سنوات الصراع والمجد| السعودية ما بعد الملك المؤسس وتحديات البقاء خلال خمسينيات القرن الماضي
استعدادًا للاحتفال باليوم الوطني السعودي الـ 90، وضمن حملة «لمتنا سعودية»، التي أطلقتها مجلتا «الرجل وسيدتي»، نستكمل معًا سلسلة المقالات الاقتصادية، التي تلقي ومضات سريعة على تاريخ الاقتصاد السعودي.
يُعد تأسيس «المملكة العربية السعودية» على يد الملك الراحل «عبد العزيز بن سعود» (حكم 1932-1953) بطولة ملحمية عظيمة، ونقلة نوعية لم تحدث من قبل في تاريخ الجزيرة العربية، فقد وحد الملك الراحل الأراضي السعودية، وجعلها دولة قوية واحدة تحت راية واحدة وسيطرة حاكم واحد، وخاض العديد من المعارك والحروب من أجل ذلك، لتدخل السعودية عصرا جديدا من الرخاء، بعدما أصبحت دولة عظيمة في رسالتها، وإنجازاتها، ومكانتها الإقليمية والدولية.
عززت القفزة الكمية في الإيرادات التي تدفقت إلى خزائن «المملكة العربية السعودية» موقف الملك المؤسس «عبد العزيز بن سعود»، وسمحت له بممارسة سيطرة سياسية واقتصادية أكبر على الأراضي السعودية، ثم تم اكتشاف النفط، مما زاد من مكانة الدولة في سوق النفط العالمي، فأصبحت السعودية في قمة التألق الاقتصادي، واستبدلت الاقتصاد المتخلف التقليدي بالاقتصاد الموجه يعتمد في المقام الأول على نفقات الدولة.
رحيل الملك المؤسس
على هذا الأساس، يعتبر الحدث الأكثر تأثيرًا في التاريخ الحديث للسعودية خلال حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، هو: وفاة المغفور له الملك «عبد العزيز بن سعود»، في مدينة الطائف يوم 2 ربيع الأول 1373 هجرية، الموافق 9 نوفمبر 1953 ميلادية، وذلك عن عمرًا يناهز الـ 77 عامًا، أمضى منها في الحكم أربعة وخمسين عامًا، ليتم نقل جثمانه إلى الرياض حيث دفن في مقبرة العود، أكبر مقابر المدينة، وثالث أشهر مقبرة في السعودية بعد مقبرة البقيع والمعلاة.
وفي عام 2013 ضمن احتفالية المملكة بذكرى مئوية التوحيد وكتعبير رمزي عن ملحمة التوحيد والتأسيس وتخليدًا لبطولة الملك المؤسس، جاء مجسم «بوابة الرياض الغربية»، القابع الآن في مدخل العاصمة السعودية على طريق مكة المكرمة - الرياض، والذي يصور قبضة يد الملك المؤسس على سيفه، ومن خلفه 13 علمًا خفاقًا في رمز لمحافظات المملكة الموحدة، والسيف يشق صخرة ضخمة كبيرة، تعبيرًا عن حياة الشقاء والصعاب التي كان يعانيها السعوديون قبل استرداد الرياض، فنجد الماء وقد انساب من الصخرة العنيدة تعبيرًا عن بداية عصر الازدهار
مرحلة ما بعد الملك عبد العزيز
لقد كان الملك «عبد العزيز بن سعود»، وهو المؤسس الأول لهذا الفيض الكبير من الثروة والرخاء في «المملكة العربية السعودية»، وما تلاه من إنجاز قيام الدولة الحديثة، قد قام قبل وفاته، بالتوصية بتعيين ابنه «سعود» خلفًا له على العرش، وتجنبًا لأي مشاكل سياسية مستقبلية قد تنشأ بين الملك القادم والأخ غير الشقيق له «فيصل»، قام الملك الراحل بتعيين «فيصل» وليًا للعهد، ليتولى في وقت لاحق منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية، حيث استحدثت المملكة نظام مجلس الوزراء عام 1958، لتمر المملكة السعودية بإحدى أخطر الفترات في تاريخها الحديث.
-
وفيها يلي سرد لأهم وأبرز الأحداث المؤثرة في تاريخ السعودية خلال حقبة الخمسينيات من القرن الماضي:
أول حقل بحري في الشرق الأوسط
طاقم العمل تفقد خط الأنابيب العربي بمساعدة مسح جوي في عام 1951.
زادت القدرة التصديرية للنفط بدرجة كبيرة في عام 1951، عقب ارتفاع إنتاج المملكة، نتيجة اكتشاف آبار نفط برية وبحرية هائلة، حيث قامت شركة «أرامكو» باكتشاف أول حقل بحري في الشرق الأوسط في نفس العام، وذلك في منطقة رأس السفانية بالخليج العربي، وفي نفس العام أيضًا بدأ إنتاج حقل الغوار، بمعدل بلغ 600 ألف برميل يوميًا، وهو من أكبر الحقول النفطية في العالم.
ومضات على بداية الاقتصاد| السعودية تثبت أقدامها على الساحة الدولية خلال أربعينيات القرن الماضي
كذلك فتحت البلاد في عام 1951 خط الأنابيب عبر المنطقة العربية «تابلاين»، الذي امتد بطول 1212 كيلومترا عبر منطقة الخليج، وعمل لمدة 32 عامًا، قبل إغلاقه في عام 1983؛ بهدف نقل النفط إلى البحر الأبيض المتوسط، وتقليل الوقت والجهد اللازمين لإدخال النفط إلى الناقلات، تمهيدًا للتصدير عبر البحر المتوسط، وبعد خمسة أعوام فقط من بلوغ الإنتاج 500 ألف برميل يوميًا، كانت شركة «الزيت العربية الأمريكية - أرامكو» تنتج مليون برميل يوميًا.
مؤسسة النقد العربي السعودي
صورة تاريخية لمبنى مؤسسة النقد العربي السعودي.
في إطار مواكبة التطورات الاقتصادية، تأسست «مؤسسة النقد العربي السعودي»، والمعروفة اختصارًا بـ (SAMA - ساما) بموجب مرسوم ملكي صادر في 21 إبريل عام 1952، واتخذت مدينة جدة مقرًا لها، لتكون بمثابة بنك مركزي للمملكة، ويقوم بعدة مهام، منها: إصدار عملة وطنية موحدة، وضمان سلامة النظام المالي، واستقرار أسعار الصرف، والإشراف على البنوك التجارية وتنظيم عملها، وتنسيق السياسات النقدية فقد كانت السعودية تعتمد في السابق على البنك الهولندي (أول بنك في المملكة، والمعروف باسم البنك الأول) للقيام بمهام الأعمال المصرفية المركزية.
الجنيه الذهبي السعودي
الجنيه الذهبي السعودي كان مساويًا لنظيره الإنجليزي.
وفي نفس عام إنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي، وتحديدًا في 25 أكتوبر 1952، تم لأول مرة طرح الجنيه الذهبي السعودي، والذي كان وقتها يساوي نفس قيمة الجنيه الذهبي الإنجليزي، ومقاربًا لمواصفاته من حيث وزنه وقطره ودرجة نقائه (عياره)، حيث بلغ وزنه 8 جرامات، وقطره 22 مليمترا، بدرجة نقاء تصل إلى 0.91666، وحدد سعر صرفه بمبلغ 40 ريالًا فضيًا سعوديًا، أي ما يعادل 10.90 دولار، ونقش عليه عبارة: «جنيه عربي سعودي واحد»، ليشكل إضافة هامة لتاريخ الاقتصاد السعودي الممتد منذ عشرات العقود.
أول عملة ورقية
وكذلك في طريق تطوير السياسات النقدية، تم إصدار أول عملة ورقية في 25 يوليو 1953 بواسطة مؤسسة النقد السعودي، وعرفت باسم «إيصالات الحجاج»، وبدأت بفئة تعادل 10 ريالات، ولاقت الاستحسان والقبول العام والثقة في التداول والتبادل النقدي بين الحجاج والتجار والمواطنين على حد السواء، مما شجع مؤسسة النقد السعودي على إصدار فئة تعادل 5 ريالات منها في العام التالي 1954، وبعدها بعامين تم إصدار فئة الريال الواحد في عام 1956.
وجه الإصدار الأول من إيصالات الحجاج، قبل ظهور عملة الريال، وهي تعادل 10 ريالات، ويظهر فيه شعار المملكة القديم.
ظهر الإصدار الأول من إيصالات الحجاج من فئة تعادل 10 ريالات، ودون عليه تعهد بقيمة الإيصال باللغات العربية والأردية والفارسية والملاوية والتركية.
نشأة السوق المالية في السعودية
بداية تاريخ الشركات المساهمة في «المملكة العربية السعودية» تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حيث تم تأسيس أول شركة مساهمة سعودية، وهي الشركة العربية للسيارات في عام 1934، بينما تم تأسيس شركة الأسمنت العربية في عام 1954، ثم تبعتها ثلاث شركات للكهرباء، ولمواكبة التطورات الاقتصادية تتابع تأسيس العديد من الشركات المساهمة الأخرى، ونشأت السوق المالية في السعودية بشكل غير رسمي في الخمسينات، واستمر الوضع كذلك إلى أن وضعت الحكومة التنظيمات الأساسية للسوق في الثمانينات.
الملك سعود بن عبدالعزيز.. ساند قضايا العالم العربي والإسلامي واستكمل خطة المؤسس
رزنامة للأحداث الرئيسية خلال سنوات العقد الثاني في تاريخ المملكة (خمسينات القرن الماضي):
1951 - اكتشاف أول حقل بحري في الشرق الأوسط، وبدء إنتاج حقل الغوار، بمعدل بلغ 600 ألف برميل يوميًا، وكذلك افتتاح خط الأنابيب عبر المنطقة العربية «تابلاين».
1952 - تأسست «مؤسسة النقد العربي السعودي SAMA»، بموجب مرسوم ملكي صادر في 21 إبريل، كما طرح الجنيه الذهبي السعودي لأول مرة في 25 أكتوبر من نفس العام.
1953 - إصدار أول عملة ورقية في 25 يوليو، وعرفت باسم «إيصالات الحجاج».، ثم رحيل الملك «عبد العزيز بن سعود» في نوفمبر من نفس العام عن عمر يناهز الـ 77 عامًا.
1954 - إصدار فئة الـ 5 ريالات من «إيصالات الحجاج»، وتأسيس شركة الأسمنت العربية.
1956 - إصدار فئة الريال الواحد من «إيصالات الحجاج».
1958 - استحدثت المملكة نظام مجلس الوزراء.