كورونا لن تكون الأخيرة.. كيف يمكن لمجالس الإدارة التخطيط لكوارث قادمة؟
من المغري أن نصنف جائحة كوفيد ١٩ كبجعة سوداء واعتبارها حدثاً لم يكن بالإمكان توقعه أو رؤيته قادماً ما يعني أن الشركات لم يكن بإمكانها وضع الخطط المسبقة وتحضير نفسها للتداعيات. ولكن الواقع مغاير تماماً، الخبراء ومنذ سنوات طويلة يطلقون التحذيرات ويتوقعون أوبئة خلال السنوات القادمة وفي ٢٠ يناير/كانون الثاني وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي ٢٠٢٠ ذكر تقرير المخاطر العالمية الأمراض المعدية كتهديد محتمل للاقتصاد ورغم ذلك قلة قليلة من الشركات وضعت الأوبئة العالمية ضمن لائحة المخاطر المرتفعة لديها.
كوفيد ١٩ بطبيعة الحال الذي ما زلنا لا نعرف بأي اتجاه سيأخذنا لن يكون الأزمة الصحية العالمية الأخيرة، وعليه التخطيط لكوارث قادمة ضروري وهام لاستمرارية الشركات ولضمان عدم المرور بالتجربة نفسها مرة جديدة.
الفيل الأسود
الخبراء يفضلون عدم تصنيف الجائحة على أنها بجعة سوداء بل على إنها فيل أسود. والمصطلح هذا هو دمج بين «البجعة السوداء» و«الفيل في الغرفة».
نظرية البجعة السوداء هي إستعارة تصف أحداثاً غير متوقعة تقع بشكل مفاجئ ويكون لها تداعيات كبيرة لأنه لا يتم التعامل معها ومع تداعياتها بشكل صحيح. المصطلح هذا قديم حين لم يكن معروفاً بأن هناك بالفعل بجع باللون الأسود.
في المقابل مقولة «فيل في الغرفة» تستخدم للدلالة على وجود شيء ما بشكل واضح جداً ومع ذلك لا يتحدث عنه أحد بل يتم تجاهل وجوده أصلاً.
وبما أن كوفيد ١٩ هي مزيج من الأمرين فقد أطلق رجل الأعمال والمستثمر أدم سويدان مصطلح «الفيل الأسود» لوصف الكارثة التي كانت واضحة ومع ذلك لم يتحدث عنها أحد فأدت إلى مفاجأة رغم أنها مفاجأة متوقعة إلى حد ما.
أزمة عام ٢٠٠٨ المالية تعتبر الفيل الأسود الأول الذي اختبره العالم، وحالياً نحن في في خضم أزمة وبالتأكيد سنعاني من أزمات جديدة قادمة مثل الهجمات السيبرانية، انهيار نظم خوارزميات البورصة والتداول، أو كوراث مناخية مرتبطة بالاحتباس الحراري. في الماضي كانت الشركات تستبعد هذه الكوارث وفق أسس محلية أو إقليمية ولكن هذا لم يعد ممكناً لأن المؤسسات والشركات متداخلة ومرتبطة عالمياً ما يعني أن كارثة في مكان ما ستنتشر وتؤثر على الجميع.
مجالس الإدارة أمام مسؤولية مسؤولية إئتمانية لضمان استدامة الأعمال وبالتالي عليها بناء المرونة اللازمة للشركة كي تتمكن من التأقلم مع الكوارث المحتملة القادمة.
في الماضي كان التركيز القصير المدى على أسواق المال يبعد المديرين عن مبدأ المرونة، ولعقود كان الهم الأول والأخير هو البحث عن المقاربات المثالية لاستخدام الأصول سواء من خلال زيادة القروض، الاعتماد وبشكل كبير جداً على مصادر خارجية أو سلاسل التوريد الضعيفة. كل هذه الأمور جعلت الشركات ضعيفة ومعرضة للخطر بشكل كبير.
التجارب تعلمنا بأن هناك ضرورة لوضع استراتيجيات جديدة. الشركات التي ستتمكن من الصمود في المستقبل والتي ستتمكن من التخطيط لكوارث قادمة والخروج منها من دون إنهيارها بشكل كلي هي تلك التي تعمل على بناء المرونة والتي ستملك فكرة وافية تمكنها من التعامل مع «الفيل الأسود» الذي قد يصادفه العالم خلال السنوات القادمة.
المرونة من خلال الحوكمة
الحوكمة هي تدعيم مراقبة نشاط المؤسسة ومتابعة مستوى أداء القائمين عليها، أي أنه النشاط الذي تقوم به الإدارة والذي يتعلق بالقرارات التي تحدد التوقعات أو منح السلطة أو التحقق من الأداء. وقد تكون عملية منفصلة أو جزء محدد من عمليات الإدارة.
مجلس الإدارة يملك قنوات مختلفة تمكنه من زيادة المرونة ومراقبة أحداث «الفيل الأسود» القادمة. من المقاربات التي يمكن اعتمادها هو الطلب من الإدارات المعنية وضع أسوأ سيناريو ممكن لكل فيل أسود محتمل من ضمنها سيناريوهات تتعلق بمشاكل ومخاطر تهدد وجود المؤسسة ككل.
وحينها يمكن تطوير مبادئ لردات فعل فعالة والتي يتم عرضها أمام مجلس الإدارة من أجل المناقشة والتقييم.
على الصعيد العملي، يمكن لمجلس الإدارة الطلب من الإدارة تعزيز الدفاعات المادية الفعلية أو الرقمية. فالجائحة بشكل أو بآخر كانت تجربة بالنار، كما يقال، لعدد كبير من الدفاعات التي صمد بعضها و إحترق بعضها الآخر.
المرونة التي يمكن لمجلس الإدارة العمل عليها يمكنها أن تشمل سلاسل التوريد والتي يمكن إعادة تأليفها أو إعادة موضعتها أو من خلال تبسيطها وتعزيزها. كما يمكن تطوير وتعزيز الحلول التكنولوجية من أجل الحد من الإضطرابات والتي تشمل المكننة و وبرامج الذكاء الإصطناعي المرنة.
ومن المقاربات التي يمكن لمجلس الإدارة العمل عليها خلال التخطيط لكوارث محتملة قادمة هو توسيع نطاق وخيارات العمل عن بعد والذي يمكن دعمه بالأدوات التي تحتاج إليها الشركة من أجل ضمان إستمرارية العمل بغض النظر عما قد تحمله الكارثة الجديدة القادمة.
أفضل المشاريع الناجحة.. أفكار مُجربة للبيع أون لاين أو في المتاجر
المرونة من خلال تطوير مهارات القيادة
النقاشات حول أحداث «الفيل الأسود» القادمة لا يمكنها أن تتم إلا حين تكون القيادة تملك المهارات اللازمة للقيام بذلك. على مجالس الإدارة العمل على تطوير مهارات جديدة لقادة الشركات، في حال لا يملكونها، والعمل على تطويرها في حال كانوا يملكونها.
المؤسسات تحتاج إلى قادة يملكون القطنة التجارية والتنظيمية التي تمكنهم من التفكير بشكل استباقي وإبداعي. في الواقع تطوير هكذا مهارات عند القادة يجب أن يكون أولوية مجلس الإدارة حالياً وذلك لأنه لا يمكن نشر المعرفة كما لا يمكن تدريب العاملين في المؤسسة على مواجهة الكوارث المحتملة القادمة ما لم يكن هناك القائد المناسب في المكان المناسب.
ما سيحدث هنا هو أن الإدارات ستقدم الخطط لمجلس الإدارة، وحينها على أعضاء المجلس تحديد نوعية المدير الذي تريده ونوعية المشكلة التي عليه التعامل معها. ومجلس الإدارة خلال هذه المرحلة عليه البحث عن هذه النوعية من القادة.
-الذين يعملون انطلاقاً من قيم واضحة تماماً، والذين يقومون بالمفاضلات التي تؤدي إلى الالتزام وإظهار حسن النية على المدى البعيد. هذه النوعية هي من النوع «الشامل»، إن جاز التعبير وهم من الفئة التي تتصرف وتتواصل بشفافية وبالتالي تتشارك مع مجلس الإدارة الأسس التي اعتمدتها من أجل اتخاذ القرارات ما يعني أنه في حال الفشل فهي تتحمل المسؤولية ولا تلوم غيرها كما أن المسار هذا يضمن إبلاغ مجلس الإدارة بالأخبار الجيدة والسيئة على حد السواء.
-الذين يملكون نظرة شمولية للشركة تمتد إلى ما هو أبعد من التقسيم الوظيفي الذي يقسم الشركة وفق فرق تعمل ضمن مجموعات منفصلة عن بعضها البعض.
-الذين يملكون القدرة على جمع الشركة حول هدف محدد جامع مع زيادة نسبة التعاون عبر مختلف الأقسام في الشركات وتعزيز مبدأ اتخاذ القرار في مختلف الأقسام وفي مختلف المستويات للتجاوب والتعامل مع الظروف الطارئة على أي صعيد كانت.
-الذين يملكون القدرة على التصرف بحسم وحزم حين تتطلب الظروف السرعة في حسم القرارات مع القيام بالتغييرات المحورية الضرورية وفق الظروف الطارئة.
-الذين يملكون الحشرية للمعرفة والتعلم ويملكون القدرة على ملاحظة التفاصيل الصغيرة التي يمكنها أن تحدث فارقاً كبيراً وبالتالي يرصدون الحلول والفرص الجديدة حين تصبح الحلول القديمة عديمة الجدوى.
حين يملك مجلس الإدارة «مواصفات» واضحة للمدير الذي يحتاجون إليه فحينها سيتم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ما يعني أن الحديث عن تحضير المؤسسة والعاملين لكل ما يحدث مستقبلاً بات ممكناً.
المرونة من خلال التعويضات
مجلس الإدارة يمكنه أن يساهم من خلال إعادة تصميم برامج التعويضات كي تصبح أكثر مرونة هي أيضاً حين تقع الكارثة. التحدي الأول يكمن في إقناع المستثمرين بأن استمرارية الشركة مرهونة بالاستثمار في تطوير مرونتها. فمن دون دعم المستثمرين لا يمكن لمجلس الإدارة القيام بشيء وبالتالي لبناء الثقة على مجلس الطريقة العثور على طريقة تمكنه من زيادة المرونة وتحمل مسؤولياته.
الشركات ما تزال تحتاج لقادة هدفهم الاول والأخير زيادة القيمة والأرباح ولكنها في الوقت عينه تحتاج الى نوع مختلف من القادة وهذا الأمر يجب العمل عليه بشكل متوازٍ.
المرونة هنا يمكن تحقيقها من خلال تحقيق التوازن بين احتياجات جميع حملة الأسهم. فالشركات ستقدم حوافز تحفيزية تتماشى مع المساهمين ولكنها ستلبي أيضاً احتياجات حملة الأسهم الآخرين. تحقيق التوازن سيساعد القادة على وضع مجتمعاتهم بالحسبان من خلال توفير السلع والخدمات اللازمة، وضمان عدم إفلاس الموردين الذين هم بأمس الحاجة للمال حالياً، والتواجد مع الموظفين في الصفوف الأمامية. الشركات التي تماهت مع مجتمعاتها وتعاملت «بإنسانية» مع موظفيها هي التي تمكنت ليس فقط من تقليص خسائرها خلال جائحة كورونا بل من تحقيق الأرباح.
ولكن في الجانب الآخر التركيز على أصحاب المصلحة والمنفعة سيترجم إلى تدابير يصعب تحديدها كمياً، وهذا يعني أنه يجب إعادة النظر في الحوافز الطويلة الأمد ووضع الخطط الإستراتيجية التي تتجاوز مدتها الثلاث سنوات.
المرونة تحتاج الى سنوات كي يتم تطويرها لذلك على مجالس الإدارة البدء فوراً بتحديد استراتيجيتها للتعامل مع الكوارث المحتملة القادمة.
المصدر: ١