الإستراتيجية الرقمية.. المعارك الـ ٤ التي عليك الفوز بها
إن كان هناك أمر لا يمكن للإستراتيجية الرقمية أن تكون عليه فهو أن تكون تدريجية. عدم التطابق بين نماذج العمل التجارية والمستقبل الرقمي كبير جداً والبيئة المتغيرة والمتبدلة بسرعة كبيرة لدرجة أنه لا يمكن سوى للخطط الإستراتيجية المبدعة أن تترك أثرها وتكون نافعة.ولكن ولسوء الحظ فإن معظم الممارسات حين يتعلق الأمر التخطيط الإستراتيجي تؤدي الى التدرج. ووفق بحث أجرته شركة الإستشارات الإدارية العالمية ماكينزي فإن الموارد لا تتحرك بين الوحدات الداخلية للمؤسسات الكبرى خصوصاً حين يتعلق الأمر بالإستراتيجيات الرقمية.
فوفق البحث فإن غالبية القادة داخل المؤسسات الكبرى يفتقدون الوضوح حول المعنى «الرقمي» حين يتعلق بالإستراتيجيات. هناك سوء تقدير يتمحور حول «التشويش» الذي يحدثه كل ما هو رقمي على أسس أعمالهم، كما انه لا يتمكنون من رؤية أن السرعة التي يسير بها العصر الرقمي جعلت الحدود غير واضحة كما جعلت المنافسة تختلف.
شيوع الخلل لا يعني أنه لا يوجد شركات تمكنت من إيجاد الحلول. بل هناك مجموعة من الشركات التي تمكنت من الفوز في هذه المعركة وبالتالي تقديم خارطة طريق للاخرين تمكنهم من إتباعها من أجل الفوز بمعاركهم بدورهم.
المعركة الأولى:محاربة الجهل
عدد كبير من كبار القادة في الشركات لا يملكون معرفة كاملة ووافية حول ما هو رقمي وبالتالي الحديث عن تسريع الخطط الإستراتيجية يخلق مشاكل أكثر مما يحلها. هذه الفئة عادة تقع ضحية «ما هو لامع».. أي الإستثمار في الامور التكنولوجية الجديدة التي تبدو واعدة رغم انها قد لا تتناسب مع طبيعة الشركة نفسها وأهدافها وإستراتيجيتها. هذه التقنيات يتم الإستثمار فيها بحكم أنها «الأحدث» والاغرب من دون تقييم فعلي ما إن كانت تساهم في تحسين مسار العمل نفسه أو تساهم في زيادة الأرباح وبالتالي يتم القيام بإستثمارات مجزأة ومتداخلة أو جانبية. الحلول موجودة ولكنها تحتاج لإلتزام من الشركة ومن القادة.
رفع مستوى الذكاء التكنولوجي: يجب أن يكون هناك شجاعة للإعتراف بأن الكوادر التي من رأس الهرم الى أسفله وتحديداً رأس الهرم لا تملك الخبرات الكافية من اجل إحداث التغييرات الضرورية. رفع مستوى الذكاء التكنولوجي يتم من خلال بتثقيف القادة حول كل ما هو رقمي ممكن من خلال ورش العمل أو الاكاديميات الرقمية الخاصة بالشركة والتي تكون عبارة عن برنامج داخل يصار من خلاله تعليم المدراء ما يحتاجون الى تعلمه من قبل خبراء في مجالهم.
التغلب عن «النقاط العمياء» في التنافسية: الشركات بشكل عام تعمل وفق عقلية تجعلها تعلق في دوامة مكان جني الاموال ومن قبل من. هذه المقاربة تجعلها لا تتمكن من رؤية التغييرات التي أحدثها العالم الرقمي على الصعيد الإقتصادي. هنا لا بد من التفكير بطريقة مختلفة.. والمرحلة هذه ليست سهلة بل هي البدء من الصفر، أي وكأنه يتم تأسيس الشركة من الصفر وفق المتغيرات الرقمية الحالية وتقييم الإتجاه الذي ستسلكه لاحقاً. وفور تمكن الشركة من فهم التأثير والإتجاه حينها تبدأ مرحلة البناء باتجاه تسريع المسار وبالتالي إستنتاج الآلية التي ستتفاعل بها الجهات المنافسة سواء بشكل تقليدي أو غير تقليدي مع التغييرات التي قامت بها الشركة.
المعركة الثانية: محاربة الخوف
التأخر عشرات الخطوات عن الآخرين في المجال الرقمي له نتائج كارثية. ولكن وعند وضع الإستراتيجيات غالباً ما يتم وضع الخوف في المقدمة لان القادة في المؤسسات ينظرون الى التفاعل مع العصر الرقمي من خلال بناء ما هو جديد ونقل الموارد بعيداً عن المقاربات التقليدية على أنه خطر كبير على مستقبل الشركة ومستقبلهم بشكل خاص. الية التفكير هذه تؤدي الى تعطيل المسار.
الأبحاث والدراسات التي أجراها معهد ماكنزي تشير إلى أن محاربة الخوف لا يتم بشكل «تلقائي» بل يجب تنظيم الجهود على شكل برامج يتم التعامل معها بجدية بالغة من أجل القضاء على الخوف والتردد. فلا مجال للإختباء فالتغييرات قادمة وعلى المديرين التأقلم معها وتشجيعها وتسريع تطبيقها. البرامج هذه يجب أن يتم دعمها بمنح الجهات العليا الأدوات التي يحتاجون اليها من أجل دعم مسارهم التعليمي والتطبيقي.
بعض الشركات تركز كثيراً على تفاصيل خطط المبادرة الرقمية وتتجاهل النقطة المحورية التي تتمحور حول بناء برنامج صارم يعزز قدرة القادة على إحداث التغييرات.
حوار صادق وصريح: الإنتقال الى العصر الرقمي يتطلب تغييرات أساسية في الخصال التي يحتاج اليها القادة من أجل أن يكونوا فعالين. بطبيعة الحال سيكون هناك مخاوف حول تقلص السلطات والصلاحيات وتبدل الأدوار. هذه الامور يجب مواجهتها والحديث عنها بصراحة مطلقة من خلال مواجهة المخاوف وزيادة الوعي حول تأثير الانتقال الرقمي على إتخاذ القرار. ورش العمل الخاصة بالقادة التي تناقش التغييرات في التصرفات من اجل تقبل الإنتقال الرقمي ضرورية كما يجب أن تكون دورية.
المعركة الثالثة: محاربة العمل القائم على التكهن
وضع إستراتيجية رقمية يعني القفز في المجهول ودخول مناطق جديدة وتعديل أنماط عمل موجودة لتتناسب مع عملية الإنتقال الرقمية تلك. المزيج بين عدم الوضوح والحاجة الى السرعة ستضاعف إمكانية لجوء القادة الى التكهن ما يؤدي الى قرارات ضعيفة وأحياناً خاطئة.
لمحاربة التكهن يجب ربط الإستراتيجية بنظريات يتم وضعها بشكل مسبق حول النتائج المتوقعة من كل إستثمار رقمي. بطبيعة الحال خلال عملية الإنتقال سيتم إرتكاب الاخطاء ولكن حين تكون الامور منسقة بشكل «علمي» ومنطقي فحينها سيكون هناك مرجعية يتم على أساسها قياس ما الذي نجح وما الذي لم ينجح.
المعركة الرابعة: محاربة «التسرع» في نشر الإستراتيجية
الإستراتيجية الرقمية الفعالة تتطلب التركيز ولكن التفاعل معها يرفع مخاطر التسرع ويصبح الامر اشبه بمن يضع طبقة رقيقة جداً من الكريما على كعكة ضخمة. غالبية الشركات تعاني من تنفيذ امرين في الوقت عينه، الاول هو إعادة تعريف «النواة» من خلال ما هو رقمي، و تحويل العناصر الأساسية الى ما هو رقمي.
التحدي هنا دقيق للغاية، خصوصاً وأن هناك عدم اليقين والسرعة في التنفيذ والإنتقال الجذري. المقاربة الامثل هي بالتعامل مع كل مرحلة كما يجب، من خلال زرع الافكار، مراقبة نموها والإستنتاج. كما يجب تقبل ضرورة القيام بالخطوات الضخمة هذه لأن عدم القيام بها يعني الحكم على الشركة بالموت.
المصدر: ١