عبد الله الجاسر :من "فنّي آلات" إلى نائب وزير الاعلام.
الرجل-دبي:
بالرغم من مركزه وخبرته التي تتجاوز 50 عاماً في مجال الإعلام، فإنك تجده مستمعاً ومنصتاً جيداً لزملاء المهنة الأقل منه خبرة ومعرفة، حتى عرف بـ"أبي الإعلاميين"، يعمل بصمت دون ادعاء أو حب لظهور، فالالتزام والدقة في العمل عنوانه، والتواضع صفتة.
إنه الدكتور عبدالله الجاسر نائب وزير الثقافة والإعلام في السعودية، "ابن التفزيون السعودي" الذي عاش خمسة عقود في أروقة وزارة الإعلام تدرج فيها من "فني آلات" بمبلغ مقطوع لا يتجاوز 800 ريال شهرياً، إلى الرجل الثاني في الإعلام السعودي. عايش نهوض الإعلام من الأبيض إلى الأسود حتى أصبح شبكة فضائية مسموعة ومرئية وإخبارية منوعة.
ويعدّ الدكتور عبدالله الجاسرمن أوائل السعوديين الذين يعثتهم بلادهم لدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث مكث فيها 13 عاماً متواصلة حصل من خلالها على الشهادة الجامعية والماجستير في الإذاعة والتلفزيون، وعلى درجة الدكتوراه في الإعلام الدولي، أهّلته لتولّي عدد من المناصب الأكاديمية والقيادية. لم يخف ضيفنا دور زوجته ورفيقة دربه في ما وصل إليه، طيلة فترة دراسته خارج السعودية وأثناء عمله، معترفاً بوقفاتها معه وتضحياتها، ومؤكداً مقولة :"وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة".
ويؤكد أستاذ الإعلام والأكاديمي السابق، ونائب وزير الثقافة والإعلام الحالي إن التحصيل العلمي وزيادة الجرعات الثقافية والاطلاع الواسع، وتنمية المدارك المهنية، هي أهم عوامل النجاح في مهنة الإعلام، التي لا تعرف الآن إلا التأهيل العالي والمهنية الاحترافية، في ظل منافسة إعلام الآخر . "الرجل" التقته في منزلة في الرياض وكان الحوار التالي:
الرياض: عبد السلام الثميري -
قضيت ما يربو على 50 عاماً في الإعلام، حتى وصفت بـ"ابن التلفزيون السعودي"، ماذا يعني لك هذا الوصف ؟ أعدّ نفسي واحداً من أبناء الإعلام السعودي الذين تربّوا، وترعرعوا داخل أسواره، وكان لي ولزملاء معي دور بارز في النقلات التي تمت في وسائط الإعلام السعودي، مقروءة ومسموعة ومرئية وإلكترونية. لقد عايشت نهوض الإعلام السعودي من الأبيض إلى الأسود، حتى أصبح شبكة فضائية مسموعة ومرئية وإخبارية منوّعة أسهمت وتسهم في مسيرة التنمية الشاملة التي عاشتها وتعيشها السعودية.
- برامجكم مرتبطة بالتزامات متعددة. ولكن لي رغبة في معرفة برنامجكم اليومي كيف تقضونه؟ أستيقظ مبكراً، ومع تناول الإفطار أقرأ جميع الصحف اليومية السعودية، وكذا جريدتي "الشرق الأوسط" و"الحياة" بشكل يومي وإلزاميّ، أكون في مكتبي في الوزارة الساعة الثامنة والنصف صباحاً وحتى الثالثة ظهراً، وفي المساء إما أن يكون هناك ارتباطات، وهي غالباً تتعلق بعملي في الوزارة أو أنني أشاهد بعض الأخبار والحوارات والتقارير الإخبارية من خلال قنوات التلفزيون السعودي أو "العربية" و"بي بي سي" العربية، وإن وجدت وقتاً اطلعت على المواقع والصحف الإلكترونية.
- خلف كل شخصية ناجحة أشخاص أسهموا في ذلك النجاح.. حدثنا عن أبرز هذه الشخصيات وأثرهم في مسيرتك؟ رفيقة دربي زوجتي (أم فيصل) وابنتي الوحيدة سارة، وابني فيصل، هم الوقود اليومي الذي أستمدّ منه بعد الله العون والحب والإخلاص في أداء عملي، وهم من رافقوني بكل تفانٍ في مشواري الطويل، ولا شك أن رفيقة دربي وزوجتي لها دور كبير في حياتي الأكاديمية، خلال وجودي في الولايات المتحدة الأمريكية، لمدة زادت على 13 عاماً، وهي من وقف إلى جانبي وحثّني وشجّعني وصبرت طويلاً، سواء في مجال تحصيلي العلمي أو في حياتي العملية، فلها مني كل الوفاء والحب والتقدير والامتنان.
- ما الأوقات التي تخصّصها للأسرة؟ وهل هي كافية؟ هي ليست كافية بالقدر، ولكنها المتاحة، وقد يكون يوم الجمعة اليوم الوحيد الذي نجتمع فيه أسرياً.
- كونك الرجل الثاني في وزارة الثقافة والإعلام السعودية، هل هناك خطوط حمراء توجهونها لوسائل الإعلام المختلفة؟ الخطوط الحمراء تعني بالنسبة لي المحافظة على ثوابت المجتمع السعودي، وبالذات الدينية منها، وتتلخّص مثل هذه الخطوط الحمراء التي أشرت إليها في الالتزام بالأنظمة التي نصّت عليها كل وثائق الإعلام السعودي، وأهمها السياسة الإعلامية للمملكة العربية السعودية، والعمل الإعلامي إعلام يفترض أن يكون منضبطاً وليست هناك حرية مطلقة، ولكن تحري الصحة من مصادرها الأصلية أهم الضوابط التي نراعي فيها عملنا الإعلامي مسموعاً ومرئياً ومطبوعاً، ولا توجد رقابة مسبقة على وسائط الإعلام السعودية، ولكن العاملين في الإعلام يدركون حجم المسؤولية الملقاة على عاتق هذه البلاد التي هي مهبط الوحي وقبلة المسلمين، وفيها الحرمان الشريفان، وبالتالي فالإعلام السعودي لابدّ أن يعكس دور المملكة الإسلامي وثقلها السياسي والاقتصادي ومجتمعها المحافظ.
- ما ملامح استراتيجية العمل الإعلامي والثقافي في السعودية ؟ طوّعنا توظيف التقنية في صناعة الإعلام السعودي في محتوى الرسالة ومضامينها، تحررنا إعلامياً من بعض التقليدية والرتابة في الطرح والمعالجات الإعلامية، وبدأنا التجديد من خلال جيل من الإعلاميين ذكوراً وإناثاً أسهموا في صناعة محتوى البرامج الإذاعية والتلفزيونية نوعاً وكمّاً. سارع المستثمر السعودي في دخول اقتصاديات الإعلام، استثمر المال السعودي في الإعلام الفضائي، وتعاظم بشكل كبير، وهناك أكثر من 1500 قناة إذاعية وتلفزيونية يشكل الاستثمار السعودي فيها أكثر من 70 في المئة، فالمخططون والمنفذون السعوديون في القطاعين الحكومي والأهلي أدركوا حتمية الالتحاق المبكّر بتقنيات الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع.
- عفواً .. هل هناك تحديث لسياسة الإعلامية في السعودية؟ يجري الآن تحديث السياسة الإعلامية للمملكة، لكي تتواءم مع النقلة العالمية للعمل الإعلامي، في الطرح والمعالجات، وفي مجالات الإعلام الالكتروني والإعلام الجديد، ويتم مراجعة استراتيجية العمل الثقافي التي تقوم بها مجموعة من المؤسسات الثقافية داخل السعودية وخارجها
. - ما أبرز المواقف الصعبة التي مرّت بكم خلال عملكم في الوزارة؟ المواقف كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، ولكنها والحمد الله تعالج بطريقة تخدم المصالح العليا للسعودية، في جانبها السياسي أو الإعلامي أو الاجتماعي، والعمل الإعلامي يواجه في كل يوم بمجموعة من المواقف، خاصة في ظل سماء مفتوحة ومنافسة فضائية شرسة، وأجيال من الاتصالات المتجددة، وقد تربينا وتعودنا على مثل ذلك، الإعلام ليست مهنة ساكنه، وإنما هو عمل ديناميكي متحرك في كل الاتجاهات يحتاج إلى يقظة ومتابعة، ساعة بساعة ولحظة بلحظة.
- هل لديك برنامح رياضي وغذائي محدد؟ وبصراحة هل لديك وقت لمشاهدة المباريات؟ أحب رياضة المشي، وأقوم بها بشكل يومي مالم تحُل الظروف دون ذلك، وأفضل المشي في المساء قرابة ساعة كاملة، واستمع أثناء المشي إلى آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية وبعض التقارير الإخبارية التي ترد من هنا وهناك، وأستفيد من بعض الكتب الإلكترونية الأجنبية في الآي فون. أما المباريات فأشاهد من حين لآخر الدوريات الكروية الأوربية، وأحرص على مباريات المنتخب السعودي، ومباريات كأس أوربا، ومباريات كأس العالم.
- أين تقضي إجازتك السنوية؟ وهل تقضيها وحدك؟ اقضي إجازتي السنوية كل ما حصل لي فرصة ، وليس بالضرورة سنوياً، واقضيها مع زوجتي وولديّ، ونحاول أن نسافر إلى بلاد لم نرها من قبل. - في البيت من له الكلمة الأولى؟ وهل لابنك وابنتك رأي في اختيار ملابسك؟ - نحن عائلة صغيرة نتشاور في كثير من الأمور، وقد تبنّينا ثقافة التشاور والتفاهم في كثير من شؤون الحياة؛ أما اختيار الملابس، كما أشرت، فأتشاور إن دعت الحاجة مع زوجتي ورفيقة دربي.
- منحتم في عام 1420 هـ، وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، ماذا يعني لك هذا التكريم؟ يعني الكثير؛ هو تكريم وتقدير من وليّ الأمر حفظه الله ، وليس هناك شرف أعظم من هذا، وتكريم أحسن منه، إنه تقدير معنوي، وقد جبلت هذه البلاد على تكريم أبنائها الذين يستحقون ذلك، بل هو وسام أعتزّ به. - كان لك في شبابك قصة مع التجارة، حدثنا عن ذلك؟ عندما كنت موظفاً في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، كان النظام يسمح لي بممارسة العمل الإعلامي التجاري، وقد شاركت في تأسيس مؤسسات إعلامية عدة، ثم مارست العمل التجاري الإعلامي بشكل منفرد من خلال الدعاية والإعلان والنشـر، والإعلام المرئي والمسموع، وقد وفقني الله سبحانه وتعالى، وتبنّيت كثيراً من المشاريع الإعلامية في القطاع الخاص ومع بعض الشركات، إلا أن تعييني قبل عشرين سنة وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام للشؤون الإعلامية، جعلني أتوقف عن ذلك، حيث إن الوظيفة الحكومية لا تسمح بممارسة العمل التجاري حسب النظام.
- ماذا عن هوايتك؟ وما آخر كتاب قرأت؟ - هوايتي الأولى هي القراءة، وأقرأ تقريباً كل جديد في الإصدارات الإعلامية والسياسية والاقتصادية ، والإصدارات العامة ذات العلاقة بالعمل الإعلامي بشكل مباشر أو غير مباشر، كما أن هوايتي الشغف بمتابعة الحوارات الفضائية والتقارير الإخبارية ومشاهدة البرامج الوثائقية، ولي اهتمام بمتابعة وسائط التقانة وعلاقتها بمهنة الإعلام، والمرئية منها تحديداً، وأستفيد من بعض الكتب التي تعرض سنوياً في معرض الرياض الدولي للكتاب وفي المعارض الأخرى العربية والدولية.
- ما فلسفتك في حياتك العملية ومع موظفيك؟ نجاح الإنسان في حياته العملية يرتبط بالضرورة بمدى انضباطه في عمله وفي تخطيط وقته، سواء في عمله اليومي أو في اجتماعاته الداخلية والخارجية ، وحكمتي في هذا الانضباط هو أن تأتي متقدماً ساعة خيرٌ من أن تتأخر دقيقة، علاقتي مع زملائي في العمل مبنيّة على الودّ والاحترام، ولا أميّز البتة بين شخص وآخر، إلا بقدر تأهيله وانضباطه في العمل وإتقان ما يوكل إليه.
- ماذا أخذ منك الإعلام؟ وماذا أعطاك؟ أخذ الكثير فكراً وتفكيراً وجهداً يومياً ومتابعة، وأعطاني والحمد لله تقدير قادة هذه الدولة حفظهم الله ، وتقدير زملائي في الوزارة.
- من أقرب الناس إليك؟ ومن يشاركك في اختيار قراراتك المهمة؟ - أقربهم إليّ رفيقة دربي وزوجتي "أم فيصل" حفظها الله، وولديّ سارة وفيصل إنّهم بهجة حياتي اليومية وملاذي بعد الله، وما ألقاه منهم من حب واحترام، وهم عائلتي الصغيرة التي احتضنها وتحتضنني، أما من يشاركني في اختيار قراراتي المهمة، فأنا اختار بروية وتدبّر وعقلانية وهدوء، كل قراراتي المهمة، وأستشير من حين إلى آخر زوجتي ورفيقة دربي.
- ما أهم النصائح التي توجهها إلى الإعلاميين؟ النصيحة المهمة هي الابتعاد عن الغرور والتعالي، وأن يكون الإعلامي إنساناً متواضعاً مثقفاً مطلعاً، وأن يكون لديه الثقة بنفسه وبمهنته وبتأهيله. كما أنصح لزملائي من الشباب الحرص على التحصيل العلمي والقراءة المستمرة، فتلك هي سعة الأفق وتوسيع المدارك، والقدرة على الحوار والتحليل والمناقشة والقناعة والاقتناع، سواء كان ذلك في عملهم أو في اجتماعاتهم مع الآخرين أو في لقاءاتهم وجهاً لوجه مع زملائهم، الإنسان الذي يعمل في الإعلام لابدّ
– وبالضرورة - أن يكون مطلعاً وقارئاً نهماً وبشكل يومي، وأن يحرص على أداء عمله والانضباط فيه، وفقاً لمسؤوليته الإعلامية، وأكثر الإعلاميين السعوديين من جيل الشباب ذكوراً وإناثاً مشهودٌ لهم بهذه الكفاءة والمثابرة، وهم من ينهض بوسائط الإعلام السعودية الآن وبشكل احترافي ومقتدر، إن التحصيل العلمي وزيادة الجرعات الثقافية والاطلاع الواسع وتنمية المدارك المهنية، هي أهم عوامل النجاح في مهنتنا التي لا تعرف الآن إلا التأهيل العالي والمهنية الاحترافية في ظل منافسة إعلام الآخر .
- ما الموضوع الذي يشغل تفكيرك في الوقت الحالي ؟ تفكيري ينشغل دائماً في عملي ومهنتي، وكيف نزيد في تطوير أوعية قنوات الإعلام السعودي مسموعاً ومرئياً ومكتوباً وقدرته ومهنيته، والأهم تأهيل كوادره من الشباب ذكوراً وإناثاً، والارتقاء بهم ليكونوا منافسين مع العاملين في الإعلام الآخر. ولي اهتمام كبير من خلال ملفات أتولّى مسؤوليتها، وهي تحديث الأنظمة الإعلامية وتجديدها وتطويعها، لتتلاءم مع الإعلام الحديث وتحديداً في مجالات الإعلام الجديد والإعلام الإلكتروني، والمواقع، والصحف الإلكترونية، والاطلاع على الدراسات والأبحاث التي تُجرى في هذا المجال. كما أن الوزارة تسعى ومن خلال فريق متخصّص الآن إلى تحديث السياسة الإعلامية للمملكة، لتكون مرجعاً فكرياً ومهنياً لوسائط الإعلام السعودي المسموعة والمرئية والمكتوبة. إن مهنة العمل الإعلامي تحتاج دائماً إلى تفكير وجهد متواصلين يقوم بهما المخططون والمنفذون والإداريون، من أجل النهوض بهذه الوسائط، وأن تكون الوثائق الإعلامية التي تحكم مثل هذا الإعلام دائماً متجددة، وفقاً لمعطيات الإعلام الكوني الحديث.