من الأتمتة إلى الابتكار.. كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الشركات الناشئة؟
من المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي إلى 407 مليارات دولار بحلول عام 2027، وحاليًا تُغير الآلة من كل شيء حولنا، بما في ذلك الشركات الناشئة، والتي تساعدها أدوات هذا الذكاء في كل شيء تقريبًا، بدايةً من توليد الأفكار، وصولًا لتنفيذ مهام كاملة، والأمر يزداد إبهارًا، حيث يرفع الـAI من كفاءة وربحية هذه الشركات، سواء من خلال أتمتة المهام الروتينية، أو تحليل كميات كبيرة من البيانات، أو تطوير منتجات جديدة، إلخ.
في السطور سنسلط الضوء على دور الآلة في الشركات الناشئة، ونغوص في أعماق الموضوع حتى نعرف كيف تستفيد الشركات الناشئة من الذكاء الاصطناعي بالضبط، مستشهدين بقصص نجاح مذهلة.
كيف غير الذكاء الاصطناعي وجه الشركات الناشئة في 2024؟
انفجرت شهرة الذكاء الاصطناعي مع ظهور ChatGPT على الساحة، ولهذا السبب، إضافة إلى أسباب أخرى، قد يعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي جديدٌ في مشهد الشركات الناشئة، غير أن الحقيقة مختلفة عن ذلك تمامًا، كون هذه النوعية من الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي منذ الثمانينيات والتسعينيات، وذلك في مجالات مختلفة، منها تقييم المخاطر على سبيل المثال.
فمع انتشار الإنترنت في التسعينيات وبداية الألفية، أصبح الذكاء الاصطناعي شيئًا أساسيًا بالنسبة للكثير من الأعمال، حيث ساعدت هذه التكنولوجيا المتمثلة في روبوتات الدردشة في الرد على استفسارات العملاء، وتقديم اقتراحات مُفصلة، بناءً على تاريخ الشراء والتصفح، وتسريع المعاملات، إلخ.
اليوم، تستخدم معظم الشركات الذكاء الاصطناعي في كلِ شيء تقريبًا، وذلك بغض النظر عن حجمها، حيث يمكن الاستعانة بالآلة في كل التطبيقات، لتوفير الوقت والمجهود والمال.
من استخدامات الذكاء الاصطناعي في الشركات الناشئة، مثلًا، أنه يساعد على اكتشاف العملاء المحتملين، ويتنبأ بما إذا كانت الشركة لديها الإمكانية للنجاح أم لا، وعلى سبيل المثال، طورت شركة "PitchBook" أداةً تُسمى "VC Exit Predictor" لتحليل أداء الشركات الناشئة، ومعرفة ما إذا كانت ستستمر أم سيتم الاستحواذ عليها من قِبل شركة أخرى أم ستغلق، وبحسب الاختبارات التي أُجريت على هذه الأداة، فنسبة دقتها وصلت إلى 74%، وبشكلٍ عام، تساعد الأداة الشركات الناشئة على تحليل منافسيها، وتحليل وضعها بين الماضي والحاضر والمستقبل، مما يغير من وجه الشركات الناشئة عمومًا.
الذكاء الاصطناعي: المحرك الرئيس لنجاح الشركات الناشئة
يلعب الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة Machine Learning (ML) دورًا محوريًا في الشركات الناشئة ونجاحها، حيث يساعدان على إدارة علاقات العملاء، ومراقبة أداء الموظفين، وتنظيم البيانات المالية وتحليلها، وتوقع النمو المستقبلي، ما يساعد الشركات أن تكون على أتم الاستعداد للتوسع والنجاح.
فكر في الأمر؛ يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن توفر على الشركات كمًا ضخمًا من الأموال، وهذا قد يحدث عن طريق تولي المهام الروتينية، وتوفير مجهود الموظفين للعمل على المهام الأكثر تعقيدًا، أو عن طريق المساعدة في تنفيذ المهام بأقل الموارد الممكنة، أو ربما بتوقع بعض الأحداث، ومساعدة الشركة على تلافي المخاطر المحتملة.
اقرأ أيضًا: كيف استطاعت المملكة ترسيخ قوتها في مجال الذكاء الاصطناعي؟
وعلى سيرة توقع الأحداث والتنبؤ بمستقبل الشركات، فإن الذكاء الاصطناعي يستطيع اليوم أن يحلل بيانات الأعمال، وإبراز المعلومات المهمة لتقديمها للمستثمرين، فضلًا عن توقع العائدات وحجم النمو المستقبلي، كذلك تساعد الآلة في تطوير المنتجات واستكشاف الأسواق الجديدة، وبدلًا من تطوير المنتجات في أسابيع أو شهور، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد على إنجازها في ساعات.
دور الذكاء الاصطناعي في تحويل الأفكار إلى شركات ناجحة
يُحدِث الذكاء الاصطناعي ثورةً في الطريقة التي يُفكر بها رواد الأعمال، ويساعدهم على تحويل أفكارهم إلى شركات ناجحة لعدةٍ أسباب، أهمها:
أتمتة المهام الروتينية:
على الرغم من رتابة تنفيذها، فإنها تستهلك وقتًا ومجهودًا كبيرين من روّاد الأعمال؛ ويدخل الذكاء الاصطناعي على الخط ليتولى هذه المهام الروتينية، مما يسمح للمبدعين بالتركيز على الأنشطة الاستراتيجية، فيوفر الوقت ويقلل من الأخطاء، ويعطي الفرصة لاتخاذ القرارات السليمة لضمان سير العمليات بسلاسة.
تقديم رؤى تستند على البيانات:
من المعروف عن الذكاء الاصطناعي أنه يستطيع تحليل كميات مهولة من البيانات بسرعة شديدة وكفاءة عالية؛ الأمر الذي يوفر رؤى قيّمة حول اتجاهات السوق وسلوك العملاء، وهذا يُمكن روّاد الأعمال من اتخاذ قرارات مستنيرة وتعديل الاستراتيجيات بناءً على ردود الفعل الفورية.
تحسين الإدارة المالية:
يمكن أن تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في الميزانية والتخطيط المالي، عن طريق تتبع النفقات بكفاءة، وتوقع الإيرادات، إلخ، وبالتالي تساعد على تحويل الكثير من الأفكار، التي يظن أصحابها أنها مستحيلة -بسبب الميزانية- إلى شركات على أرض الواقع.
تأمين التمويل:
استكمالًا للنقطة السابقة؛ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحديد المستثمرين المحتملين، الذين سيتوافقون مع رؤية شركتك، وبالتالي ستحصل على النوع الصحيح من الدعم المالي، الذي سيضمن تحويل فكرتك إلى شركة ناشئة، وربما يضمن استدامتها كذلك.
التعلم المستمر والتكيف:
من خلال تحديث أنظمة الذكاء الاصطناعي ببيانات ورؤى جديدة بانتظام، يمكن لرواد الأعمال تحسين استراتيجياتهم لتحقيق أفضل النتائج الممكنة، وذلك لأن قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم والتكيف تتيح للشركات أن تبقى في الصدارة دائمًا؛ حتى وإن كنا نتحدث عن الشركات وهي في مرحلة الأفكار!
التقنيات الحديثة: كيف يستخدم رواد الأعمال الذكاء الاصطناعي؟
- أولًا: يعمل بعض رواد الأعمال لأكثر من 60 ساعة أسبوعيًا إن لم يكن أكثر، ولكن بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقل هذا المعدل بنسبة كبيرة للغاية، فالذكاء الاصطناعي يمكنه أن يعمل على مدار الساعة بلا كلل، ويعفيك كرائد أعمال من عبء الكثير من الأعمال الروتينية التي تستهلك الوقت دون داعٍ.
كذلك يُمكنك الذكاء الاصطناعي من وضع الاستراتيجيات، وبناء العلاقات، وإبرام الصفقات بدون مجهودٍ يذكر، إذا ما قورن بالحالات التي لا يُستخدم فيها.
- ثانيًا: مع احتدام المنافسة بين الشركات، تتعقد عملية اتخاذ القرار، ويصبح لزامًا على رواد الأعمال أن يبذلوا جهودًا مضاعفة لاتخاذ قرارات ذكية، وبحسب أبحاث أجرتها شركة Oracle، فإن 85% من المشاركين أقروا بأنهم عانوا من ضغوط اتخاذ القرار، كما اعترفوا بشعورهم بالندم والشكوك حول القرارات التي اتخذوها، ومن هنا تبرز أهمية الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضًا: هل يقترب الذكاء الاصطناعي من التفوق على البشر؟ (فيديوجراف)
كما يمتلك الذكاء الاصطناعي قدرات مذهلة على التنبؤ، بفضل قدراته في معالجة البيانات، واكتشاف الأنماط الخفية، إلخ، وبالتالي فإن مستقبل الشركات الناشئة، أو كثير منها، مرهون بنسبةٍ معتبرة بمدى قدرتك على توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي وقدراتها.
ثالثًا، تستثمر كلٌ من الشركات الناشئة التكنولوجية وعمالقة الصناعة في العالم، بكثافة في الأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، تستفيد Tesla من الذكاء الاصطناعي في تقنيات القيادة الذاتية وأنظمة إدارة الطاقة، ويستخدم Walmart الذكاء الاصطناعي في إدارة المخزون وسلسلة التوريد وتحسين الأسعار وأنظمة الدفع الذاتي وغيرها، وبشكلٍ عام، فإن الأتمتة لم تعد رفاهية أو حلمًا بعيد المنال بالنسبة لرواد الأعمال، وإنما حقيقة وشيء أساسي لإنجاز مختلف الأعمال والمهام.
الشركات الناشئة التي تتبنى الذكاء الاصطناعي: قصص نجاح مذهلة
نأتي الآن للجزء الذي نذكر فيه بعض الشركات التي استخدمت الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في أعمالها، لتصبح من اللاعبين المهمين في مجال ريادة الأعمال والتكنولوجيا، على الأقل وسط قطاع الشركات الناشئة:
H20.ai:
تُقدم شركة H20.ai الناشئة برمجيات مفتوحة المصدر للذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، ولقد أثبتت نجاحها بالفعل، حيث تمكنت من مساعدة الشركات بمختلف أحجامها (لا سيما الشركات الناشئة)، ومكنتها من دمج الذكاء الاصطناعي في سلسلة العمليات.
Vicarious:
تستخدم الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة هي الأخرى، لتغيير الطريقة التي تعمل بها الحواسيب وتتفاعل بها مع العالم، وأيضًا تُستخدم التقنية التي تقدمها هذه الشركة في الكثير من الأعمال والصناعات المختلفة، بدايةً من الرعاية الصحية وحتى مجال البيع بالتجزئة، لأتمتة المهام الروتينية وتحسين عملية صنع القرار.
Sift Science:
شركةٌ ثالثة تستخدم الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، ولكن هذه المرة لمساعدة الأعمال والشركات المختلفة على رصد الاحتيال، ولأن تقنيات Sift Science متقدمة للغاية، فهي الآن تُستخدم في الكثير من المجالات والقطاعات مثل القطاع المالي، والتجارة الإلكترونية، والجيمنج، وغيرها.
C3.ai:
تساعد الشركة الرابعة الأعمال، بمختلف أحجامها، على توظيف الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة بأنظمتها، ولقد أثبتت نجاحًا كبيرًا في ذلك.
كانت هذه عينة بسيطة لشركات ناشئة نجحت عن طريق تبني الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، بل في الحقيقية هي قائمةٌ على هاتين التقنيتين وتُصدرهما للكثير من الشركات والقطاعات الأخرى.
الذكاء الاصطناعي: تحديات واعتبارات أخلاقية
مع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، بات من الواجب على الشركات، والشركات الناشئة تحديدًا، أن تضع الاعتبارات الأخلاقية في الحسبان، إذ يفرض الذكاء الاصطناعي عددًا من التحديات التي يجب التعامل معها، ومنها:
الانحياز:
يتم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على قواعد بيانات محددة؛ إذا كانت هذه البيانات مُنحازة، فهذه الأنظمة ستكون منحازة أيضًا، والعكس بالعكس، لذا يجب على الشركات الناشئة أن تعي بهذا الأمر وبالمخاطر التي قد تتعرض لها إن تجاهلته.
الخصوصية:
تجمع أنظمة الذكاء الاصطناعي مجموعات ضخمة من البيانات الشخصية التي قد تكون حساسة، والتي من المفترض أن يعلم أصحابها بشأنها، وأي شركة ناشئة ستتجاهل خصوصية المستخدمين عن قصدٍ أو غير قصد من المفترض أن تدخل في متاهات هي في غنى عنها، وعليه، يجب أن تنتبه الشركات الناشئة تحديدًا -كونها ناشئة ببساطة- لهذا الأمر، وتراعي الشفافية مع المستخدمين الذين تجمع بياناتهم، مُعلمةً إياهم بالسبب وراء ذلك.
المسؤولية:
تُنجز أدوات الذكاء الاصطناعي الكثير من المهام، وتؤتمتها لاختصار الوقت والمجهود، وهذا شيء رائع ولا ريب، ولكن في نفس الوقت من قد يتحمل مسؤولية خطئها؟ فهي في النهاية يمكن أن تُخطئ، بل وتتسبب بكوارث، ووقتها -نأمل ألا يحين ذلك الوقت-، سيتعين على أحدهم أن يتحمل نتيجة هذا الخطأ، لذلك، حاول أن تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ولكن ليس بالكلية.
الشفافية:
لعل أحد الأسباب الداعية لاستخدام الذكاء الاصطناعي بحذر هو طريقة عملها المعقدة والمستعصية على الفهم، حتى بالنسبة لمطوريها، وبالتالي فمن الوارد ألا يثق المستخدمون العاديون بهذه الأنظمة وبالشركة المطورة لها، ولهذا السبب يُفترض أن تُعلم الشركات الناشئة عملائها بآلية عمل أنظمتها بشفافية ووضوح.
وأخيرًا تهتم الكثير من الشركات الناشئة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتوظفه في مختلف أعمالها حتى تحصل على ميزة تنافسية تُسهل من وصولها إلى أهدافها، وهذا شيء رائع، ولكن في الوقت ذاته، يجب على هذه الشركات وغيرها من المؤسسات التي تعتمد كليًا أو جزئيًا على الآلة أن تعي بالتحديات التي تفرضها، وتحاول حلها قدر المستطاع.