رائدا الأعمال إبراهيم هاشم وعبد الحكيم باقبص: بدأنا بـ10 آلاف ريال واليوم نخطط لافتتاح أول مطعم سعودي في باريس
حين تتجول في مدينة جدة ثاني أكبر المدن السعودية تجد أن المطاعم تحمل علامات تجارية دولية للكثير من الشركات الاستثمارية بحكم أن السعودية تُعدّ من أقوى الأسواق الشرق أوسطية، ومن الطبيعي أيضاً أن ينافسها السوق المحلي بمشاريع شبابية محلية بنكهات عالمية بحكم أن كثيراً منهم تم ابتعاثه في الفترة السابقة إلى دول مختلفة.
فيما ذهب البعض الآخر للوجبات السريعة، أو تأصيل النكهة السعودية وتحديدا الحجازية برائحة الهيل الأصلي، وقهوة اللوز البيضاء. ومع ذلك لم تصمد بعض منها معلنة إغلاق أبوابها أو عدد من فروعها في محاولة لتقليص حجم خسارتها بسبب التحول الاقتصادي العالمي، إضافة لتداعيات جائحة كورونا.
إلا أن تجربة المهندس عبد الحكيم باقبص القادم من أسرة تجارية وإبراهيم هاشم القادم من عائلة تعمل في حملات (القصواء للحج والعمرة) في مجال المطاعم كانت مختلفة، تمكنا وخلال بضع سنوات من تحقيق نجاحات وضعتهما في الطليعة، فقد جمعتهما الصدفة، منتجة شراكة مؤسساتية أعلنت فوزها في وجه جميع التقلبات الاقتصادية مع تأثرات تكاد تكون طفيفة.
البدايات وصدفة اللقاء
وعن البداية تحدث عبد الحكيم باقبص لمجلة الرجل قائلا: "التقيت إبراهيم صدفة بحكم أنه صديق مقرب لابن عمي، وبالجلوس معه والحديث مرة بعد أخرى تعرفت على شغفه في الطعام، إضافة إلى أنه طاهٍ يجيد تركيب المكونات، ولعل هذا يأتي بحكم أنه كان مسؤولاً عن الضيافة في شركة والده وكل ما يقدم للحاج والمعتمر من أطعمة ووجبات طيلة فترة وجوده في الحملة، وبحكم شغفي أيضاً في الطهي والطعام لدرجة أني قررت دراسة المجال بشكل محترف واكتساب خبرة فيه فقد استطعنا أن نتوالف مع بعضنا، ولعلّنا وجدنا ضالتنا في هذا الشغف، بدأت الشراكة مع إبراهيم منذ عام 2012م حين أسسنا شركة صغيرة تحت اسم (لايف ديزاين) وكانت تعني بالتصميم، والتصوير، والتسويق الرقمي برأس مال لا يتعدى العشرة آلاف ريال تم شراء لاب توب، وكاميرا".
موضحا أن العمل من خلال هذه الشركة الصغيرة بات ناجحا وحقق رأس المال وأرباحا جيدة جدا واستمر فترة الدراسة في بريطانيا حتى آخر عامين حينما تعرض إبراهيم لمشكلة في إقامته وقررت الحكومة البريطانية سحب تراخيص الجامعة التي ينتسب لها، ما اضطر إبراهيم للانتقال إلى مقاطعة أخرى والبدء في جامعة مختلفة وبتخصص مختلف تماماً.
ليلتقط إبراهيم خيط الحديث مستكملاً: "في هذه الفترة كنت على وشك إتمام مراسم زواجي وبتغير الجامعة والأوضاع الدراسية، وانتهاء الفيزا وجب العودة إلى جدة للبحث عن جامعة جديدة، هنا بدأت الاهتمام بالمشروع بشكل فعلي حتى بانت ملامحه وحقق أرباحا جيدة لدرجة أن أخي وصديقا آخر قررا الدخول معنا كشراكة مالية، إلا أن المشروع بدأ بالانهيار مع مرحلة الانتقال إلى جامعة جديدة مرة أخرى والاهتمام باختيار تخصص آخر لنقرر أنا وعبد الحكيم إنهاءه في عام 2014م".
وعلى الرغم من أن المؤسسة تم انتهاء عملها الرسمي على حد قول رائد الأعمال إبراهيم هاشم فإن السجل لا يزال موجودا وساري المفعول حتى اللحظة، وجميع الأعمال ذات العلاقة تنفذ من خلال مؤسسة ( لايف ديزاين ).
الغربة غيّرت اهتمامي
وبالعودة للمهندس عبد الحكيم باقبص والذي آسره الطبخ بمكوناته العشبية، وتتبيلاته الحرفية أكد أنه لم يكن من عشاق المطبخ، ولم يجرب خلال وجوده في السعودية أي وصفة ما، ولم يشارك والدته أيا من أعمالها في مملكتها الصغيرة، إلا أن الغربة فرضت عليه اكتشاف لذة الطعم قائلاً: "سنوات الدراسة كانت تجربة اختبرت من خلالها معنى التحول في الحياة من شخص لديه المقومات كافة، لإنسان يجب أن يتعلم أبسط وأدق التفاصيل وكان من بينها الطعام".
ويضيف: "فكنت لأول مرة أسافر لعدة أشهر متواصلة بدون العودة لأرض الوطن، فقد نشأت في منزل لم يعترف بالوجبات السريعة بتاتا، ولا حتى بالمطاعم الخارجية، وهذا جعلني أشعر بالفرق الكبير جدا عند دراستي في الخارج، أضف أن راتب البعثة بالكاد يفي باحتياجات الطالب إلى آخر الشهر".
ويتابع: "وللصدفة بعد ثلاثة أشهر سألَت الأستاذة عن نشاط كل طالب خلال العطلة الأسبوعية، فأجاب أحد الطلاب بأنّه يطبخ مع أصدقائه أكلات شعبية سعودية، حينها لم أتمالك نفسي حتى انتهت المحاضرة وتعرفت عليه وطلبت منه الوصفة لأطبقها في نفس اليوم، ولمدة أسبوع يوميا كنت أطبخ ذات الطبق، هنا اكتشفت أسرار النكهة، ومن ثم بدأت بالاتصال بالوالدة لتعطيني وصفات طبخات أنفذها في البيت حتى أتقنت جميع الوصفات بكل مقاديرها".
ليس هذا فقط بل أصبح يوم الجمعة هو يوم تجمع الأصحاب المغتربين والأصدقاء ليقوم عبد الحكيم بالطهي لهم وتحقيق ما يتمنون من وصفات وأكلات يفتقدونها في بلاد الغربة.
شغف ثم دراسة
بدأ المهندس عبد الحكيم باقبص بالاهتمام بقائمة الطعام الأسبوعية والتي كانت تجمع عددًا من المبتعثين السعوديين في بلاد الغربة، وفي الوقت الذي يذهب كثير منهم لدور السينما، أو النوادي الرياضية، كان عبد الحكيم يبحث عن أصناف اللحوم، الخضراوات، البهارات ليعد له ولزملائه أشهى المأكولات التي بدأ يتعلمها إما من والدته عبر محادثاته اليومية، وإما من قنوات اليوتيوب.
وذهب أبعد من ذلك عندما بدأ يتعلم حرفية التقطيع، والنكهة، والتذوق، وأصبح كل من إبراهيم وحكيم على موعد أسبوعي لتحدٍّ في تنفيذ أكلة معينة، أو حرفية بعينها في تطبيق وصفة ما، هنا قرر المهندس أن يتوقف عن دراسة الهندسة الكيميائية والعودة لافتتاح مشروعه الخاص، إلا أن إبراهيم أثناه عن الفكرة ليستكمل دراسته الهندسية، ويلتحق بعدها ولمدة ستة شهور بأشهَر مدرسة لتعليم فن الطهي والتي تعود ملكيتها للشيف البريطاني العالمي رامزي، وليتحول شغفه إلى علم ومعرفة متخصصة.
وفي هذه الأثناء عاد إبراهيم لاستكمال دراسته في تخصصه الجديد الإعلام الرقمي، وبالفعل انتهت الحياة في الابتعاث وعاد كلاهما إلى أرض الوطن ليعمل المهندس عبد الحكيم باقبص في ( ليلتي) إحدى قاعات الأفراح الخمس نجوم والتي يتبع لها أكثر المطاعم فخامة، فيما عاد إبراهيم للعمل العائلي (حملة القصواء للحج والعمرة) ليصل إلى منصب مدير للتسويق.
إلا أن المهندس لم يكتفِ بما تعلمه في بريطانيا، ليترك عمله ويتجه إلى فرنسا في تحد جديد وتعلم سر النكهة الفرنسية، في هذا الوقت لمعت فكرة افتتاح مطعم خاص بالشراكة مع إبراهيم وبإيعاز من مجموعة أصدقاء تربطهم علاقة بكليهما.
حماس وشراكة جيدة
بعد عدة اجتماعات بين جميع الأطراف قرر إبراهيم وعبد الحكيم تأسيس مطعم سعودي تعود ملكيته لشخص سعودي، وبتنفيذ شيف سعودي وبالفعل بدأ العمل على تنفيذ الفكرة والتي تم الاتفاق عليها في يوم 26 رمضان 2015م، وهنا يستكمل إبراهيم الحديث قائلا: "كنّا سبعة شركاء وجميعنا تربطنا علاقة صداقة جميلة، وبدأت الفكرة كمشروع صغير يلبي شغف عبد الحكيم في الطبخ، إضافة إلى أنه استثمار لرأس مال متوفر، ومع الاجتماعات المتكررة أخذت الفكرة شكلا احترافيا أكثر".
اتفق الأصدقاء في البداية على أن يكون رأس المال (نصف مليون ريال)، يكمل إبراهيم حكاية التأسيس قائلاً: "في الاجتماعات التالية بدأنا بوضع خطط صحيحة حتى لا نقع في الأخطاء السابقة، وبالفعل تم تأسيس شركة تحت مسمى (شغف الطاعم) لتصبح رسالة المطعم (مطعم عالمي بشيف سعودي تحاكي المطاعم في الخارج)، ولمدة سنتين كان لدينا اجتماع أسبوعي إجباري لمناقشة تطورات العمل والإجراءات كافة، ولمدة عام كامل كانت لدينا تجارب على الأطعمة، وقمنا بأكثر من 30 جلسة تذوق للخروج بالقائمة التي نفخر بها".
تم تحديد المكان بسعر عالٍ جداً، وبدأ العمل على تصميم الديكورات المناسبة، وفي يناير 2017 تم افتتاح المطعم بحلته المختلفة، وفكرته الجديدة، وأسعاره البعيدة كل البعد عن المتعارف عليه، مستهدفا فئة الشباب الذي يبحث عن الطعم والمذاق والنكهة العالمية وبسعر مرتفع نسبيا (المطعم الكاجوال فاين) وبرأس مال تجاوز ثلاثة ملايين ريال.
بين صعود وهبوط
في عام 2017 وهي السنة الأولى حقق العمل نجاحا جيدا، وبدأ بالانتشار بشكل واسع جدا لدى الشريحة المستهدفة، حتى عام 2018م والتحول الاقتصادي، والتخوف الذي أصاب المجتمع السعودي لتأثر السوق المحلي مثله مثل باقي أسواق المنطقة، وبالفعل كانت سنة صعبة جدا على جميع المؤسسين للمشروع، ليضيف رائد الأعمال إبراهيم هاشم قائلاً: "البداية كانت مشجعة جداً، وحصدنا دعماً كبيراً من العائلة، الأصحاب، بل وحتى الفئة المستهدفة والتي بدأت بالتوافد على المطعم، إلا أن التقلبات النفطية، واختلاف العامل الاقتصادي لدى الأسر السعودية خصوصاً الشباب الذي يعمل برواتب متوسطة جعلتنا على المحك، ومع ذلك قررنا المضي في المشروع وضخ مزيد من الأموال للخروج من الأزمة".
ويضيف "بالفعل استمر العمل مع كل التحديات التي واجهتنا حتى دخول 2019 والذي شهد انفراجا كبيرا وتحولا جيدا ونسبة إقبال كبيرة مرة أخرى على المطاعم، بل إن خلال الفترة السابقة تطور العمل من مجرد مطعم يقدم وجبات مختلفة إلى إعداد ولائم ومناسبات ذاع صيته، حتى تم استدعاؤنا في مناسبة خاصة وإعداد لائحة الطعام المقدمة لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في ذلك الوقت، والتي نالت استحسان الملك سلمان حفظه الله، ليتم استدعاؤنا في عام 2018 لحفلات أكبر، وفي عام 2019 تم استدعاؤنا في حفل استقبال الحكومة السعودية للحكومة الإماراتية في حفل الهجن، ومن ثم حفل الدرعية وكان هذا الحدث الأكبر حيث تم اختيارنا لإعداد ضيافة حفل الافتتاح".
ولفت إلى أنه تم استدعاؤهم مؤخرا لتولي مهمة ضيافة حفل "G20" والذي كان من المفترض إقامتها في مدينة الرياض نوفمبر الماضي، إلا أن جائحة كورونا عملت على إلغاء المشروع.
نقل الخبرات للآخرين
في عام 2019م شعر كل من رائدي الأعمال عبد الحكيم وإبراهيم أنهما أصبحا على استعداد تام في مشاركة خبراتهما للآخرين، حيث إنهما يمتلكان خبرة في مجال عملهما سواء قبل افتتاح المطاعم التي تندرج تحت مؤسسة شرف الضيافة (بريوشيه، مخبز بريوشيه، مدخن، إضافة إلى أربع شركات جديدة سترى النور خلال 2021)، من هذا المنطلق أصبحت مؤسسة الضيافة وتحديدا إبراهيم وعبد الحكيم مستشارين لعدة جهات أخرى.
يوضح إبراهيم هاشم قائلا: "كل التجارب والأزمات التي مرت بنا سواء خلال افتتاح المطعم بهويته المختلفة وتقديمه قائمة طعام غير معتادة، أو خبراتنا العملية السابقة جعلتنا من قادة السوق السعودي في هذا المجال، إضافة إلى التوسع الذي شهدته المؤسسة في عقد شركات مع مطاعم جديدة، كل هذه المؤشرات والخبرات جعلتنا نشعر بوجوب مشاركتها مع الآخرين من أصحاب الأعمال لنصبح أيضاً شركة استشارية لأكثر من خمس عشرة جهة نساعدها في إعداد منهجية سليمة وخطة عمل ناجحة، أو تطوير قوائم الطعام، أو في إعادة ترتيب مؤسساتهم تسويقيا ومن ناحية المبيعات".
مؤكدا أنه مع نهاية 2019 كان لهم خط واضح في مطعم بريوشيه، ومخبوزات بريوشيه، وتقديم الاستشارات.
خطة لمواجهة الجائحة
كان من الطبيعي أن تتوقف الكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة مع تفاقم جائحة كورونا والتي بدأت منذ أوائل عام 2020 كثيرا، في حين يؤكد إبراهيم هاشم أنهما استطاعا الفوز بالتحدي، ولكن كيف؟ وبأي خطط وأدوات؟ يجيب: "نحن ممن استطاع الفوز بالتحدي وذلك لأننا تعاملنا مع الجائحة يوما بيوم، حيث إننا وضعنا الاحترازات الصحية من بداية الأزمة وقبل حتى الدولة، استخدمنا وقت الحظر في تقديم منتجات تصل للمنازل تعوض الألم النفسي في عدم الخروج من البيت، على الرغم من تعرضنا لخسارة مالية كبيرة خلال الجائحة إلا أننا حاولنا بشكل فعلي تجاوز الأزمة".
ويضيف موضحاً: "قدمنا في البداية سلة تحتوي على مجموعة منتجات محببة للعائلة ويمكن طبخها بكل سهولة، ومن ثم ستيك بوكس مع تقديم شرح وافٍ بالفيديو في طريقة إعداده وحققت نجاحاً رائعاً، ثم سلة فطور رمضان، ثم سلة فطور العيد، ثم قدمنا أربع تجارب حيث تقوم بإعداد الطعام تماماً كما يتم داخل المطعم".
مبينا أن التجارب الأربع توزعت على تجربة الشيف السعودي، والشيف الفرنسي، والشيف المغربي، والشيف الإيطالي. ومنوها بأنه حاليا وبعد انتهاء الحظر يؤكد أنهم في مرحلة التعافي مما جعلهم على مشارف تقديم أطباق جديدة مع بداية العام الجديد.
خمس نصائح لرواد الأعمال
الشريك: ابحث عن الشريك المناسب من يكملك في الشراكة.
الاتفاق: يجب أن تكون الشراكة مكتوبة ومتفق على أدق التفاصيل فيها، ولا تفترض الأسوأ ولا الأفضل، اكتب التفاصيل كافة.
الشغف: يجب أن تعمل في شيء تمتلك الشغف فيه، لأن عمل اليوم ليس عمل الأمس، حيث إن التنافسية أعلى جدا, تطلعات العميل أعلى من السابق جداً، الشروط أصعب؛ لذلك إن لم يكن لديك الشغف فلن تستطيع الصبر والاستمرار.
الإنفاق: لا تصرف أكثر مما يمكن ولا تبدأ بدين لا تستطيع رده.
التفرغ: يجب التفرغ تماماً للعمل الخاص حيث إنه لا يمكن الاستمرار والنجاح إن كنت في وظيفة لقطاع حكومي أو خاص.
طموحنا العالمية
يعمل رائدا الأعمال عبد الحكيم باقبص، وإبراهيم هاشم حاليا على منح العلامة التجارية (فرينشايز ) مدخن وهو أحد المطاعم التي تندرج تحت مؤسسة شرف الضيافة وهو من الأسرع نجاحا والأكثر سهولة مع بداية 2021. مضيفا: "نحن كشركة نرى أنفسنا روّاد الضيافة في الشرق الأوسط، بدأت الرؤية في 2015، وستنتهي عندما يصبح بريوشيه علامة سعودية عالمية حيث إنني أراه في كل من لندن، دبي، فرنسا، نيويورك، ميامي وهذه الخطة الخمسية القادمة".
مؤكدا أنهم شركة أصبحت تمتلك الخبرة، فهم على جاهزية لتقديم الاستشارات وقيادة هذا النوع من المطاعم إلى الأهداف المأمولة، إضافة إلى مشاريع سترى النور مع مشارف العام الجديد في كل من جدة، والرياض، إضافة إلى التجهيز لافتتاح أول مطعم سعودي في باريس خلال 2021م.