من "Web 1.0" حتى "Web 3.0".. هل تعرف أجيال الإنترنت الثلاثة؟
مما لا يعرفه الكثيرون أن هناك أنواعًا مختلفة من الإنترنت؛ فهناك النوع الأكثر بدائية وهو "Web 1.0"، وهناك النوع الأكثر تطورًا -وشيوعًا- والذي نستخدمه الآن ويُعرَف بالـ "Web 2.0"، كما أن هناك نوعًا يتم العمل على تطويره حاليًا ومن المفترض أنه سيشكّل طفرةً حقيقية كنا ننتظرها منذ زمنٍ طويل، وهو الجيل الثالث من الإنترنت أو كما يُعرَف بالـ "Web 3".
Web 1.0: الجيل الأول من الإنترنت
يُعزى الفضل في تطوير الإنترنت إلى المهندس وعالم الحاسوب البريطاني، السير تيم بيرنرز لي، والذي لولاه لما كنت لتقرأ هذا المقال، بل ولما كان هناك إنترنت من الأساس! وإن كان المُرجّح أن غيره كان سيعمل على تطوير الشبكة العنكبوتية. المهم أن ما حدث هو أن السير لي قد طوّر الإنترنت، بشكلٍ بدائي مُقيد بإمكانيات التسعينيات، عندما كان يعمل كعالمِ حاسوب في مختبر CERN العريق، وذلك بالضبط في عام 1990.
وبصراحةٍ شديدة، فإنه من المبالغةٍ أن نقول إن السير بيرنرز لي قد طوّر "الإنترنت"، وذلك لأن مفهوم "الإنترنت" وقتها كان مقتصرًا على 3 مفاهيم، أو دعنا نقول 3 مكونات أساسية، من مكونات الإنترنت التي نعرفها حتى يومنا هذه وهم: لُغة الـ HTML، بروتوكول الـ HTTP، ومُعرّف الموارد الموحد أو الـ URL، كان هذا تقريبًا كل الإنترنت وقتها.
بحلول منتصف التسعينيات، ظهرت متصفحات الويب، مثل Netscape وMosiac، لأول مرة، ما شكَّل قفزة تاريخية بالنسبة للتكنولوجيا وقتها. وبعد أن كان الإنترنت مقتصرًا على المؤسسات الكبيرة، ومن قبلها وزارة الدفاع الأمريكية بالمناسبة (بغض النظر عمّا إذا كان ذلك "إنترنت" أم لا)، أصبح بإمكان أي شخصٍ يمتلك حاسوبًا واتصالاً بالإنترنت أن يتصفح الشبكة العنكبوتية ويستخدمها.. وتلك كانت الحقبة الأولى أو الجيل الأول من الإنترنت "Web 1.0"، وقتها كان الجميع باهرًا بفكرة الإيميلات ومتابعة الأخبار بشكل فوري.
من خصائص الجيل الأول من الإنترنت أن صفحات الويب كانت جامدة، أي أنها كانت غير صالحة لاحتواء أي محتوى ديناميكي مثل مقاطع الفيديو، أو المقاطع الصوتية، أو حتى الصور المتحركة GIF، وذلك يرجع للغة HTML البدائية التي استُخدِمت لتصميم هذه الصفحات. أضف إلى ذلك أن المستخدمين لم يستطيعوا التفاعل مع الصفحات بأي شكلٍ من الأشكال؛ فالأمر كان مقتصرًا على قراءة النصوص وعرض الصور، وربما النقر على الروابط.
اقرأ أيضًا:أفضل رواتر 5G ومواصفاته من أجل سرعة إتصال لا تقارن
Web 2.0: الإنترنت كما يعرفه المعاصرون
نشأ معظمنا على نوعٍ من الإنترنت يمتاز بمرونة غير طبيعية؛ مرونة تُمكننا من التفاعل مع كل شيء وأي شيء. هذا النوع من الإنترنت، والذي ظهر منذ بداية هذا القرن وما زلنا نستخدمه حتى اليوم، شكّل قفزة نوعية تكنولوجيةٍ أخرى، ولكنها أقوى بكثير من سابقتها. كيف لا ونحن قد انتقلنا من حالةٍ جمود كان الإنترنت فيها أشبه بكتابٍ إلكتروني أو صفحة "وردٍ- Word" مُقفلة ومحمية "Read-only" لا نستطيع أن نُعدّل بها شيئًا، إلى انفراجةٍ واسعةٍ -بفضل تقنيات مثل AJAX- على كل الأصعدة.
ما ساعد الثورة التكنولوجيةٍ الثانية هذه على التفوق على سابقتها بكثير هي فكرة الهواتف المحمولة أيضًا وقدرتها على ولوج الإنترنت، إذ لم نعد مُضطرين إلى استخدام شاشاتنا العملاقة، ولا أن نُقيدَ بمكان وجودها حتى نصل إلى الشبكة العنكبوتية، وإنما أضحينا قادرين على فعل ذلك في أي وقت، وفي كل مكان.
إذًا فكل ما تره على الإنترنت الآن هو إنترنت من الجيل الثاني "Web 2.0": غوغل، فيسبوك، يوتيوب، إنستغرام، موقع الرجل.. كل شيء آخر هو جيلٌ ثانِ من الإنترنت. وعلى ذِكر غوغل وفيسبوك، فهذان الموقعان يُنسَب إليهما فضلٌ كبير في اكتساب الإنترنت شعبيته، وبفضلهما أيضًا، بدأت العديد من الشركات تنقل نشاطاتها من أرض الواقع إلى أرضِ الإنترنت الخصبة.
ولأننا جميعًا نعرف الجيل الثاني من الإنترنت "Web 2.0" حق المعرفة -كوننا نستخدمه على مدار الساعة كل يوم-، فدعونا ننتقل إلى مستقبل الإنترنت الذي ينتظرنا.. الـ "Web 3.0".
Web 3.0: هل سنصل إلى هناك حقًا؟
مثلما شكّل الانتقال من "Web 1.0" إلى "Web 2.0" ثورة تكنولوجية وكأننا خرجنا من كهفٍ إلى عالم متمدن، من المتوقع أن يحصل نفس الشيء، وربما على مستوى صداه أكبر، عندما ننتقل من "Web 2.0" إلى "Web 3.0". ولكن، إن كان "Web 1.0" هو النسخة البدائية الجامدة من الإنترنت، و"Web 2.0" هو النسخة التي نراها حاليًا والتي تتيح لنا كل هذا القدر من المرونة والحرية، فكيف يمكن أن يكون الـ "Web 3.0"؟
بشكلٍ أساسي، سيُبنَى الجيل الثالث من الويب "Web 3.0" على مفهوم "اللامركزية- Decentralization"، والذي تحدث عنه السير تيم بيرنرز لي بنفسه في التسعينيات شارحًا إيّاه كالآتي:
يتيح هذا المفهوم لمستخدميه كامل الحرية لفعل أي شيء على الإنترنت، ولنشر كل وأي شيء على الإنترنت؛ لن تكون هناك سلطةٌ مطلقة بيد أحدهم، ولن يستطيع أحد إيقافك. هذا يعني أن كل المواقع وكل الخدمات لن تكون بيد جهة مركزية أو شخصٍ بعينه، وإن كان هذا الشيء يصعب تطبيقه، ولكن إن حدث، فسنحظى بتجربة من عالمٍ آخر!
بجانب اللامركزية، سيقوم الـ "Web 3.0" على مفهومٍ آخر مهم وهو "انعدام الثقة- Trustlessness"، والذي سيُلغي كل الوسائط الممكنة والمتدخلة بشكلٍ أساسي في كل العمليات التي تتم على الإنترنت، ولكي تفهم الصورة دعنا نضرب مثالاً: لنفترض الآن أنك تريد تحويل أموالٍ إلى صديقك عن طريق الإنترنت الحالي "Web 2.0"، فماذا يحدث؟ بالضبط، يكون هناك بنك أو وسيط وهذه العملية تكون مُسجلة لديه بحيث يستطيع تعقبها.
في حالة "Web 3.0" يكون الأمر مختلفًا تمامًا؛ حيث ستستطيع أن تُحوّل وتستقبل الأموال دون أن يتمكن أي أحد من تعقبها، أي مثل العملات الرقمية، وهذا سلاحٌ ذو حدين طبّقه على كل المجالات والتعاملات الأخرى، ولكن سل نفسك: هل سيكون هذا من مصلحة الشركات وأصحاب القرار؟
وبجانب اللامركزية ومفهوم انعدام الثقة اللذين سيتمتع بهما "Web 3.0"، يجب أن تعلم أن هذا النوع من الإنترنت سيتميز بشيئين رئيسين آخرين، أوّلهما أنه سيتبنى تقنيات العرض ثلاثية الأبعاد 3D إلى حد كبير، وهذا سيشمل تقنيات الواقع الافتراضية VR، وتقنيات الواقع المعزز AR، ما سيجعل كل شيء يبدو وكأنه حقيقي.
أما بالنسبة للشيء الآخر والأهم، فهو أن الـ Web 3.0 سيقوم أيضًا على مفهومي "الويب الدلالي- semantic web" و"معالجة اللغة الطبيعية- Natural Language Processing"؛ أما بالنسبة للمفهوم الأول فيعني أن الإنترنت سيكون قادرًا على فهمنا كما لو كنا نتعامل مع كائن بشري وذلك عن طريق ربط المعلومات والبيانات ببعضها، وأما بالنسبة للمفهوم الثاني فهدفه لا يختلف كثيرًا عن الأول؛ إذ يُعد قسمًا من أقسام الذكاء الاصطناعي يهدف إلى تحسين قدرة الحواسيب على فهم وتفسير وإنشاء اللغات البشرية.
الجدير بالذكر أن الكثيرين يرون فكرة الـ "Web 3.0" فكرة غير منطقية وغير قابلة للتحقيق، فجاك دورسي مثلاً، وهو المدير التنفيذي السابق لتويتر "X الآن"، كان قد كتب تغريدة يقول فيها -فيما معناه- إن هذا النوع من الإنترنت لن يكون حُرًا مثلما نتوقع، وذلك لأنه سيُدَار بواسطة مجموعة من الأشخاص في النهاية.