مؤسس "هسبريس" حسان الكنوني: نستعد لـ "ما بعد عصر الموبايل"
يُشغِّل موقع "هسبريس" الإخباري المغربي نحو 69 صحافيًا وتقنيًا وإداريًا، وينتج أكثر من 150 مادة صحافية وقصاصات إخبارية وصورًا ومقالات رأي وفيديوهات في اليوم. عن هذه التجربة التي أصبحت محط اهتمام بحوث وأطاريح جامعية أكاديمية، يتحدث حسان الكنوني، المدير العام للشركة الناشرة في حوار لمجلة "الرجل" عن هذه الجريدة الإلكترونية التي تندرج ضمن ثلاثة مواقع الأكثر زيارة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
لماذا هسبرس؟
فكرة إنشاء جريدة "هسبريس" الإلكترونية تعود إلى شقيقي أمين الكنوني، الذي يتولى مهمة مدير النشر بالجريدة، انطلقنا في شباط 2007، أما حافزنا من خوض هذه المغامرة، فكان نابعا من وجود فراغ كمي ونوعي على مستوى المواقع الإخبارية الناطقة باللغة العربية على شبكة الإنترنت، كما أن المواقع المتوفرة آنذاك كانت مجرد نسخ لبعض الجرائد الورقية، يقوم القائمون عليها بتحديثها أسبوعيا أو شهريا أو عبر وضع نسخ "بي دي إفي"؛ في غياب تام لتفاعلية الزوار وردود الأفعال، من خلال خاصية التعليقات.
و لتمكين المغاربة داخل الوطن وخارجه من الحصول على المعلومة والخبر والرأي في قالب يتميز بالجدة والراهن، عبر مواكبة يومية ومتجددة، حاولنا سد هذا الفراغ.
انفوجراف| بعد إطلاق موقع إلكتروني خاص بالمشروع.. رواد تويتر: «#نيوم_بوابة_المستقبل»
هل استندتم على دراسة ميدانية؟
من كان يتصور، مثلا سنة 2007، أن دراسة علمية محلية ستلتفت إلى دور "الصحافي المواطن" و"تعليقات الزوار" في نجاح جريدة إلكترونية مغربية ناطقة بالعربية.
لقد كانت الفكرة أقوى من أية دراسة علمية محلية، تتحملها عند البدايات الأولى؛ فقد جرى استحضار أن شبكة الإنترنت فضاء مفتوح لحرية التعبير، يتجاوز وسائل الاتصال التقليدية، ويمنح الصحافة الإلكترونية خاصية النشر الفوري والتفاعلية التي جعلت من قراء "هسبريس" مرسلين ومستقبلين في الآن ذاته منتشين بالتحرر من قيود السلط التقليدية للمجتمع.
هل وجدتم، في البداية، من يؤمن بمشروعكم الإعلامي؟
وجدت الجريدة الدعم كل الدعم من زوارها وقرائها والمعلقين الذين يقومون بالتفاعل مع المواد المنشورة، وأسهم العشرات منهم في تحرير مواد الجريدة ( User Generated content) وفي إرسال مقالات رأي، ومواد سمعية بصرية كانت تحظى بعناية فائقة بعد التأكد من مصادرها.
كما أن تأسيس "هسبريس"، سيرتبط بمرور سنتين ونيّف على انطلاق مواقع "التواصل الاجتماعي"؛ وهو ما سمح للجريدة بالاعتماد على "الصحافي المواطن"، الذي برز باعتباره فاعلا أساسيا في إغناء محتوى "الجريدة"، وخاصة في الجانب المتعلق بمحتوى الفيديو، الذي كان لنا فيه السبق على صعيد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بإحداثنا لزاوية "صوت وصورة" في يونيو/ حزيران 2007.
وأنتم تدخلون التجربة هل كنتم مسلحين بزاد أكاديمي ومرجعية معرفية في مجال الصحافة تنير طريقكم؟
لا شك في أن تكويني في المجال المعلوماتي ودرايتي بمجال التسويق أسهما معا في استشراف آفاق تقنية وتسويقية لمأسسة المشروع وهيكلته، ووضعه على السكة الصحيحة. كما أن مدير نشر الجريدة طالب مرّ من المعهد العالي للإعلام والاتصال (معهد الصحافة) سنة 1998، وخاض تدريبات في مؤسسات صحافية وطنية ما بين سنتي 1998 و2001، وعمل في الصحافة المحلية بطنجة رئيسا لتحرير جريدة نصف شهرية، ونشر في جرائد وطنية ومواقع عربية ما بين سنتي 1998 و2005.
هذا هو معنى هيسبرس
والدنا الشاعر المغربي الراحل محمد الخمار الكنوني (1941-1991)، الذي شغل قيد حياته أستاذا محاضرا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط والذي يعد في الآن ذاته أحد مؤسسي القصيدة الحديثة في المغرب، له ديوان شعر منشور بعنوان "رماد هيسبريس"، يستلهم فيه هيسبريس كمتخيل أسطوري لحدائق غنّاء ذات تفاح ذهبي ويحرسها تنين رهيب على نهر اللوكوس؛ وبالضبط في مدينة "ليكسوس" الأثرية أو العرائش حاليا. ومن ثمة، جاءت تسمية هسبريس Hespress، التي جرى توليدها واشتقاقها من "هيسبريس" الحدائق الأسطورية.
بعد تأسيس الموقع، راجت إشاعة تقول أنكم أطلقتموه من أمريكا تارة ومن كندا تارة أخرى؟
نحن غير مسؤولين عن ما يروّجه الآخرون بخصوص هسبريس. وقد جرى تداول العديد من الشائعات، التي كانت تتصاعد وتيرتها كلما نجحت الجريدة في الحصول على جوائز أو عقود إعلانية؛ وفي الوقت نفسه كان الصعود السريع لهسبريس عبر إقبال الزوار وتفاعلهم مع المواد المنشورة.
ربما جرى ربط الجريدة بأمريكا أو كندا لاعتمادنا على "سيرفرات/ خوادم" بكندا. والواقع هو أننا أطلقنا "هسبريس" من قلب العاصمة الإدارية للمملكة مدينة الرباط، وبالضبط من منزلنا الواقع بحي حسّان.
ولعل مشاركة بعض الكتّاب والصحافيين في الجريدة بأسماء مستعارة أسهمت في اختلاق هذه الشائعات والأقاويل. كما أن بعض المنتسبين إلى الصحافة المغربية كان يعتقد أننا يجب أن نستجدي دعما أو نطلب إذنا أو مباركة للتأسيس من بعض "عرابي السياسة" و"ديناصورات الإعلام"، الذين لم يتقبلوا أن ينجح مشروع جريدة إلكترونية مغربية يشرف عليها شابان في العشرينيات من عمرهما آنذاك.
وهل كانت لديكم محاذير من كيفية تعامل السلطات معكم؟
لم تكن لدينا محاذير بقدر ما كانت مخاوف عادية ترتبط بأيّ مشروع جنيني نبحث له عن ضمان الاستمرارية؛ فالحكم بحبس الزميل محمد الراجي، أحد المدونين في هسبريس حينها، بسنتين نافذتين في سبتمبر 2008، وإطلاق سراحه بعد أيام من الاعتقال أثار نقاشا حاميا في تلك الفترة حول حرية التعبير.
أما على مستوى الفراغ القانوني الذي كان سائدا والمتعلق بعدم الاعتراف القانوني بالصحافة الإلكترونية والتباس صفة تحديد الصحافي المهني وغير المهني، كل ذلك لم يكن يعني حينها أن ممارسة الصحافة الإلكترونية كانت فوق القانون؛ فقد كان يسري علينا، في المجمل، ما تنظمه قوانين المملكة.
من 2007 إلى الآن في سنة 2017، أين وصلتم؟
تحظى "هسبريس"، في الوقت الراهن، بأكثر من مليوني زائر يوميا.
ماهي المرتبة التي بات يحتلها الموقع على المستوى الوطني والعربي؟
وفق الإحصائيات المتاحة من "غوغل أنلاتيكس" و"أليكسا"، فإن "هسبريس" يعدّ أول موقع إلكتروني مغربي، وأول جريدة إلكترونية مغاربية، وضمن الـ3 مواقع الأكثر زيارة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كما توجت "هسبريس" بجائزة الصحافة العربية (فئة الصحافة الذكية) بدبي سنة 2016، وبجائزة "مَركب المتوسط" من مؤسسة "أرض المتوسط" الإيطالية كأول مؤسسة من جنوب البحر الأبيض المتوسط تحظى بهذا التتويج. وحصلنا على "جائزة فوربس نسخة الشرق الأوسط" لثالث أقوى موقع إخباري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سنة (2012)، فضلا عن جوائز محلية ودولية أخرى.
في ظل الطفرة الكمية للمواقع كيف تتعاملون مع المنافسة؟
لقد تجاوز المغرب، عند نهاية السنة المنصرمة، 500 موقع إخباري؛ وهي طفرة متوقعة، هناك مواقع قامت باستنساخ شكل وتبويبات "هسبريس"، فيما تجاوزت مواقع أخرى حدود الاستنساخ وعملت على اختيار أسماء نطاقات تتشابه مع "هسبريس". وقد جرى اللجوء في إحدى الحالات إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو WIPO)، التي أنصفت مؤسستنا.
وهنا، أحب أن ألفت الانتباه، إلى أن شريحة كبيرة من القراء والمتتبعين، بالرغم من اطلاعهم على الخبر في أكثر من منبر، يظلون مترددين في تصديقه إلى حين صدوره على موقع "هسبريس" الإلكتروني. كما أن أسلوبنا التحريري جعل القارئ المعتاد على تصفحه يتعرف عليه بسهولة، بالرغم من قرصنته ووضعه على موقع آخر.
كيف تقيّمون التجربة المهنية للموقع ما بين الأمس واليوم؟
الإجابة عن هذا السؤال تقتضي التوجه أولا إلى أساتذة الإعلام والمختصين في الميدان. وفي نظري، إن التحول الذي عاشه الموقع يشبه المسافة بين السماء وبين الأرض، فمن موقع يديره شخصان يتم تحديثه خمس مرات في اليوم، ويعتمد على مساهمات مدونين وأخبار منتقاة من الوكالات والجرائد الوطنية، إلى مؤسسة تشتغل وفق منظومة مهنية وحرفية ونموذج اقتصادي تشغِّل أزيد من 69 صحافيا وتقنيا وإداريا، وتنتج أزيد من 150 مادة صحافية وقصاصات إخبارية وصورا ومقالات رأي وفيديوهات في اليوم. كما أصبحت تجربة "هسبريس" محط اهتمام بحوث وأطاريح جامعية أكاديمية.
ما هو خطكم التحريري؟
يلتزم الخط التحريري لـ"هسبريس" بالدفاع عن الحق في حرية الرأي والتعبير، مع استحضار المسؤولية الاجتماعية والانفتاح على جميع التيارات السياسية المغربية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. نؤمن كذلك أن الالتزام بالمهنية إلى أقصى حد يضمن، بكل تأكيد، المقومات الأخلاقية للعمل الصحافي.
ما مصادر الدخل بالنسبة إلى الموقع؟ وما هو رقم المعاملات الذي حققه في الفترة الحالية؟
تشكل الإعلانات مصدر الدخل الرئيس للمؤسسة الناشرة لـ"هسبريس" والتي تحقق رقم معاملات يفوق 20 مليون درهم سنويا. وفي هذا السياق، أذكر أن نجاح "هسبريس" ومقروئيتها الواسعة دفعا العديد من المعلنين إلى اعتماد العربية في رسائلهم الإشهارية، بعد أن كانت الفرنسية هي المهيمنة على سوق الإعلان الإلكتروني في المغرب.
وما هو حجم حصتكم من الدعم الذي تخصصه الدولة لقطاع الإعلام سنويا؟
نستفيد، منذ السنة المنصرمة (2016)، من دعم وزارة الاتصال. ويصل مبلغ هذا الدعم إلى 500 ألف درهم سنويا.
هل يضغط المعلن على المحرر؟
تفصل إدارة النشر ورئاسة التحرير فصلا صارما وواضحا بين المواد الصحافية وبين المواد الإشهارية والدعائية. كما أننا نحرص كل الحرص على استقلالية صحافيي المؤسسة عن سلطة السياسة والمال. وقد بدا ذلك الحرص واضحا من خلال الحملات الانتخابية في المغرب، والتي كنا حريصين فيها على الإشارة إلى بعض المواد والبلاغات إلى كونها إعلانات وليست مقالات إخبارية.
لديكم مجلة ورقية تحمل اسم الموقع؛ لكنها ستتوقف عن الصدور ما أسباب التوقف؟
تجربة جميلة انطلقنا فيها بتمويل ذاتي، وبرأس مال مادي وبشري مهمين، وبإيمان عميق بوجود مقومات مشروع جدي، كما وضعنا لها سقفا زمنيا محددا؛ بيد أننا فوجئنا بأن الاشتغال في ميدان الصحافة الورقية في المغرب يشبه السباحة في بركة آسنة. وبناء عليه، فكرنا في الانسحاب بدون زلات مهنية تخدش صورة "هسبريس"، مع ضمان حقوق جميع الصحافيين والتقنيين والإداريين الذين اشتغلوا في المجلة.
يعد التحقيق الصحافي التجسيد الفعلي للسلطة الرابعة؛ غير أنه يظل شبه غائب على مستوى الصحافة الوطنية المكتوبة والإلكترونية، فما تعليقكم؟
أتفق معكم تماما؛ بل إن العديد من المواد التي تنشر في الصحافة الورقية والإلكترونية والتي يعتبرها أصحابها تحقيقات، لا تحترم أبسط التقنيات والشروط المهنية الخاصة بالتحقيق الصحافي، حتى إن هناك صحافيين يمارسون العمل الميداني منذ عشرات السنين ما زالوا يقعون في الخلط بين الاستطلاع وبين التحقيق الذي يعتبره الأكاديميون جنس الأجناس الصحافية الكبرى.
كيف تنظرون إلى مستقبل موقع "هسبريس" ؟
في الوقت الحالي، سحبت الهواتف الذكية البساط من الحواسيب التقليدية، ونحن نستشرف ما بعد "عصر الموبايل" وجاهزون بكل الوسائل التقنية والمادية لمواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة.
إضافة إلى حضور "هسبريس" في شبكات التواصل الاجتماعي بقوة وبطريقة مهنية وفعالة، نحن متأكدون أن البقاء والاستمرار هو دائما للذي يحترم القارئ، بتقديمه إياه منتوجا متميزا شكلا ومضمونا. أما من يعتمد السطو والقرصنة وإشاعة الأكاذيب فإن القارئ سيعاقبه، بكل تأكيد.
أنشأتم مركزا للدراسات تابعا للموقع، فما القيمة المضافة التي يقدمها؟
بعدما استطاعت جريدة "هسبريس" الإلكترونية أن تفرض نفسها على الساحتين المحلية والدولية، لاحظنا أن هناك الكثير مما يمكن تقديمه في إطار سلطة الإعلام ودورها في تطوير النقاش العمومي كوسيلة من وسائل رقي الخطاب وتجويده. ومن ثمّ، فقد اخترنا أن نؤسس مركزا أطلقنا عليه اسم "مركز هسبريس للدراسات والإعلام"، تتلخص مهامه في 3 أمور أساسية، وهي: توفير فضاء متكامل لتكوين العاملين في القطاع في مجال الصحافة عامة، والإعلام الإلكتروني خاصة؛ ثم المساهمة في النقاش العمومي عبر تنظيم ندوات وحلقات دراسية وحوارات في فضاءات عمومية أو تبث على المباشر عبر موقع الجريدة وصفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي. كما أخذ المركز سالف الذكر على عاتقه القيام بدراسات وإعداد أوراق تتعلق بالحالة الإعلامية في المغرب، وخصوصا إبداء النظر في كل مشاريع القوانين التي تهم مجال الصحافة.+++