المديرون التنفيذيون: لا تسمحوا للبارانويا بإغراق قيادتكم
القاعدة الذهبية الأزلية الثابتة منذ عقود هي أنه على المدير التنفيذي أن يكون متواضعاً. من الطبيعي والمقبول تماماً أن يكون المدير التنفيذي واثقًا من نفسه ويملك التصميم وتنافسي بيد أن الغرور ليس فقط غير مقبول ولكنه سبب أساسي للفشل.
القائد المثالي هو الذي يحترم ويستمع إلى زملائه ويتواصل معهم بصراحة وصدق وشفافية ويملك الشجاعة لتعديل وتبديل آرائه حين يتم دحض قناعاته القديمة بدلائل وبراهين لا لبس فيها، والذي يتخذ القرارات التي تخدم مصلحة المؤسسة والشركة وتقوي مركزها عند إتخاذ القرارات التي تجعل وجوده ضمن الشركة أقوى.
ولكن المشكلة الأساسية هي أن كل جزئية من الحياة المهنية في الشركات تدفع المدير التنفيذي بإلإتجاه المعاكس. فمن أجل النجاح على المدير التنفيذي أن يركز حصراً على نفسه، وحين يفوز فهو يكتسب القوة والبرستيج اللذين يؤديان إلى عزله عن محيطه. الغرور لا مفر منه وكذلك الأمر بالنسبة الى البارانويا رغم كونها إلى حد النقيض الكلي للغرور.
هل تُعرب عن امتنانك بالطريقة الصحيحة؟ إليك أفضل طريقة لشكر الآخرين
دراسة حالة
في دراسة نشرتها مجلة «هارفرد بيزنس ريفيو» وشملت مجموعة كبيرة من المديرين التنفيذيين وغيرهم من المديرين الذين يشغلون مناصب عليا تم رصد ٥ مخاوف مشتركة بين الجميع وهي الخوف من الظهور بأنهم لا يملكون ما يكفي من الكفاءة، الخوف من الظهور وكأنهم سريعي العطب، الخوف من الظهور وكأنهم أغبياء، الخوف من عدم إنجاز كل المهام المطلوبة منهم والخوف من الخطط والمؤمرات التي يحيكها زملاؤهم ضدهم.
وكما تلاحظون لم يرد أي خوف يتعلق بالمؤسسات أو الشركة فكلها تمحورت حول أنفسهم وهذا الواقع جعل المخاوف تحد وتقلل من فعاليتهم كقادة.
الخوف يمكنه أن يشل المدير التنفيذي بشكل كلي، فهو لن يتمكن من حسم القرارات وذلك لأن المخاوف التي تحدثنا عنها ستفرض نفسها. التردد في حسم القرارات الصعبة يعني أن الكثير من الأمور لن تُنجز وسيتم تأجيلها بانتظار الوصول الى نقطة اللاعودة حيث لا مهرب وبالتالي يتم حسم القرارات بشكل عشوائي فقط من أجل حسمها.
الخوف ماكر وعندما يعيش المدير التنفيذي الخوف فإن المشاعر هذه تتسلل وتثبط عزيمة فرق العمل. وهذا يعني فشل المدير التنفيذي في إنجاز ما هو مطلوب منه ما يعني أنه عاجلاً أم آجلاً سيتم الإستغناء عن خدماته.
الخروج من الخوف والبارانويا
المديرون التنفيذيون عليهم إخراج أنفسهم من دائرة «الأنا» ليس فقط من أجل ضمان نجاح الشركة ونجاحهم الشخصي في منصبهم ولكن كي يغرقوا قيادتهم في هذه الدوامة من الخوف الذي يغذي نفسه. كل مدير تنفيذي وكل مدير في منصب متقدم عليه أن يعمل على تقليل معدل الغرور وشريكه الذي يحفزه أي الخوف بأنواعه المختلفة.
آلية القيام بذلك تكون من خلال إعادة ضبط المشاعر المرتبطة بمكان العمل من خلال «مناخات مصغرة» خالية كلياً من كل ما من شأنه أن يعزز الغرور أو يهدده وبالتالي من كل الآثار التي تنجم عنه.
الذكاء العاطفي وطرق تنميته.. كيف يكون سببا في نجاحنا اجتماعيا؟
الابتعاد عن دور المدير التنفيذي
عدد كبير من المديرين التنفيذيين حين يريدون «الإبتعاد» يقومون بالسفر ولكن السفر في الواقع يعزز المشاعر التي نسعى للتخلص منها. المقصود هنا هو إبعاد النفس عن المنصب وكل ما يحيط به من هالة وتحطيم الحواجز التي تعزل المدير التنفيذي عن زملائه في العمل.
في كل الشركات يتعامل المدير التنفيذي مع نفسه بجدية أكثر مما يجب ويخيل إليه بأن منصبه و«برستيجه» لا يسمح له بالتواصل مع العاملين في الشركة وحتى حين يقوم بذلك فإن التواصل لا يتجاوز إلقاء التحية. المقاربة هذه لا تعبر عن التواضع ولا تؤدي إليه بل تخلق المزيد من الحواجز وتجعل العلاقة مع المدير التنفيذي غريبة ومعقدة.
ما على المدير التنفيذي فعله هو التواصل فعلياً مع العاملين في مؤسسته مع ترك «صفته» في مكتبه. أي مثلاً يمكن جعل تناول الغداء مع الموظفين عادة أسبوعية بحيث لا ترتبط الأحاديث المتبادلة بالعمل، يمكن الحديث عن العائلة أو مخططات عطلة نهاية الأسبوع أو أي من الأمور الأخرى التي تجعل المحادثات خفيفة وممتعة. علماء الأعصاب وجدوا بأنه يمكن التقليل من معدلات الخوف من خلال الحديث مع الآخرين. وأهمية الحديث مع موظفين لا يشغلون مناصب عليا هو أنهم وبحكم منصبهم لن يحفزوا مشاعر البارانويا والخوف التي سيختبرها المدير التنفيذي عند التواصل مع مديرين آخرين.
وضع الثقة بالزملاء.. حتى ولو كان حدسك يبلغك عكس ذلك
علم النفس بين لنا بأن ما يخيل إلينا أنه تصرف حكيم ومنطقي غالباً ما ينطلق من الغرور ومن الخوف من الحديث عن حيثيات الموقف. بطبيعة الحال المقاربة هذه لا تعني أن الثقة ستكون في مكانها طوال الوقت، ولا بأس بذلك. الأجواء الإيجابية التي يخلقها المدير التنفيذي حين يضع ثقته بزميل له في الشركة تقلل من الضرر القصير الأمد في حال لم تكن تلك الثقة في مكانها.
بطبيعة الحال ليس المقصود هنا وضع الثقة العمياء بالمديرين الآخرين من دون شبكة آمان ولكن المقصود هو خلق الأجواء الإيجابية القائمة على الثقة لكونها ستبني لثقافة شركة أفضل كما أنها ستؤدي عاجلاً أم أجلاً الى التواصل الصحي وكما ذكرنا التواصل يقضي على الخوف ويزيل أي سوء فهم ممكن.
منح الآخرين الاهتمام الذي يستحقونه
منح الآخرين الاهتمام الذي يستحقونه يبني الأرضية الصلبة للنوايا الحسنة ونادراً ما تكون النتائج سلبية أو ترتد على المدير التنفيذي بشكل سلبي. في الواقع عندما يقوم المدير التنفيذي بهذه الخطوة فإن المحادثات، مع مرور الوقت، ستصبح أسهل بكثير خصوصاً حين تكون الأجواء متشنجة.
أهمية الخطوة هذه تكمن أيضاً في كونها تبدل الإطار المرجعي، المدير التنفيذي بشكل عام يميل إلى إبداء رأيه بشكل مبكر ما يضع المرؤوسين الذين يفكرون بطريقة مختلفة في موقف حساس. لذلك يجب الاستماع قبل إبداء الرأي، فهذا الأمر يؤدي الى خلق مجموعة كبيرة ومختلفة من الأراء. هذا لا يعني فقط توفير خيارات عديدة ومختلفة لمسار الشركة أو المشروع أو أي جزئية يتم مناقشتها ولكنها تخرج المدير التنفيذي من دائرة الأنا. عند الاستماع إلى الآخرين فإن التركيز لن يكون على المدير التنفيذي سواء من قبل الآخرين أو من قبل المدير نفسه.
ما على المدير التنفيذي تذكره هو أن الغرور حلقة تغذي نفسه، فأي فعل يبقي الأضواء عليه سيغذي المزيد من الأفعال التي تبقي الأضواء مسلطة عليه. وحين تكون الأضواء مسلطة فحينها المخاوف ستتعاظم وتكبر.
التعامل مع مشاعر انعدام الأمان التي تغذي الأنا والخوف
المدير التنفيذي حاله حال جميع البشر يملك مجموعته الخاصة من مشاعر انعدام الأمان، ولكن خلافاً للآخرين ولكونه في بيئة عمل شرسة تغذي الغرور وتحفز المخاوف فإن مشاعر إنعدام الآمان يمكنها أن تسيطر عليه وتصبح المحرك الأساسي لكل قراراته وتصرفاته.
محاولة التعامل مع هذه المشاعر من دون الحصول على مساعدة محترفين نادراً ما يجدي نفعاً، لذلك من الأهمية بمكان الحصول على مساعدة أشخاص مختصين.
المديرون التنفيذيون يملكون مقاربات عديدة لتحسين أداء العمل الخاص بهم سواء من خلال تبديل الإستراتيجيات أو توظيف مدربين وغيرها من الأمور ولكن التغيير الأهم هو الأداء العاطفي. القيام بنقلة نوعية في هذا المجال يحتاج إلى التزام جدي بممارسات ومقاربات تساعد على التغلب على المخاوف وتقليل مستويات الغرور.
أهمية القيام بهذه الخطوات لا يتعلق فقط بتحسين الذات بل بالقضاء على كل ما من شأنه أن يثبط الفعالية. الغرور يجعل المدير التنفيذي أكثر عناداً وأكثر ثقة برؤيته وقدرة على القيادة ، صفات هي المكونات الأساسية لكارثة قيد التحضير.
في عالم الأعمال لا يوجد شخص محصن ولا يوجد شخص لا يمكن للشركة أن تستمر من دونه، لذلك قليل من التواضع وتعامل منطقي مع المخاوف التي تحفزها المنافسة الشرسة في أماكن العمل خصوصاً بين أصحاب المراكز العليا كفيل بتمهيد الطريق لحياة مهنية ناحجة وصحية.
مدخل إلى علم الإدارة (3): كيف تؤثر في العاملين معك بالقيادة؟
المصدر: ١