفيديا" في ذلك الوقت أعادت للشركة 249 ألف وحدة من أصل 250 ألف وحدة حاولت أن توزعها في السوق!
لقد كان الطلب شبه معدوم، لدرجة أن الشركة كانت على حافة الإفلاس، ومسيرتها كانت على وشك الانتهاء حتى قبل أن تبدأ، إلا أنها استمرت بصعوبة، ولكنها واجهت تحديات جمة مع شريحتها الثانية أيضًا، والتي جاءت محكومة بالفشل؛ إذ كانت موجهة لشركة الألعاب "سيجا Sega"، في وقتٍ كانت فيه المنافسة على أشدها في سوق التكنولوجيا والرسومات ثلاثية الأبعاد، آنذاك، ظهرت على الساحة شركات أخرى كثيرة متخصصة في هذا المجال، وبدأت الشركات العملاقة التي نعرف كثيرًا منها اليوم، مثل "مايكروسوفت" تعتمد على برامج لا تدعم منتجات "إنفيديا"، مما وضع الشركة في موقفٍ لا تحسد عليه وزاد الطين بلة!
ولكن المدير التنفيذي لشركة "سيجا" اتخذ قرارًا بإعفاء "إنفيديا" من التزاماتها التعاقدية، وهذا القرار لم يكن يعني نهاية العلاقات بين الشركتين، وإنما كان بمثابة "شريان الحياة الأساسي للشركة"، كما صرح "جنسن هوانج" لاحقًا، ووفقًا له، فقد ساعدت هذه الخطوة "إنفيديا" على البقاء في السوق رغم الصعوبات الهائلة التي واجهتها في تلك الفترة.
لم تتوقف العقبات والتحديات عن ملاحقة "إنفيديا"، ولعل أبرز تحدٍ واجهها حينها كان تلقي مذكرات استدعاء تتعلق بشبهات حول انتهاك قوانين مكافحة الاحتكار، أثارت هذه الشبهات تساؤلات عديدة حول ممارسات الشركة التجارية، وطبعًا جرتها لجدالات ومشكلات في الأوساط القانونية، ولكن رغم هذه العقبات، استمرت "إنفيديا" في التقدم إلى الأمام، ونجحت في عام 1999 في طرح أسهمها للاكتتاب العام، لتعزز مكانتها في السوق.
بعد ذلك التاريخ بعامين فقط، انضمت إنفيديا إلى مؤشر "S&P 500" (الذي يضم كبرى الشركات الأمريكية المدرجة في البورصة)، لتثبت أنها ليست مجرد شركة تكنولوجية ناشئة، بل واحدة من أبرز اللاعبين في الصناعة، وها هي الآن بعيدة كل البعد عن شبح الإفلاس، ولكن ما سر نجاح إنفيديا؟
اقرأ أيضاً| "مايكروسوفت" تعيّن موظفين جددًا من الذكاء الاصطناعي! (فيديوجراف)
أسرار نجاح إنفيديا
بتحليل تجربة "إنفيديا" تبرز بعض أسرار النجاح، التي تجيب على سؤال كبير حول تخطيها للصعاب والعقبات، ومن أبرز هذه الأسرار:
1. التخصص:
يتمثل تفوق "إنفيديا" على نفسها في تركيزها وتخصيصها لخبراتها في تطوير وحدات معالجة الرسومات، أو ما يُعرف ببطاقات أو "كروت الشاشة GPU".
ووفقًا لما ذكره "راج جوشي Raj Joshi"، نائب الرئيس الأول في شركة "موديز Moody’s"، فإن هذا التركيز منح "إنفيديا" تفوقًا كبيرًا على أشهر منافسيها مثل "إنتل Intel" و"AMD"، الذين ركزوا أكثر على تصميم وتصنيع "وحدات المعالجة المركزية CPU".
تستخدم بطاقات الرسوميات ما يُسمى بتقنية "المعالجة المتوازية parallel processing"، وهذه التقنية تسمح لأجهزة الكمبيوتر بإجراء العديد من العمليات الحسابية في نفس الوقت، بدلًا من القيام بها واحدة تلو الأخرى، وهذا النهج يُسرع من الكفاءة مقارنة بوحدات المعالجة المركزية التقليدية، كما أنه يفتح آفاقًا واسعة للاستخدامات الواعدة في مجالات مثل تعدين العملات الرقمية والذكاء الاصطناعي.
هذان المجالان يُسيطران على جزءٍ كبير جدًا من سوق التقنية، ويدران أرباحًا طائلة، بالتالي فإن تخصص شركة ما في إنتاج البطاقات التي تزوّد هذه المجالات بالطاقة اللازمة للعمل، يعني فائدة كبيرة ونجاح حتمي، وهذا ما حصل مع "إنفيديا".
قبل ذلك بسنوات، أطلقت "إنفيديا" أول بطاقة رسومية لها في عام 1999، وكانت تُعرف باسم "GeForce 256"، وقتها كانت هذه البطاقة قادرة على التعامل مع المهام الرسومية المعقدة، ما جعل الألعاب مثلًا تبدو أكثر واقعية وسلاسة، وبالمناسبة، كانت الـ"GeForce 256" أول مُسرّع قابل للبرمجة في العالم.
ومن الدفعات التي ساعدت "إنفيديا" أيضًا في البداية، كانت شراكتها مع "مايكروسوفت"، عندما أُطلق جهاز الـXbox الأول في عام 2001، مُعتمدًا على بطاقة رسومية من "إنفيديا"، حيث تلقت الشركة 500 مليون دولار سنويًا، مع مُقدمٍ قدره 200 مليون دولار.
اقرأ أيضًا: سلاح ذو حدين: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يغير قواعد اللعبة في الاستثمار؟
2. المرونة:
بعد أن اشتهرت "إنفيديا" بالبطاقات الرسومية، أصبحت مُرادفًا لألعاب الفيديو، التي تقوم بشكلٍ أساسي على كروت الشاشة، ومع مرور الوقت، وتماشيًا مع التطورات الحاصلة في المجال التقني، ركزت "إنفيديا" على قطاعات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي، والسيارات، ومراكز البيانات خاصة، بعد أن أطلقت معمارية CUDA، التي فتحت آفاقًا تتجاوز مجال الألعاب بكثير.
ولفترة طويلة كانت الألعاب هي المصدر الرئيس لإيرادات الشركة، لكن بعد الجائحة، بدأت "إنفيديا" تُركز أكثر على مراكز البيانات، حتى حلّت محل الألعاب في موضوع الإيرادات، وفي الربع الأول من هذا العام وحده، حقق قطاع مراكز البيانات لـ"إنفيديا" إيرادات وصلت إلى 22.6 مليار دولار، مُسجلًا ارتفاعًا بنسبة 23% عن الربع السابق، وقفزةً هائلة قُدّرت بـ427% مقارنة بنفس الفترة من 2023.
على الجانب الآخر، شهدت إيرادات الألعاب انخفاضًا بنسبة 8% في هذا الربع، مقارنة بالربع السابق، حيث وصلت إلى نحو 2.6 مليار دولار، لكن هذا لا ينفي حقيقة ارتفاعها بنسبة 18%، مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي.
3. جنسن هوانج:
العامل الثالث لنجاح "إنفيديا" هو رئيسها التنفيذي، فـ"جنسن هوانج" ليس مجرد رئيس تنفيذي، وإنما وجه قيادي يتمتع بحضورٍ إعلاميّ طاغٍ، وفي موطنه الأصلي، "تايوان"، يحظى "هوانج" بشعبية جارفة تقترب من هوس المشاهير!
فيما يهتم "هوانج" ببناء علاقات قوية مع عملائه، ودائمًا ما تجده يُشيد بأهم الموردين، وعلى رأسهم شركة أشباه الموصلات التايوانية TSMC، فقد أوضح مثلًا أن "إنفيديا" تعتمد على TSMC لتصنيع رقاقتها، وأشاد بها قائلًا، إنها الأفضل في مجالها بفارقٍ كبير عن منافسيها، وهذا حقيقيّ فعلًا، وعمومًا، يمكننا اعتبار "جنسن هوانج" وأفكاره وشخصيته من أهم القوى الدافعة وراء نجاح "إنفيديا".
4. الذكاء الاصطناعي:
تقدمت مكانة "إنفيديا" وقيمتها مع انفجار سوق الذكاء الاصطناعي، المُعتمد بشكلٍ كبير على رقاقات وبطاقات الشركة، حيث فاض الطلب على بطاقات الشركة الرسومية، فكان من الطبيعي أن تقفز الأسهم لتلامس عنان السماء.
وفي منتصف العام الماضي تجاوزت "إنفيديا" حاجز التريليون الأول، وفي فبراير الفائت التريليون الثاني، والتريليون الثالث جاء منذ عدة شهور فقط، لتصبح "إنفيديا" في مصاف أكبر الشركات في العالم مثل "أبل" و"مايكروسوفت".
ولعلنا ونحن نسجل هذه السطور نتابع تجاوز قيمة "إنفيديا" السوقية 3.5 تريليون دولار، بفارقٍ بسيط لتأتي في المركز الثاني بعد "أبل" التي تُقدر قيمتها السوقية بـ3.6 تريليون دولار، ثم "مايكروسوفت" في المركز الثالث بـقيمة 3.2 تريليون دولار.
بينما تتبدل المراكز الثلاثة الأولى بين الشركات المذكورة باستمرار، غير أن الكثير من التوقعات تُشير إلى أن "إنفيديا" ستحتل المركز الأول لفترة طويلة في المستقبل، إذا استمرت الأمور على المنوال نفسه.