كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في زيادة التفاعل مع إعلانات الوظائف؟
تتطور التقنيات بوتيرة سريعة في عصرنا الحالي، ومن بين هذه التقنيات الناشئة التي تعد بأن تحدث ثورة في مختلف المجالات هو الذكاء الاصطناعي.
وبينما يعد الذكاء الاصطناعي مصدرًا للبهجة والتفاؤل نتيجة لتمتعه بعديد المزايا التي تساعد على حل المشكلات وتحسين الكفاءة في الأعمال بشكل عام، فإنه يثير في الوقت ذاته مخاوف بشأن مستقبل العمل ووظائف البشر.
والحقيقة أن مخاطر الذكاء الاصطناعي صارت تلوح في الأفق بصورة أكثر وضوحًا، بالاتساق مع تسارع التطورات التي تشهدها تلك التقنية، ما يهدد بالسطو على الوظائف التقليدية في هيئتها المتعارف عليها.
رحلة التكيف مع التقنيات الحديثة
بات يشعر الموظفون بضغوط متزايدة في رحلتهم للتكيف مع هذا التحول التكنولوجي وما قد ينطوي عليه من تحولات ربما تغير واقعهم، وهو ما دفعهم إلى اتخاذ إجراءات استباقية لتحصين مستقبلهم المهني.
ويمكن القول إنه بات من الضروري في هذا السياق على الموظفين أن يهتموا أكثر من أي وقت مضى بتطوير مهاراتهم الشخصية والوظيفية، وأن يعملوا على تحسين قدراتهم لتكون متناغمة مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويأتي في مقدمة هذه الخطوات ضرورة تأهبهم وتحضرهم لتحديات سوق العمل من خلال السعي للوظائف التي تتطلب تفاعلاً وتفكيرًا استثنائيًا، والتي تشير صراحة إلى تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في إعلاناتها.
يعكس هذا الاتجاه قاعدة أساسية تقول "ما لم تستطع التغلب على الذكاء الاصطناعي، فكن أحد رجاله". وهو ما يعني أن الموظفين لا بد أن يكونوا جزءًا من هذا التطور التكنولوجي بدلاً من البقاء عاجزين أمامه.
الاستمتاع بتجارب مهنية أكثر تطورًا
ومن خلال السعي الحثيث وراء الوظائف التي تدمج بصورة فعّالة بين مهارات البشر وقوة الذكاء الاصطناعي، سيكون بمقدور الموظفين أن يعظموا من إسهاماتهم، وأن يستمتعوا بتجارب مهنية أكثر تطورًا.
وأوضح خبراء أن التحصين ضد موجات الذكاء الصناعي المتلاحقة لا يجب أن تقتصر على تطوير مهارات العمل، بل يجب أن يتعداه ليشمل أيضًا التفاعل مع التقنيات الحديثة، وتعلم كيفية العمل جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي.
وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على الشركات والمؤسسات أن تلتزم بتقديم فرص التدريب المستمر لموظفيها، لضمان أن يكونوا على دراية بأحدث التقنيات والابتكارات، ومواكبة الثورة الحاصلة على الصعيد التكنولوجي.
ويتطلب مستقبل العمل التكنولوجي أن يكون لدى الموظفين نهجًا استباقيًّا واستعدادًا لمواجهة التحديات المتزايدة التي قد تطرأ نتيجة للذكاء الاصطناعي. بتحسين مهاراتهم وتكاملهم مع التكنولوجيا، ويمكن للموظفين الحفاظ على جاهزيتهم لسوق العمل المستقبلي والمساهمة في تشكيل مستقبل العمل بشكل إيجابي.
اللحاق بركب الذكاء الصناعي
وفي ظل الحديث حاليًا عن التهديدات التي صارت تلاحق البشر بسبب تطورات الذكاء الصناعي في كثير من المجالات، ربما لم يعد هناك وقت كافٍ أمام الموظفين للحاق بهذا الركب سوى محاولتهم بكل قوة أن يحصنوا مستقبلهم المهني بالتقدم لشغل الوظائف التي تشير إلى الذكاء الاصطناعي في إعلاناتها؛ عملاً بالقاعدة التي تشير إلى ضرورة اللحاق بركب الذكاء الاصطناعي ومحاولة الاستفادة منه.
ولفتت نتائج بحث أجراه مؤخرًا موقع التوظيف العالمي "لينكدان" إلى فعالية إعلانات الوظائف التي كانت تشي في محتواها إلى الذكاء الاصطناعي، أو الذكاء الاصطناعي التوليدي على منصتها خلال العامين الماضيين.
وقد تبين من إجمالي النتائج البحثية بهذا الصدد أن مثل هذه الإعلانات نجحت في تحقيق نمو بدرجة التجاوب بنسبة تصل إلى 17% مقارنة بالوظائف التي لم تشير للذكاء الاصطناعي.
وبهذا الخصوص، أوضحت نائبة رئيس قسم استقطاب المواهب العالمية في "لينكد إن"، إيرين سكراغز، أن المرشحين أذكياء؛ نتيجة لإظهارهم الرغبة في التوجه والتحرك أينما كانت الفرص".
ومضت "إيرين" بتقديمها نصيحة أساسية للشركات وهي المتعلقة بضرورة توضيح كل تفاصيل خططها للذكاء الاصطناعي في إعلانات الوظائف حتى لو لم تكن الوظيفة تتضمن هذه الخطط، لتجنب فقدان أفضل المواهب.
وتابعت "إيرين": "أرى من الضروري أن تعلن معظم الشركات على الأقل عن خارطة الطريق الأساسية لاستراتيجية الذكاء الاصطناعي في إعلانات وظائفها الشاغرة لكي تواكب السوق".
كما شددت النتائج التي وردت في بحث "لينكدان" على أهمية أن تنتبه الشركات والمؤسسات المختلفة إلى النقاط المتعلقة باللغات المستخدمة في الإعلانات، إذ كانت البيانات مستمدة من اللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية واليابانية والهولندية والإيطالية والألمانية والبرتغالية والتركية والصينية.
وفي سياق متصل، يتسارع الانضمام إلى قافلة الذكاء الاصطناعي في ظل تزايد المخاوف من أن يؤدي التطور التكنولوجي إلى فقدان الوظائف بشكل هائل.
وسبق أن أشار إيلون ماسك، رائد الأعمال الشهير، مالك شركتي تيسلا وإكس، إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي يومًا ما إلى القضاء على توظيف البشر.
وفي السياق نفسه، أكد روب توماس، الرئيس التجاري التنفيذي في شركة "آي بي إم"، أن الذكاء الاصطناعي لا يحل محل المديرين، ولكنه يغير أساليب العمل بشكل جذري.
وهو نفسه ما أكده الخبير الاقتصادي، ريتشارد بولدوين، بقوله إن الفرص ستكون متاحة بشكل أكبر لمن نجحوا في امتلاك المهارات التي تؤهلهم لتطويع الذكاء الصناعي في صالحهم، وأن المستقبل ينبئ بذلك بالفعل.
اقرأ أيضًا:ما هي أعلى 10 وظائف أجرًا في العالم؟
التكامل مع التطورات السريعة
وفي ظل هذه التحولات، يبدو أن هناك حاجة ملحة إلى تطوير المهارات والتكنولوجيا الخاصة بالعمل البشري للتكامل مع التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي. إذ يتعين على الموظفين أن يكونوا مستعدين للتكيف مع التكنولوجيا الجديدة واستخدامها كأداة تعزيز لأدائهم الوظيفي.
من جانب آخر، يشير البعض إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم في إنشاء وظائف جديدة بدلاً من القضاء على الوظائف الحالية. وهو ما جعل جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا "Nvidia"، يشير في تصريحات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في "توليد الوظائف"، وهو ما يبرز أهمية تحسين التعليم وتدريب العمال لتأهيلهم لاستخدام التكنولوجيا الحديثة والمشاركة في الاقتصاد المستقبلي.
ومن الجدير ذكره بهذا الإطار أن التغييرات التكنولوجية السريعة سوف تفتح الباب أمام المزيد من الفرص والتحديات، ولهذا يتعين على الشركات والموظفين على حد سواء أن يكونوا جاهزين للاستفادة من هذه الفرص والتعامل مع التحديات بأقصى درجات الجاهزية، انطلاقًا من فكرة أن التعلم المستمر وتطوير المهارات قد يكون السر لضمان استمرارية العمل والتفوق في سوق العمل المستقبلي.
وما يجب على المجتمع بأسره أن يمضي على أساسه خلال الفترة المقبلة هو أن يتبنى نهجًا شموليًا تجاه التحولات التكنولوجية، بحيث يتمكن الجميع من الاستفادة من الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة دون أن يتخلف أحد عن ذلك.
ولهذا من الممكن أن يكون لتجهيز الموارد البشرية وتهيئتها بما يتوافق مع التكنولوجيا المستقبلية دور واضح ومؤثر في تعزيز التنمية المستدامة والإسهام في بناء مجتمعات قائمة على المعرفة والابتكار.