كيف يمكن لقادة الموارد البشرية التأقلم مع فترة عدم اليقين الحالية؟
وظيفة قسم الموارد البشرية كانت صعبة قبل جائحة كورونا. ففي عام ٢٠١٩ أكثر من ٥٠٪ من مديري قسم الموارد البشرية عانوا من أجل ضمان امتلاك الموظفين المهارات اللازمة كي يتمكنوا من التأقلم مع عالم يسير بسرعة البرق باتجاه الرقمنة. ورغم إدراكهم بأن الرقمنة هي مستقبل العمل ولكن قبل الجائحة المستقبل كان بعيد التحقق إلى حد ما، بعيد لدرجة أنه سيوفر لهم ما يحتاجون إليه من وقت كي يقوموا بالتحضيرات اللازمة.
ثم حلت علينا جائحة كورونا وفرض المستقبل نفسه وبدل قواعد اللعبة كاملة. حالياً قادة الموارد البشرية يعملون على مدار الساعة ويقومون باتخاذ قرارات سريعة وجريئة من أجل ضمان سلامة الموظفين والحرص على استمرارية العمل من أجل نجاة الشركات. هم يتأقلمون مع العمل الجماعي عن بعد، ويخلقون خططا لاستمرارية العمل، ويضعون خططا عاجلة وطارئة لضمان استمرارية التواصل وغيرها من الخطط الضرورية للسير قدماً في المرحلة الصعبة هذه.
كل هذه النقاط الجديدة والطارئة يتم التعامل معها في إطار مسار معروف وهو تحديد المشكلة، التعامل مع المتغيرات التي تجعل المشكلة معقدة، والاتفاق على أفضل الطرق للمضي قدماً. ولكن التحديات الحالية هي من النوع الذي لم يواجهه قادة الموارد البشرية من قبل، فإن الوضع الحالي ليس صعباً متوقعاً بل معقداً غير متوقع.
قسم الموارد البشرية يهدف إلى حل المشاكل من خلال تطوير خطط جديدة ولكن ما يحصل عادة هو أنه وبعد وضع الخطط نادراً ما يتم مراجعتها ما يؤدي إلى مضاعفة المشاكل خصوصاً خلال الوقت الراهن حيث الأمور تتبدل بسرعة كبيرة. وفي الوقت عينه مبدأ «مقاس واحد يناسب الجميع» لن يسمح بالتفكير الفردي والإبداع الجماعي والفردي الذي يؤدي إلى الحلول المبتكرة.
كي يتمكن قسم الموارد البشرية من أن يكون فعالاً في زمن «العادي الجديد» على قادة هذه الأقسام أن يقوموا بتعديل وتطوير قدرات أساسية جديدة ومقاربة الأمور بعقلية أنها لم تعد صعبة بل أصبحت معقدة.
اكتتاب سريع يدخل رجلا قائمة أثرياء العالم بثروة 34 مليار دولار
الانتقال من الصعب إلى المعقد
تبدل العقلية يعني الابتعاد عن التفكير «الصعب» وتقبل التعقيد. التفكير بالمشاكل الصعبة يتطلب التفكير الخطي، والذي هو عملية تحويل بحيث تكون المخرجات متناسبة مع المتغيرات المدخلة. وهذا النوع من التفكير يعني أن المشاكل يمكن توقعها أو تفاديها والاستفادة من مدخلات من ذوي الخبرة وهذا النمط هو المألوف والمتعارف عليه.
في المقابل وفي تناقض كلي المشاكل المعقدة قائمة على كل ما هو مجهول. لا يوجد ممارسة هي الأفضل لحل المشاكل المعقدة وذلك لأننا لم نختبرها من قبل وبالتالي لم يكن هناك إمكانية لتوقعها. في هذا الإطار من الأهمية بمكان الولوج الى الذكاء المؤسساتي الجماعي، وجعل قيم الشركة أولوية والسماح للحلول بالظهور. هذا يعني أن على قادة أقسام الموارد البشرية في مختلف الشركات البدء بالتعاون مع الموظفين في مختلف المستويات. فالوقت الراهن مخصص للتركيز على تكوين العلاقات مع الموظفين وليس لفرض السيطرة، أو العمل وفق التسلسل الهرمي. تبني العقلية المعقدة تبدأ بتقبل أن الوضع الحالي معقد ويحتاج إلى مقاربات وعقليات مختلفة للتعامل معه.
أفضل المشاريع الناجحة.. أفكار مُجربة للبيع أون لاين أو في المتاجر
الولوج إلى الذكاء المؤسساتي الجماعي
النقطة هذه التي تم ذكرها أعلاه هامة للغاية لأنها هي طوق نجاة المؤسسات. عندما تفرض المشاكل المعقدة نفسها فعلى قادة الموارد البشرية اللجوء إلى أهم موارد الشركات وهي عبقرية العاملين لديها. غالبية الذين يشكلون القوى العاملة في أي مؤسسة كانت هم من الأذكياء والذين يمكن الوثوق بهم والذين يعرفون القيام بعملهم على أكمل وجه، أكثر مما يعرفه القادة أنفسهم. وبما أن المهام التي على قادة الموارد البشرية التعامل معها حالياً عديدة جداً فهم لا يمكنهم النجاح إلا من خلال وضع ثقتهم بالموظفين والتعويل على العصف الذهني الجماعي عن بعد من أجل الخروج بحلول للمشاكل الحالية أو من أجل توفير الدعم الذي يحتاجون إليه من أجل القيام بما عليهم القيام به. بتعبير آخر قادة أقسام الموارد البشرية في أي شركة كانت لن ينجحوا في عملهم حالياً إن لم يتقبلوا مبدأ الذكاء المؤسساتي الجماعي.
الذكاء الجماعي هو الذكاء الذي ينبع من التعاون والجهود والتفاعل ضمن فرق العمل المختلفة. في كتاب «حكمة الجموع» يحدد الصحافي والكتاب جيمس سورويكي أربعة عوامل لانتعاش الذكاء الجماعي وهي تنوع الآراء، التفكير المستقل الذي يحرر الأشخاص ويمكنهم من التعبير عن رأيهم من دون إطلاق الأحكام عليهم أو الحرص على توافقها مع السائد، اللامركزية والتي تعني بأن الشخص الذي يكون أقرب إلى المشكلة أو إلى الزبون سيوفر مساهمات لها قيمتها، وأخيراً مقاربات جيدة لتجميع النتائج.
حصد الذكاء الجماعي من فرق العمل يتطلب من قادة الموارد البشرية امتلاك مهارات تبسيطية ضمن أطر محددة بشكل واضح وتواصل دائم وفعال. فرق العمل تتفاعل بشكل كبير حين تتم بالأمور بهذه الطريقة لأنها تسمح لهم بالمشاركة برأيهم ووجهات نظرهم حول المسائل الهامة. والنتيجة ستكون أفكار مبتكرة، تنوع «منتظم» في الأفكار المطروحة وجعل فرق العمل أقوى وأفضل مما هي عليه حالياً. لينكد إن تقدم لنا مثالاً عن آلية استخدام الذكاء الجماعي لحل المشاكل وتنفيذها بشكل صحيح. البداية تكون بالتعاون الصحيح بين القسم التقني وقسم الموارد البشرية، فريق لينكد إن التقني وفر لقسم الموارد البشرية الأدوات التي يحتاج إليها من أجل تحميل البرمجيات عن بعد من أجل تدريب الموظفين الجدد. ولكن من أجل تحقيق ذلك كان على قسم الموارد البشرية التخلص كلياً من مبدأ التسلسل الهرمي، والطلب من عاملين في أقسام أخرى مشاركتهم بأفكار تساعدهم على التواصل بشكل فعال مع الأعضاء الجدد. وهذا ما حصل وتم تحقيق النتائج المرجوة.
التخلص من العقلية «البيروقراطية» لقادة الموارد البشرية
العقلية القديمة لم تعد تجدي نفعاً خصوصاً لقادة أقسام الموارد البشرية. لنأخذ على سبيل المثال إدارة الأداء، في هذه الجزئية التفكير التقليدي هو أن تصرفات الموظف يجب أن تسترشد بقواعد الامتثال وغالباً ما يقوم محامي الشركة بإبلاغ قسم الموارد البشرية بتخفيف المخاطر من أجل تقليص إمكانية تعرضهم للدعاوى القانونية. هذه العقلية تترجم بشكل ثقافة البيروقراطية: قواعد وسياسات عامة وممارسات لكل تفاحة سيئة في الصندوق. ولجعل الأمور أسوأ غالباً ما يتم تذكير قادة الموارد البشرية بأن عليهم معاملة الجميع بالطريقة نفسها، وبما أن كل وضع مختلف وكل موقف مختلف فإن النتائج هي معاملة غير عادلة وأحكام غير صائبة.
البيروقراطية لن تحل المشاكل المعقدة بل ستكون السبب في فشل الشركة. قادة الموارد البشرية الذين يدركون بأن المشاكل الحالية معقدة ينظرون إلى أداء الشركة كنتيجة للتواصل الواضح والمفتوح، الافتراضات الإيجابيات وإدارة الذات.
وعوضاً عن إعتماد نهج المصفوفة، مواءمة المخالفة مع العقوبة المقابلة، على مدير قسم الموارد البشرية التواصل مع فرق العمل حول مشاكل محددة وتأثير هذه المشاكل. المقاربات التي تقوم على الذكاء العاطفي ستؤدي الى إنتاجية أكبر ومستويات أعلى من الانخراط. أي وبتعبير آخر حين يأتي إليكم موظف بمشكلة يجب البحث عن السبب الأساسي لها عوض العمل وفق القواعد الثابتة الموضوعة للقسم كما يجب على قادة الموارد البشرية الافتراض بأن غالبية الموظفين بالفعل يريدون إيجاد حل للمشاكل التي حملوها للقسم. ومن أجل الوصول إلى هذا يجب تبني ثقافة الثقة بفرق العمل وبالموظفين، مع التمسك بقيم الشركة ضمن أطر مرنة تسمح بتجنب العقبات العديدة بالإضافة الى التواصل بفعالية وبشكل صحيح مع جميع العاملين في الشركة.
المصدر: ١