كيف تستخدم مخطط نموذج العمل التجاري في عملك؟
لا يقتصر النجاح على الفكرة المجردة. إذ دائمًا هناك احتياج لتحليل هذه الفكرة من جميع الجوانب، والتأكد من إمكانية تنفيذها وإنتاج نموذج عمل مربح لها. من أهم الأدوات المستخدمة في تنفيذ هذا الأمر، نموذج مخطط العمل التجاري "Business Model Canvas".
اقتُرح النموذج للمرة الأولى بهذا الشكل في عام 2005 بواسطة ألكسندر أوستروالدر، الذي عمل في مجال نموذج الأعمال التجارية لفترة طويلة من الوقت. ثم لاحقًا في عام 2010 نشره رفقة إيف بينور في كتابهما "Business Model Generation".
النمو أم الربحية: كيف تختار الأنسب لشركتك الناشئة؟
لماذا يعد مخطط نموذج العمل التجاري من أهم نماذج العمل المستخدمة؟
يستخدم مخطط نموذج العمل التجاري كوسيلة ممتدة للتأكد من جدوى الفكرة المخطط لها. إذ يساعد في تحويلها من مجرد فكرة موجودة، إلى قابلية إنتاج ربح مستمر منها. مع توظيف عناصر يمكن الاستفادة منها مثل شبكة العلاقات الخاصة بأصحاب المشروع.
يتكون النموذج من 9 عناصر، تجتمع فيها جميع مكونات الأعمال التجارية معًا، سواءً المتعلقة بالمنتج أو الهيكل أو الأمور المالية. يؤدي هذا الجمع إلى إمكانية التأكد من ملاءمة كل جزء مع بقية الأجزاء، وبالتالي ضمان النجاح على جميع المستويات.
يمكن تقسيم النموذج إلى 4 أجزاء رئيسية:
- القيمة المعروضة: تضم القيمة الأساسية المقترحة في المشروع.
- العملاء: تضم شرائح العملاء، القنوات، العلاقات مع العملاء.
- البنية التحتية: تضم الأنشطة الرئيسية، الموارد الأساسية، الشركاء.
- الماليات: تضم هيكل التكاليف، مصادر الدخل.
القيمة المعروضة: ما الذي يقدمه المشروع؟
يدور كل شيء في مشروعك حول القيمة المعروضة، لذا تعد هي الجزء الأول من النموذج، الذي يتحكم في بقية الأجزاء. يتكون هذا الجزء من عنصر واحد فقط، وهو القيمة المقترحة في المشروع.
1- القيمة المقترحة "Value Proposition"
تمثل القيمة المقترحة المنتجات أو الخدمات التي تنوي الشركة تقديمها لعملائها. يكون الهدف الأساسي من القيمة هو خلق ميزة تنافسية للمشروع عن بقية المنافسين، مع إرضاء احتياجات العملاء الحاليين. لذا، يجب أن يكون هناك قيمة أساسية واحدة على الأقل تُقدم للعملاء.
يظن البعض أن القيمة الأساسية المقدمة هي السعر الأقل للمنتج أو الخدمة. على الرغم من كون السعر أحد القيم التي يمكن تقديمها، لكنّها ليست الخيار الوحيد، وفي الحقيقة ليست الخيار الأنسب كذلك لكل المشاريع، إذ قد لا يكون ذلك كافيًا لتمييز المشروع.
يمكن أن تشمل القيمة الأساسية: تحسين في أداء المنتج أو الخدمة، تسهيل الوصول إلى المنتج أو الخدمة، توفير خصائص إضافية تسهّل استخدام المنتج، تقليل المخاطر المحتملة عند استخدام المنتج. من المهم بناء القيمة حول احتياجات العملاء، حتى تلقى القبول لديهم عند بدء المشروع.
العملاء: من هم العملاء المحتملين للمشروع؟
لمن تُقدم القيمة الأساسية في المشروع؟ بالطبع تُقدم إلى العملاء المحتملين له. لذا، لا يمكن إيجاد قيمة دون التفكير في الجمهور المستهدف في المشروع. ونجاح القيمة يعتمد بالأساس على وجود عملاء يُمكن تقديم هذه القيم لهم وتكون ذات فائدة. لذا، يمثل العملاء الجزء الثاني من النموذج.
2- شرائح العملاء "Customer Segments"
العنصر الأول في العملاء يتمثل في الإجابة على سؤال هام وهو: ما هي الفئات الأساسية التي نُنتج القيمة لها في المشروع؟ يُمكن تقسيم العملاء إلى فئات متعددة، مثل: السوق الجملة "Mass Market" الذي لا يفرّق بين شرائح العملاء، مثل المشروبات الغازية.
قد تشمل شرائح العملاء تقسيمات أخرى، يحدث ذلك بناءً على الاحتياجات الخاصة بالعملاء، وكيف يمكن تصنيفها لينتج عنها مجموعات متشابهة من العملاء.
مهارات المستقبل (8): توجيه الخدمات طريقك لإرضاء احتياجات العملاء
3- القنوات "Channels"
كيف يمكن تقديم القيمة المقترحة إلى العملاء؟ ينتج عن هذا العنصر الثاني في مخطط نموذج العمل التجاري فيما يتعلّق بالعملاء. من المهم عند اختيار العملاء، التفكير فيها من ناحية القنوات التي يرغب العملاء في أن تصل إليهم من خلالها، لا رغبتك أنت.
بالتالي، إذا كان الأنسب للعملاء استخدام مكان للبيع على أرض الواقع، وأنت ترغب في العمل من خلال متجر إلكتروني، فغالبًا لن تكون قادرًا على تحقيق البيع. نظرًا لأنّ هذه ليست القنوات المناسبة بالنسبة للعملاء.
كذلك هناك شيء آخر يتحكم في اختيار القنوات، وهو مدى فاعلية القناة، إلى جانب التكلفة الخاصة بها. إذ قد تكون هناك قنوات تعمل بصورة أفضل من غيرها، فالأفضل استثمارها. بعكس القنوات التي لا تؤتي نتائج جيدة، وتكلفة استخدامها كبيرة على المشروع.
4- العلاقات مع العملاء "Customer Relationship"
من المهم التفكير في كيفية إدارة العلاقات مع العملاء. إذ يؤثر هذا في الحفاظ على العملاء الحاليين، ومساعدتهم في تقديم أفضل تجربة لهم. يمكن تقسيم الهدف من العلاقات مع العملاء إلى ثلاثة مراحل: الأولى هي إحضار عملاء، الثانية هي المحافظة عليهم، الثالثة هي النمو بواسطتهم.
يمكنك من خلال خلق الانتماء لدى العميل، ضمان مساهمته في التسويق لمنتجاتك أو خدماتك. يعد هذا النوع في التسويق من أهم الأنواع المؤثرة على قرارات الشراء، إذ نحب جميعًا الاستماع إلى آراء وتقييمات من الآخرين لما ننوي شرائه، ونرى في ذلك مصداقية حقيقية.
البنية التحتية: كيف يُبنى هيكل الشركة في العمل؟
يتكون الجزء الثالث من مخطط نموذج العمل التجاري من البنية التحتية الخاصة بالمشروع. تمثل الفائدة من هذا الجزء إمكانية الاستفادة من شبكة العلاقات في تنفيذ بعض المهام، إلى جانب تحديد الأنشطة والموارد المطلوبة لنجاح المشروع.
5- الأنشطة الرئيسية "Key Activities"
تشمل الأنشطة الرئيسية جميع الأنشطة المطلوبة في المشروع، سواءً لاستغلالها في تنفيذ وإنتاج القيمة المقترحة في المشروع، أو لتوصيل المنتجات والخدمات للعملاء، أو أنشطة التسويق وإدارة العلاقات مع العملاء.
تُضاف الأنشطة الرئيسية بعد تحديد القيمة وشرائح العملاء وقنوات التوزيع، إذ أنّ هذه العوامل الأساسية في تحديد الأنشطة الأكثر ملاءمة للمشروع.
6- الموارد الأساسية "Key Resources"
كيف يمكن تنفيذ الأنشطة الواردة في مخطط نموذج العمل التجاري؟ حتى يحدث ذلك، فأنت بحاجة إلى وجود موارد تساعدك في ذلك. تشمل هذه الموارد المعدات والأدوات المستخدمة، الموارد البشرية، الموارد المالية للمشروع.
كما هو الحال للأنشطة الرئيسية، فإنّ الموارد تحدد بعد الانتهاء من تسجيل العناصر السابقة في النموذج. من المهم في هذه الخطوة التركيز على تحسين الموارد، وإدارة التكلفة الخاصة بها لتصبح أقل، في الوقت ذاته تعطي الإنتاجية المطلوبة.
7- الشركاء "Key Partners"
من أهم العناصر في مخطط نموذج العمل التجاري هو العنصر الخاص بالشركاء. يمكنك مراجعة شبكتك حتى يمكنك تحديد الشركاء المناسبين، الذين يمكنهم تقديم الفائدة للمشروع. سواءً كانوا الموردين للمواد الخام، أو شركاء لتنفيذ أحد أجزاء المشروع.
يعد اختيار الشركاء من الخطوات التي تساهم في تقليل النفقات على مشروعك، كما أنّها تمثل عنصرًا للتسويق في المشروع، إذ يمكنك الاستفادة منهم للوصول إلى العملاء المحتملين للمشروع.
كيف تعثر على الشريك المناسب لشركتك الناشئة؟
الماليات: ما هي التكاليف ومصادر الدخل للمشروع؟
إذا كانت الأجزاء السابقة من مخطط نموذج العمل التجاري تؤسس للمشروع، وضمان وجود قيمة حقيقية يبحث عنها العملاء، فإنّ الجزء الخاص بالماليات هو ما يحدد شكل الربحية في المشروع. فما الفائدة من عمل مشروع بفكرة ناجحة لكن لا يمكن تحقيق ربح من خلاله؟
8- هيكل التكاليف "Cost Structure"
من خلال تحليل جميع العناصر السابقة، يمكنك تحديد التكاليف في المشروع. تشمل هذه التكاليف إنتاج القيمة والتسويق والإنفاق على الأنشطة والموارد الأساسية بصورة عامة. من المهم التفكير بعد تسجيل هذه التكاليف، في كيفية إدارتها لتقليل الإنفاق بالشكل المناسب.
منهجية «الأجايل»: كيف يمكن للمدير المالي تبني مفهوم الرشاقة لضمان نجاح المؤسسة؟
9- مصادر الدخل "Revenue Streams"
العنصر الأخير والأكثر أهمية في مخطط نموذج العمل التجاري. إذ يمكن من خلال مصادر الدخل، تحديد الطريقة التي سيكون مشروعك قادرًا على تحقيق الربحية. في الوقت الحالي، لم يعد الاكتفاء بمصدر واحد للربح كافيًا، بل من المهم البحث عن أكثر من طريقة لتحقيق الأرباح.
يساهم هذا في زيادة دخل المشروع من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكن استثماره في أوقات الأزمات. على سبيل المثال، المشاريع التي استخدمت كلًا من منافذ البيع والمتاجر الإلكترونية، تمكنت من الصمود في مواجهة أزمة كورونا، لأنّها امتلكت بديل للبيع عند توقف عمل المنفذ.
يمكن وضع هذه المصادر بناءً على تحليل القيمة المقترحة وكذلك تحليل العملاء، والتفكير في الأشياء التي يمكن للعملاء في المشروع الدفع من أجلها إذا وُجدت. مما يساهم في زيادة الأرباح، وضمان استمرارية المشروع في المستقبل.
كيف تزيد من فاعلية مخطط نموذج العمل التجاري؟
في النهاية، مخطط نموذج العمل التجاري هو أداة تستخدم لإيجاد طريقة العمل المناسبة للمشروع، والتفكير في أنسب الوسائل الممكنة لتحقيق الأرباح، مع ضمان تقديم قيمة حقيقية للعملاء الذين يبحثون عنها. لذا، هناك بعض النصائح التي تزيد من فاعلية مخطط نموذج العمل التجاري:
1- النموذج مجرد أداة: يظن البعض أنّ مجرد كتابة مخطط نموذج العمل التجاري يضمن له مشروعًا ناجحًا. لكن في الواقع، هذا ليس صحيحًا على الإطلاق. النموذج هو مجرد أداة لتكوين الفكرة، لكن التأكد من فاعليتها يحتاج إلى اختبار.
لذا أنت بحاجة إلى الخروج والبحث عن العملاء والتواصل معهم. سيكون بإمكانك من خلال هذا الأمر مراجعة الأفكار التي سجلتها، ومعرفة مدى ملاءمة القيم الخاصة بك للشرائح المستهدفة من العملاء، إلى جانب إمكانية تطوير الفكرة بالمتوافق مع تعليقات العملاء.
2- الكتابة ليست هي الهدف: عندما يبدأ البعض في كتابة العناصر التسعة للنموذج، يتعاملون مع الأمر على أنّه نموذج للكتابة، لذا يسجلون البيانات حتى إذا كانت غير دقيقة، فقط للشعور بالانتهاء من تحضير المخطط.
بالطبع الكتابة ليست هي الهدف، أنت بحاجة إلى التأكد من فهمك لكل شيء بخصوص فكرة مشروعك، ثم فهمك جيدًا لعناصر مخطط نموذج العمل التجاري، وكتابة البيانات التي تملكها بالفعل في المقام الأول. بعد ذلك البحث عن البيانات الناقصة لكتابتها، بما يتطلبه ذلك من بحث خارج الشركة، ومحاورة للعملاء، والبحث عن الشركاء، وغيرها من الخطوات.
3- تحقيق الفاعلية القصوى من كل عنصر: بعد الانتهاء من كتابة العناصر في مخطط نموذج العمل التجاري، فانت بحاجة إلى التفكير مرة أخرى في كيفية تحقيق الفاعلية القصوى في كل عنصر. يتطلب هذا مراجعة دقيقة للمحتوى، وتعديله حتى تصل إلى أفضل شكل.
يشمل الأمر تحليل كل عنصر جيدًا، ومعرفة الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها، أو بالعكس تعزيز استخدامها في المشروع. على سبيل المثال، إلغاء قناة توزيع معينة، مع استثمار المجهود في قناة أخرى. يؤدي هذا إلى توفير في التكاليف، مع تعزيز للنتائج.
من الأمثلة الأخرى أيضًا، بدلًا من الاكتفاء بمصدر ربح واحد في المشروع، يمكنك بحث السبل الأخرى لزيادة الربحية. إذا كان مشروعك هو صالة للألعاب الرياضية، بدلًا من تحقيق الربح من الحضور مرة واحدة، يمكنك إتاحة الاشتراكات الشهرية. يمكنك أيضًا توفير قائمة بالوجبات الصحية وبيعها إلى المهتمين.
يمكنك إجراء هذا التحليل على جميع العناصر، لكن ضع في اعتبارك أنّه مع كل تعديل في أحد العناصر، ستحتاج أيضًا إلى مراجعة شاملة لبقية العناصر لتعديلها طبقًا للتصور الجديد، حتى تضمن التكامل بين عناصر مخطط نموذج العمل التجاري لمشروعك.
يمثل نموذج العمل للمشروع أداة مهمة للنجاح. لكنّها تحتاج إلى شيئين: العقلية السليمة في التفكير، التي تبني كل شيء على الحقائق لا الافتراضات. والاختبار للأفكار الذي يؤكد مدى فاعليتها، ويضمن إمدادك بالحقائق الواقعية. بامتلاكك للاثنين، مع تطبيق خطوات النموذج، ستكون قادرًا على إنتاج نموذج عمل ناجح لمشروعك.
المصادر: