فخ الأفكار البديهية.. كن أنت الشخص الآخر!
هل خطرت لك يوماً فكرة تدرك بأنها رائعة وبأن تأثيرها سيكون كبيراً، ولكنك رغم ذلك لم تنفذها يوماً لا بسبب الخوف من الفشل وبالتأكيد ليس لأنك كسول أو لأنك مشغول ولا لأي سبب من الأسباب المتعارف عليها التي تمنع الشخص من تنفيذ الأفكار، بل لأنك وبكل بساطة تعتبر أن تلك الفكرة بديهية للغاية؟ الأفكار التي عادة تكون واضحة وبديهية تجعلنا على اقتناع تام بأن شخصا آخر سيقوم بها، وبالتالي نصرف الاهتمام عنها، ونعتبر أنها ستكون مضيعة للوقت والجهد.
أنت مخطئ تماماً، وما عليك فعله هو الاطلاع على مسيرة أشهر المبتكرين وأصحاب الأفكار المبدعة، واتباع خطاهم، وتحديداً ستيف جوبز وإسحق عظيموف. البديهية والوضوح كانا الجزء المهم والأساسي من كل المسار الإبداعي الخاص بكليهما.
وعليه سواء كنت تخطط للانطلاق في عمل بشكل منفصل أو تريد إحداث تغييرات مؤثرة في مكان عملك الحالي، تعلم من تجربتهما ولا تُدخل نفسك في حالة من الشلل فقط لأن الأفكار تبدو بديهية.
«عندما تسأل أحد المبدعين عن الآلية التي قاموا باعتمادها عند تنفيذ فكرة ما، فهم يشعرون بالذنب لأنهم لم يقوموا بها فعلاً، فهم انتبهوا لجزئية ما، وهذه الجزئية أصبحت بديهية بالنسبة إليهم بعد مدة»، هذا ما قاله ستيف جوبز في مقابلة نُشرت على موقع «وايرد» عام ١٩٩٦. «والسبب أنهم تمكنوا من ربط التجارب التي يملكونها، وقاموا بالخروج بأمور جديدة مما هو بديهي».
في العام ١٩٥٩، كتب إسحق عظيموف المؤلف والكيميائي الأمريكي الروسي، والذي يعتبر من أكثر الأدباء غزارة في الإنتاج، واشتهر بكتابة الخيال العلمي التي شهدت شهرة عالمية واسعة عن الفكرة نفسها التي تم وضعها في نظرية التطور من خلال الانتقاء الطبيعي، والتي وضعها كل من تشارلز داروين وألفريد واليس. كلاهما سافرا وراقبا التنوع الكبير من الحياة النباتية والحيوانية. كلاهما اطلعا على «إساي اون بوبيولايش» التي كتبها توماس مالتوس وأدركا كيف أن الأخير يمكنه أن يفسر الاول. «عندما تم فهم العلاقة أصبح الأمر واضحاً» كتب عظيموف، وأشار الى البيولوجي توماسي هوكسلي كان عليه أن يعلق بعد قراءة «أصل الأنواع».. «لقد كان من الغباء مني ألا أفكر بذلك».
ورقة أبحاث صادرة عن جامعة مينيسوتا تدعم وجهات النظر هذه، و تشير إلى أن تمييز البديهي والواضح هو جزء مهم وأساسي من المراحل الخمس للمسار الإبداعي.
ما هو البديهي؟
إليك السر الذي لعلك لا تدركه حالياً، الفكرة التي تبدو لك بديهية حالياً قد لا تكون كذلك للآخرين، وذلك لأنهم لا يبحثون عن الإجابة للسؤال نفسه. ورغم أن دراسة صدرت مؤخراً أكدت أن الدماغ يقمع «الأفكار البديهية»، وذلك من الخروج بالأفكار المبتكرة، وذلك لأن التفكير يحتاج إلى الابتعاد عن الأفكار «الشائعة» والسهلة، ولكن يبقى هناك السؤال الأهم: من وما يحدد ما هو بديهي؟
الأفكار ترد إلى الذين يعرفون ويدركون أن هناك مشكلة تتطلب حلاً، وبالتالي يبحثون عن حل مبتكر لهذه المشكلة. كتاب «كيف تفكر كأينشتاين» يشير إلى أنه حتى أينشتاين نفسه لم يكن بإمكانه العثور على حلول في حال كان يملك المسألة الحسابية الخاطئة. يجب أن يكون هناك مشكلة قابلة للحل، وهذا الواقع يسمح للشخص بالخروج بكل الحلول الممكنة، والتي تختلف عما توقعه قبل البدء بتفكير الحل. العثور على المشكلة «المثالية» يتطلب الكثير من التفكير.. خصوصاً حين يكون الحل بديهياً.
ومن هنا حين تجد نفسك تفكر بحل بديهي لمشكلة كبيرة وعظيمة فحينها أنت قد خرجت للتو بمشروع ما ناجح من دون أدنى شك.
تحولت لموظف أو مدير لا يمكن الاستغناء عنه؟ احذر فهذا ليس نجاحًا!
لِم نخاف من البديهي؟
إليكم قصة أندرو فورمان المبتكر والرئيس التنفيذي لـ«غيز»، والذي شارك قصته عن فكرته البديهية في مقال كتبه في "هارفرد بيزنس ريفيو".
فورمان كان يملك فكرة لها قميتها الإنسانية والاجتماعية، والتي ستساهم بجعل الناس يتبرعون بشكل أكبر للجمعيات الخيرية في البلاد. ولكنه ما انفك يؤجلها؛ لأنها بدت بديهية جداً بالنسبة إليه. لسنوات طويلة ظل ينظم اللقاءات وغيرها من المناسبات من أجل جمع التبرعات، حيث كانت البداية مع الرفاق، ثم بدأ يتوسع لآخرين، حيث كان يعرض القضايا ويروي القصص ويوضح كيف تساعد كل جمعية على جعل حياة البشر أفضل. وعندما كان ينجح بإقناع البعض كان يسألهم «هل ستكتبون شيكاً؟» وكان الرد دائماً يأتيه «أنا في الخامسة والعشرين من عمري لا أستخدم الشيكات»، وحينها كان عليه الشرح كيف يمكن الدخول إلى موقع الجمعية والتبرع أون لاين. وهكذا ورغم النوايا الحسنة وبمجرد مغادرتهم، الغالبية لم تكن تقوم بعملية التبرع، الأموال التي كان يحصل عليها هي تلك التي كان يتم دفعها نقداً. ولكن وبما أنه كان ينظم هذه اللقاءات في مطعم أو مقهى فإنه وعندما كانت تصل الفاتورة كانوا يقومون بمشاركتها من خلال تطبيقات مثل فينمو. حينها خطرت له بأنه ربما عليه ابتكار تطبيق يسمح للشخص بالتبرع لأي جمعية يريدها.
فكرة بديهية كل ما كانت تحتاج منه هو جمع فريق عمل.. ولكن لأن الأمر بهذا الوضوح والبديهية لم يقم بذلك؛ لأنه كان يفكر وبشكل دائم بأن هناك شخصا ما سيقوم بها. وعليه البديهية والوضوح لم يكونا من المحفزات التي دفعته لتنفيذ الفكرة بل أديا إلى تأخيرها.
الفكرة تم تنفيذها و حققت نجاحاً كبيراً وساهمت برفع نسبة التبرع لعدد كبير من الجمعيات وزادت من نسبة الشفافية بين الجمعيات والمتبرعين، ولكن التنفيذ جاء متأخراً.
هو لم يدرك أن الحل البديهي هذا خطر له لأنه وحده يفكر بالمشكلة. وهذا هو الأمر بالنسبة لعدد كبير من الأفكار. نعم الحل بسيط وواضح ومباشر، ويمكن أن يخطر لأي شخص كان، ولكن الروعة كلها تكمن في أنك وحدك من فكر بالمشكلة. هي موجودة وشائعة، ولكن لا أحد بحث عن الحلول رغم أنها بديهية.. ولأنها كذلك فهذه النوعية من الحلول تحقق النجاحات الكبيرة.
دليلك لتنظيم أفكارك الكثيرة في أوقات العمل.. هكذا تُنجز الأمور
المصدر: ١