في عالم الأعمال .. هل أنت قائد أم سياسي؟
في عالم الأعمال هناك شخصيات مختلفة، فهناك التنافسي وهناك العدائي وهناك الذي يعتمد مقاربات مباشرة ويقود فرق العمل بفعالية وهناك نوعيات دبلوماسية، وفئة غايتها إرضاء الجميع من أجل الحصول على ما تريده وغيرها. أي باختصار في عالم الأعمال هناك السياسي وهناك القائد. البعض قد يعتبر أن القائد عليه أن يكون سياسياً بشكل أو بآخر والعكس صحيح، ولكن الأمر أبعد من مجرد تعريفات قد تجمع بين الصفتين من الناحية النظرية وبالتأكيد أكثر تعقيداً.
السياسية نقيض القيادة
السياسة والقيادة يعرفان المؤسسة. المفهومان عادة يتقطعان ويصعب الفصل بينهما لأن الناس عادة تسعى خلف السلطة لعدة أسباب: لمساعدة أنفسهم على زيادة قيمتهم، كي يشعروا بأنهم يسيطرون على زمام الأمور، وكي يتمكنوا من إسماع صوتهم، أو كي يكون لهم مكان ضمن مجموعة ما أو فئة ما وغيرها الكثير من الأسباب.
ومع ذلك هناك اختلافات عديدة بين السياسة والقيادة، وهذا ما نراه في حياتنا اليومية حين نراقب ونسمع السياسيين في بلادنا وحين نتعامل يومياً مع المديرين في المؤسسات التي نعمل فيها.
السياسيون هم الأشخاص الذين يركزون على العلاقات أي إن مقاربتهم هي الموجهة نحو العلاقات، وبغض النظر عن دوافعهم فهم يركزون على الطرق التي يمكنهم من خلالها استخدام علاقاتهم من أجل التقدم في حياتهم المهنية، توفير الدعم والموارد لفريقهم، وللحصول على الترقيات. السياسيون هم الأشخاص الذين يعتنون بأنفسهم أولاً و غالباً ما يستخدمون علاقاتهم ومهاراتهم الدبلوماسية لتوجيه الآخرين نحو احتياجاتهم.
القادة في المقابل يملكون رؤيا وعليه هم في معظم الأحيان يركزون على المهام أي قيادتهم موجهة نحو المهام، وقد يكونون من النوع الذي يركز على العلاقات ويعتمدون القيادة الموجهة نحو العلاقة ولكنهم يعرفون كيف يخلقون التوازن بين الأمرين. وفي الواقع أفضل القادة هم الذين يجمعون بين الأمرين ويتمكنون من العثور على التوازن بينهما. القادة يملكون مجموعة من الأشخاص الذين يتبعونهم بسبب شغفهم وهم يحافظون على هذه العلاقة لأنهم وبشكل دائم يوفون بوعودهم. كسب التابعين والداعمين يختلف وبشكل كلي عن الولاء للشخص الذي عادة يخلف مشاعر الذنب عن الذي يختبرونه خصوصاً في عالم الأعمال.
الولاء.. والولاء الأعمى
الولاء كلمة ما تنفك تتردد في عالم السياسة وفي عالم الأعمال، ولكن ما هو الولاء فعلاً؟
المنظور السياسي للولاء ضيق، فهو يجعله إما أبيض أو أسود، فحين يريد سياسي ما مخاطبة الشعب فهو يحدد لهم الأبيض (هو وفريقه) مقابل الأسود (الخصم وفريقه) وبالتالي ما يتم طلبه من التابعين «الأوفياء» هو عدم التفكير بالصورة كاملة ولا بالمصلحة العامة بشكل كامل بل باختيار جانب واحد وطبعاً الجانب هذا هو السياسي وفريقه. ولهذا السبب القيادة والسياسة كالماء والزيت، لا يمتزجان. لا يوجد شخص يمكنه أن يملك الولاء لعدة أمور قد تتناقض في العمق في الوقت عينه ،الأمر مستحيل ويخلق ما يسمى التنافر المعرفي.
التنافر المعرفي هو حالة من التوتر أو الإجهاد العقلي أو عدم الراحة التي يعاني منها الفرد الذي يحمل إثنين أو أكثر من المعتقدات والأفكار أو القيم المنتاقضة في الوقت عينه، أو يقوم بسلوك يتعارض مع معتقداته وأفكاره وقيمه أو يواجه بمعلومات جديدة تتعارض مع المعتقدات والأفكار والقيم التي يملكها.
في المقابل نقيض الولاء ليس بالضرورة عدم الولاء فالأمر في عالم الأعمال والسياسة ليس مباشراً هكذا وهناك عدة عوامل متداخلة.
في أي شركة كانت حين يكون هناك حوارات ونقاشات مفتوحة، حينها يمكن للجميع مشاركة وجهات نظرهم ومناقشتها. القائد الحقيقي هنا يبرز حين يمنح الآخرين منظوراً يمكنهم من التعامل مع السيناريوهات التي تثير القلق والتي تم مناقشتها، وتحسين النهج الذي يمكن لأي شخص من فريق العمل ابتكاره بمفرده. ما يحدث هنا هو أن رأي الجميع هام وله قيمته وليس الشخص الذي في السلطة. هذا هو العمل الجماعي وهذا هو جوهر القيادة أي حين يستخدم القائد مهاراته لخدمة الفريق وأهدافه، خلافاً للديكتاتور الذي يستخدم الولاء للتحكم بالآخرين. على سبيل المثال، شركة تستحوذ على شركة أخرى، العرض يتضمن ضرورة اشتراك كل فرد من أفراد الشركة في الصفقة وإلا لن يتم تنفيذها. الخطوة هذه هي لإظهار القوة واختبار للولاء، فهل سيتبع الموظف مديره التنفيذي؟ وهل للمدير التنفيذي السلطة على موظفيه؟
بطبيعة الحال وفي هكذا ظروف الغالبية ستوافق على السير خلف المدير التنفيذي ولكن هذا لا يعني أنهم سيستمرون بالعمل للشركة بل سيغادرون حين تسنح لهم الفرصة. هل هذا يعني أن أياً من الذين غادروا خونة؟
بالتأكيد هذا لا يعني أنهم خونة، فهم لم يشاركوا أسرار الشركة ولم يسربوا معلوماتها السرية للمنافسين، بل انسحبوا حين وجدوا أنفسهم في مكان لم يعد يعطي لصوتهم أي أهمية وبالتالي لم يعد مسموعاً فقرروا الرحيل. في المقابل هناك الفئة التي استمرت بالعمل، وهي التي سارت وفق الولاء الأعمى. وبرغم أن البعض قد يجد إيجابية ما في الصورة، ولكن الواقع هو أنه لا إيجابية على الإطلاق فيها. الذين استمروا بالعمل والذين رحلوا خسروا قائدهم للسياسة، كان هناك لعبة قوة على مستويات عالية والشخص الذي كان قائدهم تحول إلى سياسي وتركهم من دون دعم.
هل أنت سياسي أم قائد؟
بالإضافة إلى ما تحدثنا عنه، هناك أيضاً فارق أساسي بين القيادة والسياسة. القيادة يمكن وصفها بأنها عضوية تحدث بشكل تلقائي حين يمتلك الشخص الصفات المناسبة. الأشخاص الذين يملكون الأفكار والشغف والطاقة والقدرات يلهمون الآخرين كي يتبعوهم وكي يقوموا بأمور مختلفة خارج دائرة الراحة الخاصة بهم وللمجازفة ولتحمل مسؤولية النتائج. ولهذا السبب يصعب كثيراً توظيف القادة، لا لأنهم يصعب العثور عليهم، بل لأن القائد الحقيقي لا يريد أن تتم السيطرة عليه والحد من قدراته وحصره في خانة معينة ضمن هامش حرية معين. القائد يرى الأمور بشكل مختلف وهو يبحث عن فرصة لتحسين الأمور، والقائد الماهر الذي يملك المهارات الضرورية يعرف كيف يحقق ذلك بشكل دبلوماسي من دون أن يكون متلاعباً.
في المقابل وفي تناقض صارخ، يمكن للسياسة في معظم الأحيان أن تتمحور حول التلاعب والسيطرة لتحقيق الأهداق الشخصية. وحين تكون كذلك فإن الولاء هو أكبر عائق أمام القيادة وذلك لسببين: أولاً، الولاء يتطلب أن يكون الشخص تابعاً أي أن الشخص سيكون له التابعون الذين يدعمونه فقط من منطلق الولاء وليس لأنه اكتسبه عن جدارة. ثانياً، الولاء في المستويات العليا في المؤسسات غالباً ما يتمحور حول المصلحة الخاصة.
على سبيل المثالي لو افترضنا أن هناك في المؤسسة ٣ أشخاص يتنافسون على منصب نائب المدير التنفيذي أو أي منصب آخر. السياسي الذي يركز على العلاقات سيفوز بالمنصب وذلك لأن الذي يملك هذه الشخصية، أي شخصية السياسي، يحشد الدعم من خلال علاقاته، كما أنه يركز على صانع القرار فيمدحه ويعزز مشاعره ويجعله يشعر بالقوة حتى يخيل لصانع القرار بأنه يوظف صديقاً داعماً سوف يسانده بشكل دائم.
القائد هو الشخص الذي يؤسس لشيء جديد، رؤية جديدة لمجال ما وحتى أنه قد يجلب عدم الوضوح لمسار العمل بداية الأمر وذلك لأن البداية دائماً هكذا. لا يوجد مع القادة «لحظة عبقرية» تجعل كل شيء أفضل بل هناك مسار قائم على تحضير الأرضية وجعلها مؤهلة كي تبنى عليها الخطوات التالية.
القائد لا يملك فقط القدرة على رؤية أبعد من غيره بل القدرة على فهم ما رآه. في المقابل السياسي هو صانع القرار السياسي ولكن يعمل في مجالات موجودة، وفي رحلته هذه يقوم بنسج التحالفات وخلق الولاءات من أجل إنجاز الأمور. هو مسؤول عن إدارة ما هو موجود بالفعل واهتماماته تتمحور حول المنارة والتلاعب ثم تحديد مناطق جديدة. في حين أن كلا من القائد والسياسي يفهمان الديناميكيات بين عناصر مسعى ما ، فإن المهمة الأساسية للسياسي هي إدارة والإشراف على عمل مجموعة معينة من أجل تحقيق نتائج محددة مسبقًا.
هل يمكن لقائد ما أن يكون سياسياً وهل يمكن للسياسي أن يكون قائداً؟ نعم ولكن في حالات نادرة. السياسي بحكم طبيعته ينجذب إلى تنفيذ العمليات أكثر من الانجذاب إلى الحلم والتأمل وتصور ما لم يتم تطبيقه بعد الذي يجذب القائد.
المصدر: ١