كيف يغزو الإرهاب جراحات التجميل ؟ د. جيهان عبد القادر *
الرجل: دبي
لعل ما جعلني أكتب مقالي هذا اليوم، هو ما أُلاقيه من تعليقات وهجوم من بعض الاخوان والاخوات على طب الجمال والتجميل ، وأقول للتوضيح فقط إنه علم قديم، ومهما تطور فهو ليس لتغيير خلق الله عزّ وجلّ ابداً، وإنما هو حاجة فطرية حسّية وجسدية عند البشر للتمتع بأسلوب حياة مميّز، اطلق عليه انا اليوم صحة الجسد وصحة المظهر، للتخلص من شوائب الزمن وآلام تراكمات الحياة الجسدية التي يسمّيها بعض منكم بالشيخوخة ، وهي ثقافة فطرية ايضاً مرتبطة بنا منذ آلاف السنين وتطورت في كل عصر؛ حتى قيل إنها في العصر العباسي سمّيت بثقافة الجسد والنظافة، ولعدم وجود علم جراحات التجميل يقال إن حمامات الأسواق في بغداد فاقت في أعدادها محلات الحلاقين، وهذا يفسّر كثرة عيادات التجميل اليوم على مستوى العالم، وإن من يغير اشكالهم الحقيقية لأغراض غير سليمة، هم من لا يستطيعون مواجهة العالم لأسباب تعيق ظهورهم، وهم من يتسترون بكل المعاني وراء مظاهر وأشكال اخرى.
مفهوم جراحة التجميل الحقيقية لا يهدف الى التغيير في شكل الانسان، حيث يترجم مصطلح بلاستيك سيرجيري Plastic Surgery التي يعتقد كثيرون ان مصدرها البلاستيك، كون ارتباطه بالتصنيع بعيداً عن الطبيعة، ولكن الواقع العلمي يناقض ذلك، فهي كلمة يونانية لاتينية الأصل، وتسمّى بلاستيكوس وتعني اعادة التشكيل اواعادة البناء، وهذا هو الهدف الحقيقي لنتائج طب جراحات التجميل وليس التغيير. اما علم المحاسن الاستاطيقا
ويلفط بالانكليزية Aesthetics ويعرف عند الإغريق بوحدة العلاقات الشكلية بين الأشياء التي تدركها حواس الإنسان، وهذا يعني ان الميل الحسّي لرغبات الانسان في الظهور بأحسن حال عند الانسان، هو جزء مهم في ذاته، كادت ان تكون فطرة حسية حقيقية ورغبة، حتى أننا نراها احياناً في عيون الاطفال عندما يشعرون بثقة الاطلالة والجمال والثوب الانيق والشعر الجميل، ولكن مع الأسف ان الاستغلال السيئ والتطرّف يغزو كل المجالات، بما فيها هذا النوع من الطب الترفيهي الكلاسيكي الذي أصبحتُ حديثاً ألقِّبه بطب الجمال.
وفي ارشيف جراحات التجميل الترميمية والاختيارية تاريخ سياسي طويل وممتع في الوقت نفسه، ترجع تفاصيله الى عصور عدّة قد تعود إلى عهد كليوباترا التي اشتهرت بدلك جسدها بشظايا الذهب. فقد ابتدأ اول نشاطات عمليات التجميل مع انتهاء الحرب العالمية الاولى، حيث كانت المستشفيات الاوروبية تبحث عمّن لهم القدرة الطبية من الجراحين لعلاج تشوّهات ضحايا الجنود الجسدية، التي كان لها تأثير سلبي في الحالة النفسية لهؤلاء الاشخاص، فهو بقايا الدمار والإعاقات والتشوهات التي تركتها تلك الحروب البشعة في هؤلاء الناس، وهذا ما يفسّر أحياناً الشعور المؤلم لبقايات بصمات الزمن على البشر اليوم، كما يسمّيها البعض بالشيخوخة وبقايا تراكمات الخسائر من تكرار الحمل والولادة على السيدات نتيجة الإرهاق الشديد للجلد والعضلات والشعر، وغيرها من الأعضاء المرئية للإنسان، ومن بعد ذلك تطورت جراحة التجميل مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث انتعشت خبرة الجراحين في البرازيل، لتصبح محطة تستقبل نجمات هوليود الامريكية نتيجة تزايد النشاطات الفنية، حيث تمركزت ريو دي جانيرو مركزاً أساسياً لأولئك الفنانات الفاتنات، لإعادة تشكيل جمالياتهنّ المرتبطة بمعايير السينما الهوليودية ومقاييسها، وذلك ما جعل الأوروبيين ينقلون ضحايا جنودهم المشوّهين جرّاء الحرب العالمية الثانية الى البرازيل، لعلاجهم من تلك التشوهات. بين كل هذا الفارق الكبير ما بين نجمات هوليود المشعّات بالحيوية والفتنة
والجمال، وجنود جيوش الحرب العالمية الثانية الملطخين بالدماء والاكتئاب والتشوهات فإنهم يجتمعون في عامل مشترك واحد وأساسي جداً، وهو كونهم ناساً ولهم حقوق بشرية وإنسانية يحتاجون الى سلام داخلي عنوانه صحة الجسد والرضاء عنه.