سنوات الصراع والمجد| السعودية والطفرة الاقتصادية المهولة خلال سبعينيات القرن الماضي (5)
استعدادًا للاحتفال باليوم الوطني السعودي الـ 90، وضمن حملة «لمتنا سعودية»، التي أطلقتها مجلتا «الرجل وسيدتي»، نستكمل معًا سلسلة المقالات الاقتصادية، التي تلقي ومضات سريعة على تاريخ الاقتصاد السعودي، خلال الحقب التاريخية الممتدة منذ التأسيس وحتى الوقت الحاضر.
فقد مرّت «المملكة العربية السعودية» بالعديد من التحديات والعراقيل قبل أن تصبح أحد أهم وأكبر الاقتصاديات في العالم، جاء أهمها خلال عقد السبعينات من القرن الماضي، وما شهدته من طفرة اقتصادية عظيمة، ساهمت بشكل جاد تدعيم السعودية كاسم يضع نفسه على خارطة العالم.
ففي بداية عقد السبعينات، ومع تدفق عائدات النفط بشكل كبير، سعت حكومة المملكة في بدء تنفيذ برنامج دعم وتعزيز وتشجيع تقنيات وبحوث الزراعة الحديثة حتى تتغلب السعودية على البيئة الصحراوية ودعم إنتاج المواد الغذائية الأساسية محليًا، مع السعي إلى الاكتفاء الذاتي من الشعير والقمح، كما تم البدء في تنفيذ خطة خمسية للتنمية لأول مرة في تاريخ المملكة.
مع الطفرة النفطية في السبعينيات بدأ تدفق العمالة الأجنبية، كما بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي إلى 1.858%، ليصبح الاقتصاد السعودي الذي يعد الأضخم في المنطقة العربية.
-
وفيما يلي سرد لأهم وأبرز الأحداث المؤثرة في تاريخ السعودية الاقتصادي خلال حقبة السبعينات من القرن الماضي:
سلاح النفط السعودي
اندلعت أول أزمة نفطية في أكتوبر 1973 ، نتيجة حرب الشرق الأوسط الرابعة (حرب 73). أدى ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع هائل في معدلات التضخم، أو ما يسمى بـ «vicious price spiral - دوامة الأسعار المفرغة»، التي أثرت بشكل مباشر على المستهلكين والصناعة.
ففي الربع الأخير من عام 1973، أصدر الملك «فيصل» بالتعاون مع منظمة «OPEC - أوبك» قرار حظر تصدير النفط وتخفيض الانتاج بمعدل 5% كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967، وهو القرار المعروف بـ «First Oil Shock - الصدمة النفطية الأولى»، لتكون المرة الأولى التي يستخدم فيها النفط كسلاح اقتصادي؛ تضامنًا مع القوات المصرية أثناء حرب 73، وردًا سريعًا على إرسال الولايات المتحدة إمدادات عسكرية إلى إسرائيل خلال فترة وقف إطلاق النار، ليتك إشهار سلاح النفط لأول مرة في التاريخ.
حيث أعلنت دول أوبك -وعلى رأسها السعودية- فرض حظر النفط العربي في 15 أكتوبر عام 1973، مما أوقف فجأة صادرات النفط إلى الولايات المتحدة وحلفائها، وتسبب في ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية، وبحلول نهاية الحظر في مارس 1974، ارتفع سعر النفط بنحو 300٪، من 3 دولارات أمريكية للبرميل إلى ما يقرب من 12 دولارًا عالميًا، مما أدى إلى أزمة اقتصادية و انكماش اقتصادي كبيرة في الولايات المتحدة وأجزاء مختلفة من أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا والعديد من البلدان الأخرى.
تقليل السيطرة الأمريكية على النفط السعودي
فمنذ أزمة النفط التي اندلعت عقب حرب اكتوبر عام 1973، خلال عقد السبعينات من القرن الماضي، سعت «المملكة العربية السعودية» إلى تقليل سيطرة الولايات المتحدة على النفط السعودي، فنجدها عام 1972 تفرض سيطرتها على 20٪ من أسهم شركة «أرامكو»، ثم في العام التالي ترفع حصتها إلى 25%، وبعدها إلى 60% عام 1974، بعدما استوعبت الدور الذي يمكنها لعبه في السياسات الاقليمية والدولية بمجرد فتح صنابير النفط أو إغلاقها.
وفي خطوة مهمة خلال مسيرة تطور الاقتصاد السعودي، شهد عام 1975 تأسيس «الهيئة الملكية للجبيل وينبع» للاستفادة من مخرجات النفط، وخلال نفس العام، وبموجب مبادرة سعودية، وافقت منظمة «أوبك» على اعتماد وقبول عملة الدولار الأمريكي كعملة وحيدة لتنفيذ مبيعاتها النفطية، بحيث لا تقبل أية عملات أخرى بما في ذلك الجنيه الإسترليني.
وكان ذلك بمثابة استبدال لمعيار الذهب الذي تم الاتفاق عليه في قمة «Bretton Woods - اتفاقية بريتون وودز» كأساس لنظام الصرف العالمي. فيما تم إنشاء الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) كأكبر شركة مساهمة مدرجة في سوق الأسهم السعودية في العام الذي يليه 1976.
وبحلول عام 1980 كانت السعودية اشترت جميع الأسهم شركة أرامكو من المساهمين الأصليين، وأصبحت تملك الشركة بنسبة 100%، وبعد 8 سنوات تأسست رسميًا شركة «أرامكو» السعودية.
الخطة الخمسية الأولى
كخطوة على طريق بناء اقتصادي قوي في المملكة، تم صياغة خطة التنمية الأولى (1970-1975) في أواخر حقبة الستينيات من القرن الماضي، وبدأ تنفيذها في 2 سبتمبر عام 1970 (أي قبل أربعين عامًا)، وكان لها ثلاث أهداف رئيسية ترتكز على الثالوث (الاقتصادي - الاجتماعي - السياسي)، من خلال: العمل على زيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتطوير وتمكين الموارد البشرية، وتنويع مصادر الدخل وبدء تخفيف الاعتماد على النفط.
وساهم التوسع الكبير غير المتوقع في إنتاج النفط الخام، المصحوب بزيادات كبيرة في الإيرادات لكل برميل، في معدل نمو اقتصادي مرتفع بشكل استثنائي يتجاوز التوقعات في الخطة، وكان من المقرر أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.8% سنويًا، كما ظهر أكبر زيادة في القطاعات غير النفطية، وارتفع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي بنسبة 11.6% سنويًا، ومع نمو عائدات النفط، زادت مخصصات الميزانية، وبلغ مجموعها حوالي 27 مليار دولار أمريكي للسنوات الخمس، وبلغت مصروفات الميزانية الفعلية 21 مليار دولار أمريكي.
اغتيال الملك فيصل
فى 25 مارس 1975 رحل الملك «فيصل» ثالث ملوك «المملكة العربية السعودية» لمدة 11 عامًا، بعد أن سطر التاريخ اسمه كبطل قومي له مكانة خاصة في تاريخ السعودية والمنطقة، حيث حقق طفرة تنموية مهولة على أكثر من صعيد، ودافع عن القضية الفلسطينية، ورفض الاعتراف بإسرائيل، وقطع النفط عن الدول الداعمة لها.
كان رحيل الملك «فيصل» مأساويا للغاية، حيث قام الأمير «فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود» بإطلاق النار على عمه الملك، وهو يستقبل وزير النفط الكويتي «عبدالمطلب الكاظمي» في ساحة مكتبة بالديوان الملكي وأرداه قتيلًا في الحال، في حادثة استثنائية في تاريخ السعودية، ليتولى بعده مقاليد الحكم الملك «خالد بن عبدالعزيز آل سعود».
-
أبرز الأحداث الرئيسية خلال سبعينات القرن الماضي في تاريخ المملكة:
1970 - (2 سبتمبر) بدأ تنفيذ خطة التنمية الأولى المقررة لخمس سنوات (1970-1975).
1972 - المملكة تفرض سيطرتها على 20% من شركة أرامكو، لتبدأ خطة تقليل السيطرة الأمريكية على النفط السعودي.
1973 - (15 أكتوبر) أصدر الملك «فيصل» بالتعاون مع منظمة «OPEC - أوبك» قرار حظر تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل في حرب أكتوبر على الجبهة المصرية والسورية، فتضاعف أسعار النفط بشكل غير مسبوق، مما تسبب في ما يعرف بالصدمة النفطية الأولى.
1974 - بسبب فرض حظر النفط، ارتفعت اسعاره بنحو 300%، كما بلغت حصة المملكة في شركة أرامكو 60%.
1975 - تأسيس «الهيئة الملكية للجبيل وينبع»، وبموجب مبادرة سعودية، وافقت منظمة «أوبك» على قبول الدولار الأمريكي كعملة وحيدة لتنفيذ عمليتها النفطية، كما تم اغتيال الملك «فيصل» على يد ابن أخيه.
1976 - تم إنشاء الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك).
1979 - المتطرفون يستولون على الحرم المكي لمدة 10 أيام.
1980 - المملكة تمتلك جميع الأسهم شركة أرامكو من المساهمين الأصليين.