مهارات المستقبل (1): لماذا حل المشكلات المعقدة هي المهارة الأكثر طلبًا في سوق العمل؟
في المؤتمر الاقتصادي العالمي المعقود في عام 2016، توقع العديد من المسئولين عن التوظيف في الشركات الكبرى حدوث تغيرًا في المهارات الأكثر طلبًا خلال 5 سنوات من تاريخ انعقاد المؤتمر، حيث جُمعت التوصيات منهم بأهم 10 مهارات يعتقدون بأهميتها لسوق العمل، لهذا قررنا تقديم سلسلة "مهارات المستقبل" للحديث عن كل مهارة وكيف يمكنك تطويرها لتستعد لسوق العمل بالشكل الأمثل للمستقبل.
حل المشكلات المعقدة: لماذا هي المهارة الأكثر طلبًا في سوق العمل؟
في عام 2015 جاءت مهارة حل المشكلات المعقدة في المركز الأول ضمن قائمة المهارات الأكثر أهمية، ولم يتغيّر الأمر في التوصيات الجديدة، حيث حافظت هذه المهارة على موقعها في المقدمة، وهو ما يدفعنا للتفكير والتساؤل حول أهميتها لسوق العمل.
لكن لا عجب لمن يتابع وضع الأعمال في عالمنا اليوم في إدراك قيمة مهارة حل المشكلات المعقدة، فحتى ما قبل أزمة كورونا كانت هناك العديد من التحديات في العمل، والتي لا بد من حلّها حتى يمكن للشركات الاستمرار في أدائها بنفس القدر، وهو ما جعل الشخص الذي يملك القدرة على حل أي مشكلة له الأولوية في الشركات.
حل المشكلات المعقدة: ما هي المشكلة في الأساس؟
يقول المدير: "نحن نواجه مشكلة، ولا بد من الوصول إلى حل لها سريعًا" ليبدأ الجميع العمل على جمع المقترحات وإدخالها حيّز التنفيذ سريعًا، لكن في الواقع يتطلب الأمر الإجابة على سؤال هام: ما هي المشكلة؟ ولماذا حكمنا على أنّها مشكلة حقًا؟
على الرغم من بساطة السؤال لكنّه غالبًا يُجاب عليه بصورة سطحية غير متعمقة في الأسباب، فنكتشف أنّه حتى مع تنفيذ حل قوي، لكنّه لا يعالج الخطأ الفعلي، بسبب عدم تركيزه على السبب الرئيسي للمشكلة، بل ركّز على أول تفسير طرأ إلى الأذهان.
لذا يجب في البداية تعريف المشكلة، ويمكن اختصارها على أنّها فجوة بين الوضع الحالي والوضع المرغوب فيه حقًا. مثلًا في شركة "س" وشركة "ص" تُباع 200 وحدة شهريًا في كل شركة على حدة. على الرغم من ذلك فإن المدير في شركة "س" لا يشعر بالرضا وذلك بسبب أن الوضع الحالي لا يتفق مع المرغوب، فهو يستهدف بيع 300 وحدة شهريًا، في حين شركة "ص" تكافئ موظفيها لأنّهم حققوا زيادة عن المستهدفات المطلوبة.
يسهّل علينا تعريف الفجوة إدراك إن كان الوضع الحادث في الأساس مشكلة أم هو تصور خاطئ، ثم بعد ذلك يمكننا العمل على تعريف الأسباب في حدوث هذه الفجوة: هل السبب هو تقصير في أداء العاملين؟ هل السبب في عدم كفاية الموارد؟ هل واجهت الشركة ظروفًا معينة حالت دون تحقيق مستهدفاتها؟
بعد طرح جميع الأسئلة المتعلّقة بهذه الفجوة، يمكننا وضع تصور عن الأسباب الحقيقية لها، فبدلًا من افتراض أنّ السبب هو تقصير في أداء العاملين وعلاج ذلك بتوفير تدريب أو حتى بالخصم، قد لا يكون هناك أي مشكلة من هذه الناحية، ويكون السبب في نقص الموارد التي تحتاج إليها الشركة لإنتاج الوحدات.
التعامل مع المشكلة بهذا الشكل، يخرجنا من إطار الافتراضات النظرية، إلى حيّز الحقائق المجردة والمبنية على التقارير والأرقام، فدائمًا العمل بالحقائق يسهّل كثيرًا اتّخاذ خطوات عملية نحو الحلول، وبالتالي فالجزء الرئيسي لإجادة حل المشكلات المعقدة، يتمثل في قدرتك على تعريف المشكلة وأسبابها بأوضح صورة ممكنة، وهذا يحتاج إلى مهارة البحث والاستماع الفعّال.
ما بعد المشكلة: الخطوات العملية للحل!
1- قائمة الحلول البديلة: بعد تفكيك المشكلة إلى أجزاء صغيرة باستخدام مهارات التحليل، يمكنك العمل على الخطوة التالية وهي التفكير في جميع الحلول البديلة التي تناسب هذه المشكلة، وهنا ليس ضروريًا التفكير في حلول جديدة، يمكن مراجعة الحلول السابقة التي طبقت للاستفادة منها.
في هذه المرحلة لا تركّز على اختيار حل معين، لأنّ التفكير في البدائل يمنحك العديد من التصورات عن حل المشاكل والتي يمكن المزج بينها مستقبلًا بدلًا من المسارعة بتنفيذ فكرة واحدة. يمكن الاعتماد على تقنية العصف الذهني في هذه المرحلة أو غيرها من أدوات التفكير الجماعي.
2- تقييم البدائل: بعد الانتهاء من جمع البدائل، لا يجب التفكير فقط في اختيار أفضل بديل لأنّه يبدو مقبولًا كحل للمشكلة، بل من المهم تقييمه في إطار مجموعة من المعايير:
- هذا البديل سيحل المشكلة دون أن ينتج عنه أي مشاكل أخرى. مثلًا استخدام معدات جديدة في العمل، لن يؤدي إلى مضاعفة في تكاليف الإنتاج فندخل في أزمة بسبب ذلك.
- سيكون الحل مقبولًا ومفهومًا من جميع الأفراد المسئولين عن تنفيذه.
- ج- يمكن تنفيذه طبقًا للإمكانيات الحالية سواءً الإمكانيات الشخصية أو موارد الشركة، ولا يتعارض مع أيٍ من السياسات المتّبعة، سواءً داخل الشركة، أو في البيئة التي تعمل بها.
3- تحويل البديل المثالي إلى خطة ومتابعتها: اختيار البديل المثالي لا يكفي للنجاح، ولكن يتطلب الأمر تحويله إلى خطة عمل بخطوات مدروسة وبجدول زمني مناسب لتنفيذها، ثم بعد ذلك متابعة سيرها كما ينبغي من أجل تقييم فاعليتها ومدى قدرتها على حل المشكلة المطروحة.
على الأغلب ستظل مهارة حل المشكلات المعقدة من ضمن أهم المهارات في سوق العمل مهما تقدم الوقت، لأنّها تحتوي على الشيء الذي لا يمكن تعويضه أبدًا، وهو الفكر القادر على تعريف الأزمات والخروج منها بحلول قوية تساعد في تحويل المحنة إلى منحة.
المصادر: