لحل المشكلات الكبرى.. ابحث عن الانتصارات الصغيرة
من المغري أن يستجيب القادة خلال أزمة كبيرة مثل جائحة كورونا التي يمر بها العالم بأكمله الآن، والتي كان لها عواقب كارثية على الاقتصاد العالمي، بالقيام ببعض التحركات الجريئة، واتباع استراتيجية جذرية لإنعاش أعمالهم المتعثرة، وضبط الأداء مع التحول إلى العمل بالاعتماد على التعاون واستمرار التواصل رغم تواجد الموظفين في منازلهم.
إلا أن الأبحاث والدراسات التي أجريت خلال الفترة الفترة الماضية بعد تفشي فيروس كورونا، وجدت أن أفضل طريقة للمُضي قدمًا وقيادة المؤسسات بطريقة رشيدة لن تكون من خلال إجراءات شاملة ولكن عوضًا عن ذلك اتباع نهج تدريجي ومرتجل ومُستمر للتغيير، وهو ما يعيد إلى الأذهان البحث الذي أجراه كارل إي ويك، الأستاذ في جامعة ميشيجان الأمريكية، قبل سنوات طويلة، ووجد أن أفضل طريقة للتعامل مع المشاكل والأزمات الكبرى هي البحث عن المكاسب الصغيرة والاحتفاء بها.
في ورقة بحثية نُشرت عام 1984، تحدث ويك عن فشل علماء الاجتماع أمثاله في فهم وحل المشكلات الاجتماعية، وحذر من أن النطاق الكبير الذي يتم من خلاله تصور المشاكل الاجتماعية يحول دون الابتكار، وقال إن الأشخاص غالبًا ما يحددون المشاكل الاجتماعية ويتعاملون معها بطرق تطغى على قدرتهم على فعل أي شيء، والمثير للسخرية هو أن الناس لا يمكنهم حل المشكلات ما لم يعتقدوا أنها ليست مشاكل، ومن هنا تأتي قوة الانتصارات والمكاسب الصغيرة.
أهمية الانتصارات الصغيرة
اعتمد العديد من الباحثين والعلماء على رؤية ويك وعملوا على تطويرها للعثور على أفضل الطرق للعمل والقيادة وإحداث التغيير خلال الأزمات الكبرى، ووجدوا أن الانتصارات الصغيرة بإمكانها تعزيز الشعور بالفرح، وزيادة القدرة على الإبداع، حتى إن الأحداث التي اعتقد البعض أنها غير مهمة كان لها تأثير قوي على حياة الأشخاص.
تزداد أهمية الانتصارات الصغيرة عندما تخرج الأمور عن نطاق السيطرة وتسوء الأوضاع حقًا، يقول ويك إن الانتصارات الصغيرة هي النتيجة الملموسة والكاملة لبعض الأعمال متوسطة الأهمية، والتي قد تبدو غير مهمة نوعًا ما بالنسبة لبعض، وإحراز سلسلة من الانتصارات الصغيرة يساعد على العثور على نمط أو طريقة تساعد على تسيير العمل، ما يمهد الطريق نحو تحقيق الهدف الأكبر.
اليوم، أصبحت ورقة ويك البحثية مرجعًا للكثير من العلماء والباحثين، ليس فقط لأنها تحتوي على استراتيجية مميزة حول كيفية تحسين المجتمع والعمل في المنظمات، ولكن لأنها تضم معلومات وبيانات مبنية على رؤى عميقة في علم النفس البشري.
الانتصارات الصغيرة والصلابة النفسية
حسب ويك، فإنه عندما يزداد حجم المشاكل خلال إدارة العمل، تنخفض القدرة على الجمع بين الفكر والعمل، لأن مشاعر الإحباط والإثارة تفعل لديهم شعورا بالعجز، ويصبح التحدي الذي يواجه الناس هو إدارة التوتر بين الإجهاد والصلابة.
ويقول ويك إن الجهد المبذول لتحسين الأداء في الشركات أو إحداث تغيير مُعين، قد يؤدي إلى قدر مُعين من الالتزام، ويخلق ما يسميه "الإثارة"، ولكن لأن كثرة التعرض لأي شيء يزيد الأمور سوءًا، فإن القادة عندما يختبرون قدرا كبيرا من الإثارة يعجزون عن الاستجابة، أو تبادل المعلومات، أو التركيز، أو المقاومة، وهنا يؤكد ويك أن الانتصارات الصغيرة تخلق نوعا من الصلابة النفسية التي تمد القادة بالقدرة التي تسمح لهم بمواصلة عملهم، واستمرار العمل وسط المشكلات الكبيرة.
استراتيجية التبسيط
اتبع بينج جوردون، مطوّر ألعاب الفيديو الشهير والمستثمر، استراتيجية مماثلة في إتمام عمله ومواجهة التحديات التكنولوجية الكبيرة، ويقول إن أفضل طريقة للتعامل مع المشاكل والأزمات الكبيرة هي (التبسيط).
تحدث بينج جوردون في كتابه عن أهمية التبسيط، وقال إن الفرق التي عملت على مشاريع مُعقدة وتحتاج إلى فترات طويلة لم تكن فعالة ولم تحقق أي نجاح يُذكر، في المقابل عندما قام الموظفون وفرق العمل بتقسيم المهام الكبرى والمشاريع الضخمة إلى مهام أصغر، استطاعوا حلها، وحققوا إنجازًا كبيرًا، وكذلك أصبحوا أكثر إبداعًا وفعالية، عند اتباع استراتيجية التبسيط فإنه عندما تسوء الأمور، كما يحدث في كثير من الأحيان، يؤدي الفشل إلى خيبة أمل متواضعة عوضًا عن انتكاسات كارثية.
أجرى الباحثون دراسات عن استراتيجية أطلقوا عليها اسم (الانتكاسات الصغيرة)، ووجدوا أن الخسائر صغيرة الحجم يُمكن التعامل معها، وكذلك يُمكن العثور على أسبابها بسهولة وتحديد مسبباتها، ووجدوا خلال دراساتهم أن الانتصارات الصغيرة تزيد من حماس فريق العمل، وتشجعهم على الإبداع والابتكار، ومواصلة عملهم حتى عندما يتعثرون ببعض المشاكل والعقبات أثناء عملهم على تحقيق الأهداف.