على عكس المتوقع.. لماذا يبهرنا القادة الذي يركزون على السلبيات؟
هناك ميل للافتراض بأننا نريد من قادتنا أن يكونوا من النوع الذي يشجعنا، وبأن يكونوا متفائلين ويملكون الشهامة. ولكن خلال العقود الماضية وفي مختلف القطاعات، شهدنا على بروز لقادة معروفين بأسلوبهم بالانتقادي اللاذع والقاسي والقائم على العقاب والسلبي بشكل عام. الانفصال الواضح بين الواقع والنظرية يثير الكثير من الأسئلة وعلى رأسها الطرق التي تؤثر فيها الخصال السلبية والإيجابية على نظرتنا ومفهومنا للقيادة والقادة. الخلاصة التي تم التوصل إليها بعد دراسات أجرتها مجلة هارفرد بيزنس ريفيو هي أنه بينما يخيل إلينا أننا نريد من القادة الإيجابية والتشجيع، ولكننا وبشكل غرائزي نميل الى الانبهار بالسلبيين.
الأبحاث السابقة أظهرت أننا كبشر نقوم بخلق التسلسلات الهرمية من أجل المحافظة على النظام، وبأننا في الوقت عينه تملك توقعات عديدة حول الألية التي على أصحاب القوة التصرف وفقها، وعليه بتنا نملك وعياً حول الإشارات والدلائل التي تشير الى ديناميكيات القوة. مثلاً غالباً ما نميل إلى ربط الشكل الخارجي وتحديداً الطول بالقوة، فالرجل الطويل القامة يتم تصنيفه وبشكل فوري على أنه يملك سلطة من نوع ما، وعليه نقوم بمنحه المكان والنفوذ بشكل لا إرادي.
هذه النوعية من عمليات الربط هامة ومؤثرة حين نكون في المراحل الأولى في علاقتنا مع الآخرين، اي حين نتعرف إليهم، لانها تحدد مكانتهم ومكانتنا في الهرم الاجتماعي.
الدراسة التي أجرتها مجلة هارفرد بيزنس ريفيو قامت بالتركيز على ما إن كنا كبشر نفسر تصرفات القادة السلبية أي الذين يرفضون وينتقدون من دون نية إلحاق الاذى بجهة محددة، بنفس الطريقة التي نفسر بها تلك الإشارات والدلائل الاجتماعية المرتبطة بالقوة.
التجربة
تم إجراء ١١ تجربة من أجل العثور على إجابة لهذا السؤال. في المرحلة الأولى تم عرض أقوال لرؤوساء ومرشحين للرئاسة الاميركية بين ١٩٨٠ و٢٠٠٨. الاقوال هذه تنوعت بين جمل إيجابية تدعو الى الدعم وتعد بكل ما هو إيجابي للبلاد وبين اقوال سلبية منتقدة ولاذعة. المشاركون في التجربة لم يكشف لهم لاي شخص تعود الاقوال أو لاي عام، والنتيجة كانت واضحة تماماً. أصحاب الاقوال السلبية المنتقدة لم يتم تصنيفهم كالأكثر قوة فحسب بل تم إعتبارهم بانهم سيحققون نتائج أفضل خلال رئاستهم.. وبطبيعة الحال عند سؤالهم عن أي جهة سيقومون بالتصويت لها، الاجابة كانت واضحة، سيمنحون أصواتهم للسلبيين والمنتقدين.
التأثير هذا غير محصور في السياسة فحسب، إذ أن الدراسات السبع الاخرى تطرقت الى مواضيع إجتماعية وإقتصادية وفنية وغيرها من المجالات وفي كل مرة النتيجة نفسها ربط السلبيين والرافضين والمتنقدين بالقوة والسلطة والنفوذ.
ورغم أن النتائج أظهرت بأن القادة السلبيين «غير محبوبين» مقارنة بالاخرين غير السلبيين أو المحايديين ولكن تم تأييدهم ودعمهم وإعتبارهم الافضل لتولي المهام والمسؤوليات في مختلف القطاعات. والاكثر إثارة للإهتمام هو أن الغالبية الساحقة من المشاركين أصرت على خيارها حتى حين كانت التجربة تتعلق بهم شخصياً، أي أنهم سيعملون مع هكذا نوعية من القادة الذي ينتقدون ويرفضون ويعاقبون.
ولعه بستيف جوبز ساهم في ذلك| لي جون.. مؤسس النسخة الصينية من أبل
لماذا ننبهر بالقادة السلبيين وندعمهم؟
الإنبهار بالقائد السلبي يرتبط بالسيكولوجيا الخاصة بنا كبشر. فالشخص الذي يقوم بإنتقاد غيره ويرفض طلباته ويدحض أقواله يتم إعتباره من قبل الاخرين على انه يتصرف بإستقلالية وبثقة وهذا ما يؤشر بالنسبة لنا على القوة.
القناعة هذه بدورها تجعلنا نميل الى الإعتقاد بأن قوة القائد السلبي بحل من أي قيود إجتماعية ما يجعله يبدو وكأنه يملك قوة وسلطة ونفوذ أكبر.
ولكن لا بد من التساؤل هنا، هل القائد الذي يعتمد السلبية كأسلوب في قيادته الاخرين يشعر بأنه أكثر قوة حين يقوم بذلك؟ الدراسات تؤكد ذلك، نعم هم يختبرون مشاعر القوة والسلطة حين يعتمدون هذا الأسلوب لقيادة الاخرين. الرابط بين السلبية والقوة قد يجعل المقاربة هذه تبدو مغرية لاي قائد طموح يسعى الى تحقيق النجاحات، ولم لا؟ البشر تعتبرهم بأن اكثر قوة واكثر كفاءة من غيرهم وهم يشعرون بهذه القوة فالامر حلقة تغذي بعضها البعض.
ولكن هناك عدة أسباب تدعو للحذر وعدم إعتماد هذا النمط في القيادة ولعل أهمها هو أن نظرتنا لنفوذ وسلطة القادة تختلف وتتطور. فرغم أن هناك ميل حالياً للانبهار ووضع السلبيين على رأس الهرم سنصل الى مرحلة تتبدل فيها المفاهيم ويتم إسقاط هؤلاء من أعلى إلى أسفل.
في المقابل السلبية المبالغ بها مرفوضة لانها في مرحلة ما ستصبح مؤذية وقائمة على التمييز والمحاباة وغيرها وبالتالي هناك حدود يجب التوقف عندها. وبما انه لا يوجد «كتيب» يحدد الجرعة المناسبة من السلبية التي تجعل الشخص يشعر ويُمنح القوة، فالامر قائم على التجربة والتقييم الشخصي.
الربط بين السلبية والسلطة أيضاً كان الأعلى عند الذين يشعرون بأنهم أقل حظاً من غيرهم، أي الذين لم يتمكنوا من تحقيق ما يريدون تحقيقه في حياتهم المهنية أو الشخصية أو الذين يعانون من مشاكل مادية غيرها. وهذا ما يدلل على واقع اخر وهو أن كون التقدير نابع من مشاعر «قلة الحظ» فإن مشاعر الكره والنفور تجاه من يمثل «السلطة» حاضرة وموجودة وعليه أي شخص سيأتي ويكسر هذا النمط سيتم دعمه.
لذلك قبل الشعور بالإغراء لتجربة نمط السلبية هناك الكثير من الامور التي يجب وضعها بالحسبان لان السحر قد ينقلب على الساحر.
المصدر: ١