إنفوجراف| «أبو مازن» يروى لـ«مجلة الرجل» رحلة كفاحه من العمل بلاطً وصولا للسلطة الفلسطينية
ولد محمود رضا عباس في 26 مارس عام 1935 ، في مدينة صفد في فلسطين، يقول عباس "كنت مهتماً بالدراسة وأعطيها حقها، وكنت أيضا أعطي طفولتي مع أقراني حقها، نمتع أنفسنا باللعب والتعرف على الطبيعة والاستمتاع بمناظرها. لم يكن يخطر في بالنا على الإطلاق بأننا سنهجّر من بلدنا".
محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ضيف #مجلة_الرجل هذا العدد:
— مجلة الرَّجل (@ArrajolM) February 16, 2018
- قصة البدايات ومعاناة الرحيل
- عشق الموسيقى وتعنيف الأب
- موقف القيادة السعودية ودعم فلسطين
- هل هناك وساطة جديدة وما المتوقع منها#محمود_عباس_مجلة_الرجل pic.twitter.com/j2b7VJ9Vdc
وحين وصلت الاشتباكات الى قرية "عين الزيتون" القريبة، كان يرى دموع النساء تنهمر وهن يطلقن تنهدات طويلة مطالبين الرجال بإيجاد السبل لإبعاد الاطفال عن خطر عصابات "الهاغانا"، وهكذا قرر والد عباس بأنه ازفت ساعة الرحيل للنجاة بالعائلة ولحماية اطفاله.
يعود عباس لعام النكبة 1948 فيوضح لمجلة الرجل بأنه "تم تطهير مسقط رأسي مدينة صفد عرقياً بشكل كامل من السكان المسلمين والمسيحيين، ومثل صفد تعرضت أكثر من 418 قرية فلسطينية إلى التطهير العرقي والتشريد القسري والهدم".
شاهد| هذا ما قاله النائب العام لـ«الرجل» عن المتهمين في قضايا فساد خارج البلاد
ويروي عباس، بأن شقيقيه الكبيرين، رفضا المغادرة وبقيا ليحملا السلاح، كما رفضت والدتهم أن تفارقهما، وفضلت ان تبقى قربهما، فخرج عباس برفقة شقيقيه الاخرين ووالده، ويصف لحظة الخروج من صفد "بالاقتلاع من الجذور".
كان الطريق باتجاه الشرق محفوفاً بالمخاطر، لوجود المستوطنات، ولكن بمساعدة البدو الذين تربطهم علاقة طيبة بوالده، وصلت الاسرة إلى الحدود الفلسطينية - السورية بأمان، ومن قرية البطيحة السورية، اتجهوا إلى دمشق التي لا يعرفون فيها أحداً، ثم انتقلوا إلى مدينة إربد في الأردن، حيث كان لديهم اقارب استضافوهم
لمدة شهر، إلى أن التأم شمل العائلة، وعادوا جميعاً إلى سورية، ليسكنوا في قرية التل قرب دمشق، حيث تبرّع أهلها بالمساكن والمدارس والمساجد، لاستضافة اللاجئين القادمين من فلسطين.
النائب العام لـ«الرجل»: عملت 32 عاماً في القضاء ولا أتصور نفسي خارجه.. ويوجه رسالة للعاملين به
وبعد بضعة أشهر، انتقلت العائلة إلى دمشق؛ يقول عباس "لأن ما لدينا من مال قد نفد، وكان علينا جميعا أن ننزل إلى ساحة العمل، لنكسب قوت يومنا، كي لا نمدّ أيدينا إلى الناس، وبدأنا رحلة طويلة من المعاناة والعذاب، كما الأغلبية الساحقة لأبناء شعبنا الذين أجبروا على ترك الوطن".
ويضيف من لواعج المعاناة "لا يعرف قيمة الوطن إلا من فقده، لأن الوطن ليس أرضاً وبيتاً وحديقة وعملاً، الوطن حياة وانتماء وهوية وأمان، وكنا نشعر بأننا ضيوف ثقيلو الظل، وعبء على المضيفين، وما دمنا لا نملك حق المواطنة فإننا لا نملك شيئاً".
وأخيراً حطت الأسرة رحالها في دار استأجرتها في حيّ الأكراد شمالي العاصمة دمشق، الحيّ الذي يعاني معظم أهله الفقر. كانت الدار مؤلفة من غرفتين، واحدة سكنت فيها العائلة، وفي الأخرى سكن الشقيق الأكبر لعباس المتزوج مع أولاده.
مرض الطفل محمود، لأن جسده الضعيف لم يتحمل أعباء العمل المضني، فطلب منه الطبيب الذي عاينه التوقف عن العمل المجهد، فانتقل ليعمل فراشاً في مكتب للتعهدات، ثم مراسلاً في مكتب مصالح عقارية؛ وهكذا من مكان إلى مكان، حتى استقر به المقام نادلاً في مطعم، يعمل فيه من الصباح حتى منتصف الليل.
النائب العام لـ«الرجل»: ارتباط النيابة العامة بالملك سلمان يعطيها القوة والهيبة والعمل الجاد
ويروي عباس، أنه بعد سنة ونصف السنة، على عمله نادلاً "قررت في أحد الأيام أن أتحدى الظروف والعقبات، وتقدمت بطلب إلى إحدى المدارس، لأتابع دراستي فيها، وحصلت على الشهادة الإعدادية خريف عام 1951.
وفي الحوار نفسه، يقول عباس لمجلة الرجل: "لقد كانت المدارس بالنسبة لشعبنا هي السبيل الوحيد الذي يزوّدنا بالسلاح، لمواجهة الحياة، لأننا لا نملك أرضاً ولا صناعة ولا تجارة، فليس أمامنا إلا أن ننهل من مناهل العلم لنواجه أعباء الحياة".
ويستخلص من واقع معاناته ما دفعه للقول "لا يعرف قيمة الوطن إلا من فقده، لأن الوطن ليس أرضاً وبيتاً وحديقة وعملاً، الوطن حياة وانتماء وهوية وأمانً".
بعد حصوله على شهادة الإعدادية انتقل عباس الى التدريس، فعمل مدرسا في بلدة "القطيفة" الابتدائية بريف دمشق، وحصل على راتب مئة وستاً وعشرين ليرة ونصف الليرة، يقول عباس "كان "مبلغاَ كافياً في ذلك الوقت ليعيش منه الإنسان، ويقدم لعائلته منه مبلغاً محترما يساعدها على سدّ جانب من مصاريفها".
انخرط عباس في العمل السياسي الوطني منذ مطلع شبابه، ولأنه كان ممنوعاً على الفلسطيني أن يمارس أي نشاط سياسي، اتجه مع بعض الأصدقاء إلى العمل السري، وأسسوا أول مجموعة فلسطينية عام 1954 في دمشق، واتحدوا مع مجموعات وطنية تكونت في دول أخرى، وتشكلت على إثرها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي أعلنت انطلاقتها عام 1965، بقيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات.
انتقل عباس في عـام 1957 للعمـل في وزارة التربيـة والتعليـم القَطَرِيـة، مديـراً لشـؤون الموظفيـن، زار خلالهـا الضفـة الغربيـة وقطـاع غـزة مرات عـدة، لاختيـار معلميـن وموظفيـن للعمـل في قطـر.
تزوج محمود عباس من أمينة عباس في 1958، ورزق بثلاثة أولاد هم مازن وياسر وطارق، إلا أن القدر اختطف ابنه مازن عام 2002، بسبب نوبة قلبية، بينما ياسر وطارق يملكان عدداً من الشركات والمشاريع، ويصنفان رجليّ أعمال.
يقرّ عباس في حديثه للرجل، أنه وبسبب انشغاله الدائم بين الوظيفة والعمل الوطني، تولت زوجته تربية الأولاد وتنشئتهم تنشئة صالحة.
ويكشف بأن مسيرة حياته الذاتية اختلطت بحياته العامة، إلى درجة التطابق والتكامل، يقول "لم أشعر في حياتي قط، أن لي حياة خاصة أمارسها وأعيشها، وعيت على مأساة اللجوء، وكرسنا أعمارنا كلها للثورة منذ مطلع الستينات، لم يكن بإمكاننا ان نعيش حياة أسرية أو عائلية كباقي البشر". ويصف ما عاشه من حياة بأنه "أشبه بالسجن، إذا لم تكن سجناً حقيقياً، وعزلنا فيها عن حياة المجتمع العادية".
كان عباس يحلم بدراسة الهندسة، لكنه لم يتمكن من تحقيق حلمه، لأن "هذه الدراسة بحاجة إلى تفرغ ومصاريف، وهذا يعني أنني سأخسر راتبي وأحمّل أهلي عبئاً لا قبل لهم به" ويضيف "ولكن بحمد الله، حققتها بأخي وبأبنائي وأبناء إخوتي، حتى أصبح في عائلتنا الصغيرة أكثر من خمسة عشر مهندساً".
أمنية أخرى لم يكتب لها التحقق؛ يروي عباس "حين كنت طالباً في كلية الحقوق، شعرت أن في داخلي حساً فنياً يدعوني إلى أن أدرس الموسيقى، وبدأت فعلاً في تلقي بعض الدروس الخصوصية، إلا أن والدي، رحمه الله، حين لاحظ وجود عود في البيت، ثارت ثائرته وعنّفني، فصرفت النظر عن الموضوع".
رغم انخراطه في مؤسسات العمل الوطني الفلسطيني، ودوره القيادي، ألف محمود عباس ما يزيد على 60 كتابا، تحدث فيها عن الهجرة اليهودية وناقش النظرة العربية لإسرائيل، والمسيرة السياسية في الشرق الأوسط، ومباحثات السلام مع إسرائيل واتفاق أوسلو.