"احذر التهويل".. كيف تتوقف عن التركيز على أسوأ نتيجة ممكنة؟
في كثير من الأحيان تحدث للإنسان بعض الأمور الصعبة أو السيئة، لكنها تمر بمرور الوقت، لكن الفرد قد يعيش أوهامًا كثيرة، وينسج بسبب هذه الأمور قصصًا من الخيال.
أن يمرُ بكَ حدثٌ عابرٌ، يقع لكثيرٍ من الناس، ونتيجته ذات احتمالاتٍ عديدة، ثُمَّ لا تتوقَّع إلَّا أسوأ نتيجة ممكنة، فذاك هو التهويل بعينه، والتهويل ليس القلق، فالقلق عابرٌ، وفيه نوع من المنطق في رد الفعل، أمَّا التهويل فيصحبه تسلسل في الأفكار، غير واقعي، ينتهي حتمًا إلى التفكير في أسوأ وضعٍ قد يحدث، والذي قد يكون بعيدًا جدًا على أرض الواقع.
ما هو التهويل؟
التهويل افتراض أنَّ الأمر أسوأ مما هو عليه في الواقع، مع انصباب التركيز دائمًا على أسوأ نتيجةٍ ممكنة لحدثٍ ما، وقد يُعرَف ذلك أيضًا بـ "التفكير الكارثي".
ينشأ التفكير الكارثي عندما نُحوِّل مُعطيات الواقع إلى سيناريو تخيلي، يفترض أنَّ كل شيءٍ سيتم بطريقة خاطئة، وهو نوعٌ من التشوه الإدراكي، ومثاله:
- "ما لم أجتاز الاختبار، سأرسب في الفصل الدراسي، ومِنْ ثم لن ألتحق بالجامعة، ولن أعثر على وظيفة مناسبة".
- "إذا لم يحصل الناس على انطباعٍ جيدٍ عني، سأصبح أضحوكة الجميع، وسأعيش منبوذًا في المجتمع".
- "إذا لم يكن عملي لا تشوبه شائبة، فلن أحصل على ترقية، وقد أُفصَل من وظيفتي".
هذه أمثلةٌ فقط، وكما هو واضحٌ في المثال الأول نموذجًا، فإنَّ عدم اجتياز الاختبار، لا يعني ضرورةً عدم اللحاق بالجامعة، فضلًا عن الحصول على وظيفةٍ مناسبة، فهذا انتقال إلى التفكير الكارثي، أو تهويل لمسألة عدم اجتياز الاختبار.
ففي هذه الأمثلة، انتقل المرء من النتيجة الطبيعية لحدثٍ ما، إلى افتراض أسوأ نتيجةٍ ممكنة، وإن كانت بعيدة للغاية على أرض الواقع، بل قد تكون مستحيلة كذلك.
أسباب تهويل الأمور
لم يتوصَّل الباحثون بعدُ إلى السبب المباشر للتهويل، أو التفكير الكارثي، لكن وجد الباحثون أنَّ بعض الناس المُهوِّلين لأمورهم، والمُعانِين آلامًا مزمنة بنفس الوقت، لديهم بعض التغيُّرات في استجابات تحت المهاد والغدة النخامية، إضافةً إلى زيادة نشاط بعض أجزاء المخ المُسجِّلة للمشاعر المرتبطة بالألم.
وتُوجَد أسبابٌ محتملة لذلك التهويل غير الضروري، ساقها موقع "medicalnewstoday"، وذلك مثل:
- الاكتئاب: قد يساعد الاكتئاب في التركيز فقط على المشاعر السلبية، ما يُؤدِّي إلى التفكير الكارثي، وتهويل أي حدثٍ يمر بحياة الإنسان.
- القلق: القلق الشديد من الاضطرابات التي قد تُعرِّض المرء لخطر التهويل.
- خلل نظام التثبيط السلوكي ونظام النهج السلوكي: وهما نظامان نظريَّان، يعتمد عليهما الإنسان لضبط الدوافع والقلق، ومِنْ ثَمَّ فأي اختلافٍ فيهما، قد يُفسِّر سبب جنوح بعض الناس تجاه التفكير الكارثي، وعدم معاناة غيرهم منه.
- الحساسية التفاعلية: وهي تعني المقدرة العالية لبعض الناس على رصد أي تغيُّرٍ دقيق في أجسامهم، كالإحساس بالهضم، أو تغيُّر ضربات القلب؛ لذا فإنَّ ذوي الحساسية التفاعلية العالية قد يُلاحظون هذه التغيرات بدقة عالية، مِمَّا يجعلهم يُهوِّلون بعض الأمور.
علامات التهويل
للتفكير الكارثي علامات تُميِّزه عن مُجرَّد الاكتئاب أو القلق العابر، ومن أهم هذه العلامات ما يلي:
- القلق المستمر.
- تكرار الانشغال في نفس الأفكار مرارًا وتكرارًا.
- الشعور باليأس أو العجز حيال موقفٍ ما.
- فرط التفكير في المواقف اليومية أو بعض الأحداث السابقة.
- الانتقاص من نفسك.
اقرأ أيضًا:اضطراب القلق الاجتماعي.. ما هو؟ وكيف تقي نفسك منه؟
اضطرابات قد تُصاحِب التهويل
ربَّما لا يكون التهويل منفردًا في التأثير على المرء، لكن قد تصحبه اضطرابات نفسية أخرى تُعزِّز وجوده، وتُلقِي عبئًا زائدًا على الدماغ، وذلك مثل:
1- القلق
الفرق بين القلق والتهويل، أنَّ القلق قد يُساعِد المرء أحيانًا في حماية نفسه من بعض المواقف الخطرة، بينما التهويل أو التفكير الكارثي لا يُفِيد بأي حالٍ من الأحوال.
تملأ الأفكار الكارثية نفوسنا بمشاعر وأفكار سلبية لا حاجة لنا بها، تستغرق وقتًا كي يتخلَّص منها المرء، كما أنَّها تكون بعيدةً عن الواقع.
لم تربط أبحاثٌ كثيرة بين القلق المُجرَّد والتفكير الكارثي، لكن كشفت دراسةٌ عام 2015، أُجريت على المراهقين، أنَّ زيادة التهويل كان مرتبطًا باضطرابات القلق لديهم.
2- الاكتئاب
الاكتئاب هو الاضطراب النفسي رقم 1 حول العالم، وقد لا ينفرد وحده، بل يتناوب على الإنسان مع التفكير الكارثي، أو الألم المزمن، أو حتى القلق.
وتهويل الأمور من الأعراض المُتكرِّرة بين العشرات من دراسات الاكتئاب، حسب موقع "health"، وإن كان الرجال المُكتئبون أقل عُرضةً لذلك النمط من التفكير مقارنةً بالنساء.
وفي خضم الحزن الشديد، واليأس، قد لا يُفكِّر الإنسان سوى بأسوأ ما قد يحدث له، ومِنْ ثَمَّ فقد لا يمكن فصل الاكتئاب عن التهويل في بعض الأحيان لدى بعض الناس.
3- الأرق
يرتبط تهويل الأمور كذلك بصعوبات النوم؛ إذ تزايد التفكير الكارثي وتهويل كل ما يلقاه الإنسان في حياته، يجعل النوم يطير من عينيه، بل حتى لو نام، قد لا يستمر نومه الوقت الصحي المطلوب، ومِنْ ثَمَّ فالأرق مرتبط بتهويل الأمور، فقدِّر كل شيءٍ بمقداره عزيزي القارئ.
4- الألم المزمن
كثيرٌ ممَّن يُعانُون آلامًا مزمنة، يشعرون بقلة الحيلة، يُسهِبون في الحديث عن آلامهم، ويُهوِّلون من معاناتهم الجسدية، حتى لو لم يكن الألم كما يصفه المُصاب به.
وأوردت دراسةٌ منشورة عام 2019 في مجلة الألم "Journal pain" أنَّ تهويل الألم، أو كارثيته، كانت أعلى بين المشاركين في الدراسة، وهم الذين يُعانُون ألمًا عامًا، يستوي في ذلك الذي أصاب جزءًا واحدًا من الجسم أو عدّة أجزاءٍ منه.
بل شدَّدت دراسةٌ عام 2020 في مجلة حدود في علم النفس "Frontiers in Psychology" على أنَّ تهويل الإحساس بالألم، قد يُفضِي إلى زيادته.
اقرأ أيضًا:أبرز طرق الوقاية من الإصابة بالقلق والاكتئاب
كيف تتوقف عن تهويل الأمور؟
يخضع ذلك أحيانًا للعلاج النفسي، أو العلاج السلوكي المعرفي، لكن قد تُساعِدك النصائح الآتية في إعطاء الأمور قدرها، وعدم تهويلها، فمواجهة أي مشكلةٍ في الحياة، تحتاج إلى معرفة حجمها الحقيقي أولًا، وفيما يلي ما يساعدك:
1- الإقرار بحدوث أشياء غير سارَّة
الحياة مليئة بالعقبات، وقد ننجح أو نفشل، لكن لا يدوم أيًا من ذلك طوال الوقت، فلا يعني المرور بيومٍ سيء أنَّ كل الأيام على ذات المنوال.
2- رصد الأفكار غير المنطقية
عادةً يتبع الواحد منا التهويل بنمطٍ مُعيَّن، كأن يُجرَح مثلًا في يومٍ ما، ثُمَّ لا يظن إلَّا أنَّ الألم سيشتد، أو أنَّه لن يتحسَّن، وهذا غير منطقي فالجرح يلتئم بمرور الوقت غالبًا، ومِنْ ثَمَّ فرصد هذه الأفكار اللامنطقية واللاعقلانية، يُساعِد في عدم تهويل الأمور.
اقرأ أيضًا:ما الفرق بين التوتر الجيد والسيء؟
3- اعلمْ متى تتوقَّف
الأفكار الكارثية المتناوبة في ذهنك، لا بُدّ لها من وقفة، لا بُدّ من صرخةً في داخلك بأن تتوقَّف عن هذه الأفكار، فقد يقطع ذلك تدفُّق هذه الأفكار، خاصةً إذا كانت تُهاجِمك بما يشبه الوسواس.
4- لم لا تُفكِّر بنتيجةٍ أخرى؟
بدلًا من التركيز على النتائج السلبية، وأسوأ ما قد يقع، لن تخسر الكثير إن وجَّهت جزءًا من انتباهك ناحية الأفكار الإيجابية، أو الأخف سلبيةً على الأقل.
5- تقديم تأكيدات إيجابية
عندما تُهوِّل بعض ما تمر به، فينبغي أنَّ تثق أنَّ بمقدورك تجاوز هذه الرغبة المُلحَّة في الخوف من الأسوأ "الذي قد لا يقع أصلًا"، ولا تنس أن تُكرِّر ذلك على نفسك كل يوم.
6- اعتنِ بنفسك!
غالبًا تأتي الأفكار الكارثية عندما يكون المرء مُتعَبًا أو مُرهقًا، ومِنْ ثَمَّ فالراحة اليومية الكافية، أو ممارسة الأنشطة المُخفِّفة للتوتر كالتمارين الرياضية، أو الإفضاء إلى من تحب، أو غير ذلك، مِمَّا يمنع تهويل الأمور بكل تأكيد.