د. محمد النغيمش يكتب: نظرية الوكالة
تنبني نظرية الوكالة (agency)، وهي تعاقد بين فرد أو مجموعة من الأفراد (يطلق عليهم المفوض أو الموكل)، على تصور أنه يقوم بتوكيل آخر يسمى الوكيل، وذلك لأداء مهمة معينة باسم الموكل، بما في ذلك اتخاذ القرارات بشتى أنواعها. مثال ذلك، العلاقة بين المساهمين (الموكل) ومدير الشركة أو الإدارة العليا (الوكيل) الذي يؤدي المهام الإدارية الروتينية كالبيع والشراء والتفاوض والمفاضلة والإدارة والمتابعة والرقابة والقيادة وغيرها من أعمال تجارية. فلا يمكن للموكل (المساهم) أن يكون موجودًا مع الإدارات التنفيذية طوال الوقت، وفي جميع الشركات التي يمتلك فيها حصة.
ومن هنا نشأت نظرية الوكالة، وهي نظرية في غاية الأهمية في العمل الإداري بحيث يمكن من خلالها صياغة العلاقة التعاقدية بين الطرفين الموكل والوكيل.
وقد قدم هذه النظرية الباحثان الشهيران "جنسن" (Jensen) و"ميكلنج" (Meckling) عام 1976. وترى هذه النظرية أن هناك كلفة مادية تقع بسبب هذه العلاقة، منها على سبيل المثال السلوك الانتهازي Opportunism، والرشادة المحدودة Bounded Rationality، وحالة عدم اليقين التي تسيطر على العلاقة.
وتتكبد المؤسسة نظير "تكاليف المراقبة" التي يحاول المسؤولون فرضها على أمل الحد من انتشار السلوك الانتهازي، وهي مسألة حساسة في هذه العلاقة التعاقدية. فعندما يفوضك أحدٌ للقيام بعمل ما نيابة عنه، فإنه يتمنى أن تؤديه على أكمل وجه، ولذلك فإن آخر ما يرجوه أن يجدنا انتهازيين للفرصة بطرق غير خُلقية أو غير مشروعة.
وهناك تكلفة ثانية وهي ما تقدمه الشركات من "تكاليف الحوافز المادية" التي تحاول من خلالها كسب ود كبار المسؤولين كمنحهم أسهمًا، وذلك حتى يشعروا بما يشعر به الملاك. فشتان بين الموظف الذي ينتظر راتبه نهاية الشهر وما بين المالك الذي يتطلع إلى أفضل أداء لهذه المؤسسة.
من هنا جاءت فكرة منح الصحفيين في الولايات المتحدة الأمريكية أسهمًا في شركات الصحافة التي يعملون بها. إذا تنامى الشعور بالمسؤولية الكبرى لدى الصحافي فضلاً عن المسؤولية التجارية، فإنه يؤدي عمله على أكمل وجه، ويحقق السبق الصحفي، ومن ثم فإنه في الواقع في ظل اللوائح والقوانين يربح، وربما يحقق ثروة طائلة بصفته مالكًا قبل أن يكون موظفًا.
وهناك تكلفة ثالثة يطلق عليها "تكلفة الفرصة البديلة" وهي تعني أن تلك المؤسسات (الموكل) تتحمل الخسارة الناجمة عن تباين مصالحها مع مصالح الوكيل. ولهذا السبب يتوقع من المؤسسات أن تكون أكثر فعالية efficient في إدارة أعمالها، لكي تحاول تخفيض أكبر قدر ممكن من مخاطر الانتهازية في سلوك الأفراد، التي تهز الثقة بين الطرفين.
اقرأ أيضًا: د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: الجهود الخفية للإوزة البيضاء
قد تبدو النظرية أمرًا بديهيًا، غير أن عدم فهم هذه العلاقة التعاقدية يؤدي إلى مزيد من الأخطاء، وربما عدم إدراك لأهمية الحوكمة، والتدريب، وتأهيل الموظفين وتسليحهم بالمهنية العالية، والدراية باللوائح حتى يقدموا أعمالهم على أكمل وجه بعيدًا عن الانتهازية.
ولقراءة عدد مجلة الرجل لشهر مايو كاملاً اضغط هنا.