"حقيقة مرة" تستدعي العلاج حالاً.. اكتئاب ما بعد الولادة يصيب الأب أيضاً
انطلاقاً من نهاية يونيو/ حزيران، ازدحمت منصات وسائل التواصل، بمزيد من الصور العائلية، احتفالاً بعيد الأب. لحظات جميلة وقوالب حلوى وابتسامات عريضة وقمصان طُبعت عليها بعض الجمل الطريفة، أو ببساطة عبارة "أفضل أب".. إعجابات بالعشرات، لا بل بالمئات، وتعليقات تكاد لا تنتهي. الأمر جميل، إنما ما يجهله كثُر، أو ما يُعدّ أشبه بـ"المحظورات" هو أن الرجل (هو نفسه الذي يمكن أن يكون أفضل أب في العالم)، قد يعاني، كذلك، من مرحلة إحباط، تماماً كتلك التي قد تكون زوجته قد عانتها بعد الولادة او خلالها.
فخلف كل هذا الديكور الجميل الذي تحمله إلينا الشبكات الاجتماعية، قد تقف هناك في الكواليس "حقيقة مرّة"، يحاول الرجل منعها أو كبتها بقوّة، لأن الحديث عن مسائل من هذا النوع ربما يُعدّ "إهانة" لرجولته، خصوصاً في العقلية الشرقية. الواقع أن الاكتئاب أمر شائع بين الرجال أيضاً، لا سيما بين الآباء للمرة الأولى. أما عدم الحديث عن هذه الحالة النفسية، فلا يعني أنها غير موجودة.
في هذا السياق، وبحسب الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP)، فإن الاكتئاب يصيب ما بين 2 إلى 25%، من الرجال أثناء حمل شريكتهم، أو في مرحلة ما بعد الولادة. كما أن هذه النسبة قد ترتفع إلى 50%، في حال معاناة الأم الاكتئاب خلال الحمل أو بعده. صورة كفيلة بعدم الاستهانة بحجم هذا الوضع، وتداركه قبل أن يتأزم، ويؤثر سلباً، ليس في حياة الرجل فحسب، بل في حياة الأسرة كاملة.
فما العوامل التي يمكنها تعزيز احتمال إصابة الأب باكتئاب بعد الولادة؟
- الأب، عكس الأم، يعاني صعوبة في تطوير علاقة قوية، كتلك التي تربط الطفل الرضيع بوالدته. فهو لم يحمل طفله 9 أشهر، ولم يعِش تغييرات جسدية وهرمونية، كتلك التي عاشتها الأم. لذلك، من الطبيعي أن يحتاج تطوير العلاقة مع طفله إلى وقت أطول، مقارنة بزوجته.
- الأب، لا يملك صورة نموذجية في ذهنه، عن هذه المرحلة الدقيقة، لكي يحتذيها.
- نقص في الدعم الاجتماعي أو العائلي أو من الأصدقاء للأب الجديد.
- تغير في العلاقة الزوجية، فقد انضمّ فرد جديد إلى العائلة.. لم يعد الزوجان وحدهما؛ هامش الحميمية ضاق.
- شعور الأب الجديد بنوع من الغيرة من طفله أو طفلته، وذلك يعود بالدرجة الأولى، إلى اهتمام الأم بالمولود الجديد، وتخصيص كل وقتها وطاقتها له. وهذا أمر طبيعي جداً. كذلك، شعور الأب بأنه مستبعد من العلاقة التي تربط الأم برضيعها، وكأنه صار دخيلاً عليهما.
- اكتئاب الأم، قد يمهّد لاكتئاب الأب أيضاً.
- الضغوط الحياتية والمهنية، واتساع حجم المسؤولية الملقاة على كاهله. فمهما تباينت الثقافات، على الأب أن يوفر لقمة العيش، ويضمن مستقبلاً مشرقاً لأسرته.
- انخفاض مستوى هرمون التيستوستيرون.
- عدم النوم بانتظام، والشعور المتواصل بالانهاك.
ما أعراض اكتئاب الأب؟
بخلاف المرأة، قد لا يبكي الرجل عندما يعاني الاكتئاب والإحباط، خصوصاً أن تربيته تمنع عليه البكاء، كونه حكراً على الإناث. في المقابل، قد يعاني الرجل أحد الأعراض الآتية أو بعضها:
- الانزعاج والاضطراب، والشعور بعدم القدرة على إيجاد المتعة في أي شيء. قد يصل الأمر ببعضهم إلى الإصابة بنوبات غضب، أو منع شريكتهم عن الإرضاع الطبيعي، أو شفط الحليب باستخدام الآلات.
- الهرب من المنزل، والمكوث ساعات طويلة في المكتب.
- الانشغال عن الأم والطفل، والابتعاد عنهما.
- اليأس والإحباط، والشعور بعدم الرغبة في مخالطة الأصدقاء أو ممارسة أي هواية، كما في السابق.
- عدم القدرة على التنفس بانتظام، والشعور بالاختناق، وصولاً إلى حدوث نوبات خوف.
- عدم القدرة على التركيز وتشتّت الذهن.
- السلبية في التفكير، يرى الأسوأ عندما يفكّر في المستقبل، والمبالغة في الخوف على الطفل ومستقبله.
- انخفاض الشهية على الطعام.
الحلول المقترحة:
قد تستمرّ هذه الحال من بضعة أسابيع، إلى ما لا يمكن تحديده، تبعاً لدرجة تيقّن الشخص ورغبته في تلقي المساعدة. لذلك، نقترح أن يكشف الرجل لزوجته، أو لأحد أفراد العائلة المقربين، عمّا يجول في خاطره، أو يطلب المساعدة الطبية فوراً. فالأطفال يستحقون منا فرصة تكوين أسرة صحية ومتناغمة. لذلك، لا تنغمسوا في الحزن، بل سارعوا لإيجاد الحلول. وفي هذا الإطار، نقترح الآتي:
- البوح بما يجول في خواطركم.
- استشارة المعالج النفسي، لأن كبت المشكلة يفاقمها.
- ممارسة الرياضة بانتظام.
- بعد مرور وقت، ممارسة هواية مع الزوجة، لإعادة ترميم العلاقة معاً.
- الخروج برفقة الشريكة، أو السفر يومين أو ثلاثة، خصوصاً إذا كان هناك إمكان لترك المولود الجديد مع الجدة أو أحد افراد العائلة المقربين.