محمد النغيمش يكتب للرجل: شخصيات تعرقل العمل
في غرفة حوارية ممتعة في تطبيق "كلوب هاوس" ناقشنا ما الشخصيات التي تُعرقِل سير العمل. كانت وجهة نظري أن تلك "الشخصيات" عديدة أو بالأحرى التي يغلُب على تصرُّفاتها سلوكٌ مُعيّن (نسمّيه مجازاً "شخصية").
الأول "الشخصاني": فهناك من ينظر للأمور بمنظور شخصي بحت. ويفسّر كل شاردة وواردة على أنه هو أو هي المقصودة. الشخصاني، إذا كان مُتَّخِذَ قرارٍ فإنه على الأرجح سينفر من سهام النقد الصريح لأنه يعتبرها طعناً في ذاته! وينسى أو يتناسى أنَّ شتان بين الفعل وصاحب الفعل. فحينما ننتقد سلوكاً أو تصرُّفاً أو تقريراً أو قراراً فإننا لا ننطلق من منطلق شخصي. فالقرار هو الذي يجب أن يتغيّر وليس المقصود خللاً في "الإنسان نفسه"، مُتَّخذِ القرار. وحتى ولو كان جزء من تلك الانتقادات التي طالته مقاصدها شخصية، غير أنه كمدير وكقائد يجب أن يترفّع عن تلك الظنون ولا يجعل هذه معركته ويتظاهر بأنه يتلقّى نقداً ظاهره مهني، حتى تكون ردود الأفعال مهنية. وربما يحرج بتصرفه من يوجه أصابع النقد المبطنة بالشخصانية.
من الشخصيات التي تعرقل العمل، القائد "الغارق" في التفاصيل. فهناك فارق بين القائد الذي "يسبح" في التفاصيل بملء إرادته، ووقتما شاء، وبين الغارق في التفاصيل وقد فقد السيطرة كليةً. وقد جرى العُرف في الإدارة أن يكون المديرُ وتحديدُ مرؤوسيه المعنيين بالتفاصيل. أمّا القائد فيُتوقَّع منه التركيز على الصورة الكلية والنتيجة والأهداف القريبة والبعيدة. ولا يتدخل في التفاصيل إلا بصورة مؤقتة ليعرف مَكمَن الخلل الذي لم تفلح معه كل نداءات الإدارة العُليا. ثم يُتوقَّع منه أن يعود فوراً إلى مقاعده تماماً كما يفعل قائد الطائرة؛ فالكابتن لا يترك غمرة القيادة إلا حينما تفشل محاولاته في فهم سبب تكرار الخطأ، من دون حلول أو مبررات وجيهة من مدير طاقم الضيافة. فتجده يتوجه نحو الراكب أو موقع المشكلة ليُحاول حلَّها ثم يعود أدراجه. ولو ترَك كلُّ قائد موقعَه في إدارة دفَّة السفينة حتى، سيكون مصيرُها الاصطدامَ في جبلٍ جليديّ كما حدث مع تايتانيك، أو الغرق. روعة القيادة أنها خُلِقت تراتبية إدارية مكونة من ثلاثة مستويات (القيادي، المدير، المرؤوس). وذلك حتى يتولى كل مستوى إداري مهام معينة تُسهّل مهمة القائد. تماماً مثل فكرة إدارة الجودة: هناك عدة مستويات تراقب، وتعدل، وتحسن، وتطور حتى يكون المنتج النهائي أو الخدمة متماشية مع تطلعات الناس والمنظمة.
من الأفراد الذين يعطلون العمل "الانفعاليون". فعندما يغلب على الفرد الانفعالية المبالغ فيها فإن احتمالية أخطائه ستكون أكبر لأنه سيجد صعوبة بالغة في السيطرة على ردود أفعاله تجاه غضب مراجع أو عميل أو مدير. ومن خبرة طويلة في العمل الإداري لاحظت من الزملاء مَن تنجح الخبرة والأخطاء السابقة في تغيير نبرة صوتهم وأفعالهم الانفعالية، لأنهم أدركوا بأن الانفعالي يصبح أسيراً لخصومه. فيستطيعون بسهولة إغاظته فيقلبون عليه الطاولة ويخرجونه بمخرج المخطئ وغير الحكيم أو المتسرّع.
هناك أيضاً الشخص الذي لا يسمع بوعي ما يقوله من حوله. فعندما يغيب فن الإنصات عن المسؤول أو المرؤوس فهو في الواقع يكون عرضة لارتكاب أخطاء عديدة. فقد يهدر وقته في عمل مغاير تماماً لما طُلِب منه. الذي لا يسمع ربما يقع في هفوات كانت تُرتَكب أمام ناظريه لكنه لم يكن يُصغي جيداً لعُمق المشكلة ولا لفهم أسبابها. فيكرر أخطاء من سبقوه.
ومن الشخصيات التي تُعرقل العملَ "الانتهازيُّ". فالانتهازي أجندته تختلف عن أجندة العمل. لأنه ينظر إلى ما يجري من حوله من منطلق مصلحي شخصي بحت. فهو مُستعدٌّ أن يضرب بمصالح العاملين والعمل ككل عرضَ الحائط في سبيل أن يظفر بهدف شخصي. وهو أيضاً لا تهمه أن تُشوَّه سمعةُ المؤسسة في الإعلام أو لدى الناس ما دام أنه ينتهز تحقيق مقاصده الشخصية. والانتهازيُّ على الأغلب لا يكْترِث لفكرة الصف الثاني لأنه يرى فيها عائقاً أمام تسلُّقِه. وربما كان أحد الأسباب التي تئد الكفاءات في العمل.
كثيرة هي الشخصيات التي تعرقل العمل، والمشكلة قد تستفحل إذا لم يحاول الفرد إعادة النظر بسلوكه وأخذ انتقادات من حوله على محمل الجد. وهذه الصراعات أو الشخصيات هي جزء من طبيعة بيئة العمل، التي يتوقع أن يجد الفرد طرقاً عديدة للتعامل الحصيف معها.