صالح بن علي التركي لـ"الرجل": أنا لست ديكتاتورًا
يرى أن الفشل ھو أن تستسلم للسقوط وتترك نفسك دفیناً في حفرة الیأس.. أما العثرات والمشاكل والصعاب والتقدم مرة والتأخر أخرى، فھي كضربات المطرقة التي تمھّد طريقاً تتقدم فیه، فالنجاح أمل ثم أرق وعرق وقبل ذلك توفیق من الله، ومقولة أن النجاح والفشل حظ فقط، فھذه للفاشلين، أما قانون النجاح فھو أن يكون لديك تصلب في إرادتك، وقانون الفشل أن يكون التصلب في عقلك.
بدأ حياته التجارية بدون رأس مال، وأصبح خلال عقود من كبار التجار والمستثمرين وأبرز الاقتصاديين في السعودية، بل وخارجها ايضاً. ولد في العراق، صاحب حضور اقتصادي واجتماعي، فهو يرى ان مشكلة المجتمع السعودي انه انتقل من البداوة الى التحضر مباشرة، دون ان يمر بمراحل متدرجة، وهذا سبب الكثير من مشاكله الاجتماعية، مثل الطلاق والفقر وغيرها.
نتحدث هنا عن رجل الاعمال السعودي المعروف صالح بن علي التركي رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية، ورئيس غرفة التجارة في جدة سابقاً، وأحد أبرز روّاد العمل الاجتماعي في السعودية ، كل تلك الامور مجتمعة أهلت التركي بجدارة ليكون ضيف غلاف مجلة "الرجل" لهذا العدد وكان الحوار التالي معه:
حیاته الشخصیة
(1) حدثنا عن حیاتك أين ولدت؟ وأين نشأت؟
الوالد من أھل نجد من بريدة تحديداً، أما أنا فقد ولدت في العراق، وبعد عودتنا منه استقرت الأسرة في المنطقة الشرقیة بالمملكة، حیث يقیم معظم الأھل والأقارب وما زال الحنين يعاودنا لها ولأهلها.
(2) وماذا عن دراستك؟
في ذلك الوقت المبكّر كان التعليم في المملكة يخطو خطواته الأولى، ولذلك درج كثير من السعوديين على ابتعاث أبنائھم لتلقي التعليم في مصر أو لبنان، ومن ثم أمضيت مراحل التعليم من الابتدائي وحتى الجامعه في لبنان، حيث حصلت على بكالوريوس الإدارة العامه من الجامعة الأمريكیة في بیروت، وبعدھا سافرت إلى الولايات المتحدة وحصلت على الماجستیر في الإدارة.
(3) ومن اقرب الاشخاص إلیك؟
من الطبيعي ان يكون أفراد الأسرة ھم الأقرب دائماً إلى العقل والقلب.. وكان للوالدة، رحمھا الله، مكانة خاصة في قلبي. وتربّیت مع إخوتي خالد وعبدالعزيز وعبد الرزاق وأختي صبحیة يرحمھا الله. وبالدخول في مرحلة الشباب وتقدم العمر بالإنسان تتسع دائرة معارفه والمقربين منه، وأحمد الله أن حباني صحبة واسعة من الأصدقاء والمعارف أرجو أن تدوم بإذن الله.
(4) ماذا عن الزواج؟ وكیف التقیت زوجتك؟
زوجتي من عائلة القصیبي وكانت تقیم مثلي في المنطقة الشرقیة بمدينة الخبر، كما أن كلينا درس في لبنان، وكنت أصادفها أحياناً بحكم العلاقات الأسرية والعائلیة.
(5) معروف ان زوجتك من عائلة ثرية، فكیف استطعت اقناعھا بالبقاء في البیت بدون عمل؟
لاعلاقة بین الثراء والعمل، فالإنسان يتوجب علیه أن يعمل غنیاً كان أو فقیراً، لأن العمل هو أساس عمارة الأرض التي أمرنا الله بها في قوله تعالى {هو الذي أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها} وحتى لو كان الشخص غنیاً لا يحتاج للعمل، فإنه بعمله سينفع الناس قصد ذلك أو لم يقصد، فبعمله سيوسع دائرة العمل لآخرين ويحقق ثراء أوسع وبالتالي زكاة أكثر.. وهكذا تتسع دائرة الانتفاع من السعي والعمل حتى لو لم يكن الشخص نفسه بحاجة إلى ذلك، وربما كان هذا هو سبب القول إن العمل عبادة.
أما عن بقاء الزوجة في البیت فذلك لايعني أنھا لاتعمل، فخدمة المرأة ورعايتھا لزوجھا وأسرتھا وتنظیمھا لشؤونھم وقیامھا على راحتھم ھو عمل مھم أيضاً، إن لم يكن أهم الأعمال. وحتى لا يختلط الأمر فإن دعمي لعمل المرأة أقصد به أن تتاح فرصة العمل للمرأة إن رغبت في ذلك أو فرضت عليها الظروف أن تعمل، وبخلاف ذلك فإن رعاية البیت والأسرة هي أفضل أعمال المرأة، وهي الأصل منذ أقدم الأزمان وفي كل المجتمعات والثقافات.
(6) ماذا عن أولادك؟
رزقني الله بفیصل ونورة وكلاھما حصل على قسط من تعلیمه داخل المملكة ثم على البكالوريوس من الولايات المتحدة فالماجستير من بريطانيا، والآن كل منھما له عمله ومسؤولیاته داخل شركة "نسما القابضة" التي أمتلكها. الجید في الأمر أنھما قررا في البداية العمل واكتساب بعض الخبرة خارج المجموعة، ولذلك عملت نورة بعد حصولھا على الماجستیر في الغرفة التجارية بجدة، ثم في جامعة يیل الأمريكیة، والآن هي المديرة التنفیذية للتطوير بمجموعة "نسما". أما فیصل فھو يدير بعض شركات المجموعة.
(7) وكیف ھو تعاملك معهم في البیت ؟
الاحترام المتبادل والمصارحة وتقدير كل منا لقرارات الآخر ھي أھم صفات التعامل في البیت، خاصة أن كليهما في سن يستطیع فیها تحمل توابع قراره، أما بقیة شؤون البیت، فأنا أتركھا لأم فیصل، وقد ساعدني ذلك على إيجاد وقت يكفي مشاغلي.
(8) بالنسبة لوقت فراغك كیف تقضیة؟
لا أحب تعبیر وقت الفراغ، لأن الفراغ يعني العدم لذلك، فأنا أتصور أن مشاھدة فیلم أو قراءة رواية أو متابعة نشرة أخبار، أو حتى الخروج في نزھة لیست فراغاً وإنما إعادة شحن للذھن والنفس والترويح عنها، لمواصلة مشاغل الحیاة، وهذا ما أفعله، حيث أقضي الوقت بعد العمل في مشاھدة التلفزيون والبرامج الحوارية والأفلام، وأحیاناً ادخل غرفة "الجیم".
وإن لم أشعر بمیل إلى شيء من ذلك كله، فلا مانع من بعض الثرثرة مع الأھل والأصدقاء. وقديماً كنت أمارس بعض الرياضات، ومازلت أحمل آثار كسر قديم في ركبتي، جراء تسديدة خاطئة لكرة قدم. أما الآن فأكتفي ببعض النشاط الخفيف بصالة الرياضة العامة في مبنى الشركة.
(9) ھل تخصص يوماً معیّناً للأسرة؟
الحمد الله أسرتي موجودة معي بشكل أو آخر طیلة الیوم؛ ففیصل ونورة يعملان معي بالشركة، وأم فیصل لاتنقطع عن الاطمئنان علینا طوال الوقت، ونقضي إجازاتنا معاً سواء داخل المملكة أو خارجها، لذلك لا أجد ضرورة لتخصیص يوم معیّن للأسرة.
(10) ولكن ھل خططت لتكون عائلتك صغیرة بولد وبنت ؟
لا، أبداً. فالأولاد كالرزق والصحة وسائر نعم الله، كلھا مقدرة ومكتوبة، ولكن قناعتي الشخصیة ھي أن أسرة صغیرة تتیح للمرء فرصة أكبر للإشراف والمتابعة والتوجیه وسائر مسؤولیات رب الأسرة، فتعليم الأولاد مثلاً ھو في تصوري مشروع يستوجب التخطیط المدروس والمتابعة الجادة والمستمرة. وھذا لا يتاح بسھولة إذا كان لديك خمسة أبناء أو سبعة مثلاً، إلا فيما ندر.
(11) ھل شاركتھما في اختیار تخصصاتھما؟
لا، ولكن اشترطت علیھما أنھما ماداما يملكان القدرة على الإبداع ومادمنا أنا وأمھما لا ندخر وسعاً في توفیر متطلباتھما وإتاحة البیئة الدراسیة الجیدة لھما، فإن علیھما بالمقابل التفوق فیما يختاران، وعلیھما أن يحققا علامات دراسیة ممتازة، وھذا ما حدث ولله الحمد.
(12) سمعت أن علاقتك بالمطبخ ليست على مايرام؟
لاقتي بالمطبخ لا تتسم بالود حتى وقت العزوبیة. وإذا لم يكن لي مفرّ من دخول المطبخ وإطعام نفسي، فأنا أجید أكل البیض وأسلقه بطريقة ممیّزة واحترافیة فعلاً (يضحك).
(13) اين تقیم بشكل دائم ؟
أعیش وأعمل في جدة، ولكني أحنّ إلى مدينة الخبر بالمنطقة الشرقیة، حیث نشأت ولي فیھا بیت وأنتھز أي فرصة تسنح لزيارتھا.
(14) هل للفشل مكان في حیاتك؟
الفشل ھو أن تستسلم للسقوط وتترك نفسك دفیناً في حفرة الیأس، أما العثرات والمشكلات والصعاب، والتقدم مرة والتأخر أخرى، فھي كضربات المطرقة التي تمھّد طريقا تتقدم فیه. وجمیل بیت الشعر الذي لا أعرف قائله "أعلّل النفس بالآمال أرقبُھا / ما أضیق العیشَ لولا فسحةُ الأمل".
فالنجاح أمل ثم أرق وعرق وقبل ذلك توفیق من الله، والقول إن النجاح والفشل حظ فقط، فھذا ما يقوله الفاشلون، أما قانون النجاح فھو أن يكون لديك تصلب في إرادتك، وقانون الفشل أن يكون التصلب في عقلك.
عالم التجارة
(15) ھل سبق أن عملت في القطاع الحكومي؟ وكيف دخلت عالم التجارة؟
حیاتي كلھا اعمال مستقلة ولم اعمل قط في أي وظیفة حكومیة. ومع نهاية طفرة النفط الأولى في السبعينات انتقلت إلى جدة، لأن لي فیھا زملاء من أيام الجامعة. وفي البداية لم تكن لديّ فكرة واضحة عن نوع النشاط الذي أريد ممارسته، ثم بمشاركة مجموعة من الأصدقاء أنشأنا شركة عام ١٩٧٩ أسمیناھا NESMA وھي الحروف الأولى لاسم الشركة بالإنجلیزية "الشركة الوطنیة للخدمات الھندسیة والتسويق".
وقد حشدنا في عقد تأسیس الشركة التي لم تولد بعد، كل ما خطر في بالنا من أنواع النشاط، رغم التحديات الكبیرة التي كانت تواجه الاستثمار الوطني في ذاك الوقت، المتمثلة في سيطرة الشركات الأجنبیة على الاقتصاد واحتكارها للخبرة ولمقدرات السوق، وحيث لايوجد مجال للشركات المحلیة إلا العمل كمظلة صورية للشركات الأجنبية التي تخصّصت في مجالات التشغيل والصيانة الحكومية، وهي مجالات لاخبرة للشركات السعودية بھا في ذلك الوقت المبكر.
(16) في بداية مسیرتك في مجال الأعمال، من قدم لك دعماً أو مساعدة؟
كل إنسان يحتاج للدعم والمساندة بصورة ما، حتى لو كان منحدراً من عائلة ثرية؛ فهناك الدعم بالرأي والتشجيع والنصح والمشورة. ولقد ساعدني كثير من التجار وغير التجار، ولكنني لا أنسى أبداً مساندة أخي خالد والشیخ عبد القادر الفضل اللذين كان لهما الفضل بعد الله تعالى في تجاوز الصعوبات والعثرات التي صادفتني في مستھل حیاتي العملیة والتجارية.
ولئن كان عرفاني الدائم بجمیل أخي خالد، ھو أمر مفھوم بحكم الإخوة والرحم، الا انني أنتھز ھذه الفرصة لأجدد عرفاني للشیخ عبد القادر الفضل يرحمه الله الذي كان بمنزلة الأب الروحي لكثیر من رجال الأعمال، وأنا واحد منھم وكان خبیراً عارفاً بمعادن الرجال وكانت الحماسة والثقة التي يبثھا فینا آنذاك، كفیلة بتعويض النقص في خبراتنا.
(17) ما المشروع الذي غیّر مجرى حیاتك؟
بتوفيق من الله شاركت "نسما" في مشاريع كانت تعدّ في أواخر الثمانینات مشاريع رائدة وذات أثر كبير اجتماعياً واقتصادياً، وبداية لدخول الشركات الوطنية في مشروعات حسّاسة وعملاقة مثل مشروع تشغیل الھاتف السعودي الذي دخلنا في منافسة تشغیله بالاشتراك مع شركة "تیلیكوم أسترالیا"، وكان تحدياً كبيراً لنا وتحدياً لوزارة البرق والبريد والھاتف، كونھا تتعامل مع مقاول جديد في شبكة مهمة للغاية.
والحمد الله نجحنا وأحدث المشروع ضجة كبیرة وذاع صیته على مستوي الخلیج كله، وانتقلنا من شركة عادية إلى شركة كبرى لھا قیمة واعتبار، وهذه فرصة جيدة لذكر مساندة وتشجيع معالي وزير البرق والهاتف الأسبق الدكتور علوي درويش كيّال الذي ساندنا كشركة وطنية للوصول لمستوى من الإنجاز لم تسبقنا إليه أي شركة.
وفي أوائل التسعینات حصلنا على مشروع درع السلام لتقديم خدمات المساندة للشركات الأمريكیة بالرياض التي تتعامل مع وزارة الدفاع السعودية، وكان واحداً من أھم المشروعات بالمملكة وأكبرها، نظراً لتعقیده وصعوبته، ولكنه أسھم فعلیاً في إرساء قدم وسمعة "نسما" شركةَ تتخصص في المشاريع المعقدة فنیاً، وعلى عكس مشروع الھاتف السعودي، لم يكن معنا في مشروع درع السلام شريك أجنبي، ولكننا والحمد لله نجحنا نجاحاً باھراً.
(١٩) بوصفك رجل أعمال ورئيساً سابقاً لغرفة جدة، كيف ترى الأوضاع الاقتصاديه حالياً في المملكة؟
المملكة بلد غنيّ ورقم مھم في معادلة النمو الاقتصادي العالمي واحتیاطیھا من العملات الأجنبیة يتجاوز 500 ملیار دولار، ولیس علیھا ديون خارجیة وھو أمر نادر حتى بین الدول الغنیة والمتقدمة، وواحدة من أفضل عشرين بیئة استثمارية في العالم.
فوضعنا الاقتصادي ممیّز، والحمد لله ولكن الأھم ھو أن القیادة في المملكة تبذل غاية جهدها في تحويل ثروة النفط من مجرد منتج خام إلى رأس مال حقیقي وبنیة تحتیة تتزايد قیمتھا سنة بعد أخرى بمعدلات أسرع وأعلى من الارتفاع في قیمة أسعار النفط وفوائضه.
هذا التحويل للثروة من مادة خام إلى رأس مال اجتماعي يسھم في تحقیق تنمیة شاملة تركز على تنمیة الإمكانیات والبنى التحتية من طرق وقطارات ومطارات وموانئ وتنمیة الإمكانات البشرية، من خلال التعلیم والتدريب والتطوير فسر التنمیة الأزلي كان ولا يزال ھو الإنسان.
(20) وماذا عن جدة التي ھي مدينتك ومحل سكناك وعملك، وترأست ذات يوم غرفتھا التجارية؟
اسمح لي أن أطیل قلیلاً في ھذة النقطة، فالحديث عن جدة ذو شجون.لاشك أن جدة تشھد طفرة هائلة وغير مسبوقة في تطوير المرافق، والبنیة التحتیة ومشاريع الطرق والجسور والسدود وتطوير الكورنیش. وأعتقد انه تم تخصيص مايزيد على خمسین ملیار ريال لتطوير مجمل البنيه التحتیة للمحافظة. وهذا لا يشمل المطار الجديد أو مشاريع السدود أو القطارات.
ولكنّي غیر راض البتة عن آلیة تقديم الخدمات الفوقیة والمرافق الحضرية وطريقتها. فمن لحظة خروجك من باب بیتك تصدمك مشاھد القذارة والفوضى في كل أنحاء المدينة، من حیث المباني التجارية والسكنیة والعمارات والفلل التي لا تحمل مضموناً حضارياً أو ثقافياً ولا هوية محددة.
ناهيك عن العشوائيات والحواري التي تقام تحت سمع الجميع وبصرهم، وبترخیص أو بدون ترخيص. وخدمات المیاه والكھرباء والھاتف تعاني من تضارب رھیب، وشوارع تسفلت الیوم لیجري حفرھا مرات بعد ذلك، عمارات "كالخوازيق" لا يوجد فيها أي قدر من الذوق وتنتھك خصوصیتك التي نسرف في الحديث عنھا إذا اقتحم أحدھم بنظره أھلك في السیارة، ثم ننسى ھذه الخصوصیة عندما تنتھك مئات العیون خصوصیتك من هذه البنايات وأنت داخل بیتك، لأن هذه المباني ترتفع فوق منزلك.
وللأسف فإنه رغم الملیارات التي تخصّصھا الدولة للبنیة التحتیة، فإن فوضى البنیة الفوقیة تفسد أي جھد وأموال تنفقھا الدولة. اشعر وكأن المقاولين الذين يعملون في جدة لديهم الرغبة في معاقبة سكانها وإهانتهم.. أقول ھذا الكلام وأنا أعلم أن المسؤولين في الأمانة والبلديات وغيرها يواجهون تراكمات وصعوبات ومشكلات سابقة كثيرة، ولكني ككل مواطن جداوي أتمنى أن تصبح جدة منارة للعلم والمعرفة ومركزاً تزدھر فیه الآداب والفنون ومحافظة على ھويتھا الحضارية والمعمارية الإسلامیة المتمیّزة.
الجانب الاجتماعي والعام
(21) لك حضور كبیر واهتمام في الجانب الاجتماعي، كیف ومتى بدأ ؟
بدايتي في العمل الاجتماعي والتطوعي والعام كانت مع جمعية البر منذ نحو 16 عاماً، عندما دعاني حسن جمجوم للمشاركة في نشاط الجمعیة وتطورت الدعوة للمشاركة في الادارة والترشح لرئاسة مجلس إدارتھا. وقد شجعني على ذلك أخواي خالد وعبد العزيز والامير عبد العزيز بن احمد ووعدوني بالدعم المادي والمعنوي.
وأذكر ان الامير عبد العزيز بن احمد كان أول من أرسل لي تبرعاً بعد انتخابي لرئاسة مجلس الادارة. علماً بأن دعمهم استمر حتى عندما انتقلت إلى الغرفة التجارية. ثم تواصل الإنخراط في العمل العام باختیاري لمجلس منطقة مكة المكرمة واختیار الأمیر عبد المجید (يرحمه الله) لي لرئاسة لجنة التنمیة الاجتماعیة ومجلس تنسیق العمل الخیري بمنطقة مكة المكرمة، ولقد وجدت في نفسي میلاً للعمل الاجتماعي لأنه فعلاً يشعرك أنك تعمل في بیئة تتنزّه عن الغرض الشخصي؛ لا مصالح ولا أطماع شخصیة لدى أحد إلا فیما ندر.
واذكر هنا كلمات الأخ والصديق الأستاذ مازن بترجي زميلي في جمعية البرّ ولجنة التنمية الاجتماعية، حيث كان يقول إنه يشعر بحصوله على الأجر من العمل الاجتماعي والخيري أولاً بأول، وبالفعل كان عمله مميّزاً لحرصه على جمع أكبر قدر من الحسنات ولا أزكيه في ذلك على الله.
(22) كونك خبیراً اجتماعياً مارست العمل الاجتماعي لسنوات، كیف ترى الوضع الاجتماعي في السعودية ؟
لا أعدّ نفسي خبیراً، فھذا يستوجب الدراسة المنظمة والمتابعة المستمرة والتحلیل المتواصل للظواھر الاجتماعیة والتفرغ لھا، ولكن اود ان أتطرق لملاحظتین عن العمل الخیري في المملكة، الأولى: أنه لم يتجاوز بعد مرحلة المساعدات الآنیة المؤقتة التي تستھلك الموارد في مشاريع تقلیدية موسمیة لیس لھا مردود طويل الأمد، ينقل الفقراء إلى حالة الكفاية.
فرغم ضخامة موارد العمل الخیري ورغم تخصیص الدولة 24 ملیار ريال للمساعدات الاجتماعیة، فإن الفقر ما زال موجوداً بسبب ضعف الأھداف وضعف التنظیم والقصور في استخدام الموارد. الثانیة: ھي تأخر الجمعیات في استحداث أسالیب مبتكرة لتنمیة مواردھا الماليه تتجاوز التبرعات المؤقتة وافتقارها للخبرة المالیة والادارية والكفاءة اللازمة لتحقیق إيرادات منتظمة وكافیة تضمن للعمل الخیري زخمه واستمراره.
(23) بمناسبة توظیف الاستثمار لمصلحة العمل الاجتماعي، ھل أثرت قضیة شركة "صدق" مع جمعیة البرّ في تلك القناعة، أعني إمكانیة استفادة العمل الخیري من الاستثمار الخاص؟
بالعكس، تلك القضیة زادتني إيماناً بصحة ھذا التوجه، وھو ضرورة إفساح المجال للقطاع الخیري للمشاركة في المكاسب التي يحققھا القطاع الخاص لكي يحقق موارد كبیرة ومستمرة وغیر معرضة للتقلب وحتى يستطیع العمل الخیري أن يستمر على أسس واضحة لا على موارد متقلبة تربك عمل الجمعیات وتربك الشرائح الفقیرة وتمنع أصلاً إمكانیة تخطیط برامج العمل الخیري.
كما أن تلك القضیة وحملات التجريح والافتراء التي صاحبتھا أفادت العمل الخیري والقائمین علیه من حیث لاتقصد.، فقد تعززت صدقیته بعد أن أيّد القضاء الحكم لمصلحة الجمعیة مرتین واقتنع الناس بأھمیة دخول القطاع الخیري في استثمارات مربحة، وحققت الجمعیة مكاسب بأكثر من 32 ملیون ريال، باستثمار قیمته 8 ملایين ريال فقط، وزادت سمعتھا وثقة الناس بھا.
وھذه فرصة جیدة لأن أشكر الأخ والصديق الدكتور عبد الرحمن الزامل رئیس غرفة الرياض، لأنه أول من لفت انتباھي إلى أھمیة ھذه القضیة، وفتح عیني على ضرورة مشاركة القطاع الخیري في فرص الاستثمار الواعدة، بضمانة القطاع الخاص، وأتوجه بالشكر أيضاً للأستاذين محمد الفضل وسعود السلیمان، فھما من سھّلا عملیة التمويل مع بنك الجزيرة الذي قبل مشكوراً ضمانات من الجمعیة أيسر من الضمانات التي يشترطھا عادة إكراماً للعمل الخیري.
(24) صالح علي التركي، الرجل الإنسان، القريب من الايتام والقريب من المعنفین، يرى بعض الناس انه شخص قاس لم يؤثر فیه قربه من ھذه الفئات؟
لا أريد أن يستغرقني الرد على اتهام القسوة بشكل شخصي، فالحمد لله لا أرى نفسي كذلك، وإنما يهمني أن أضع هذا الاتهام في إطار قضيتين مهمتين جداً اقتصادياً واجتماعياً يراهما البعض قسوة، الأولى: أن يتناسب الأجر مع الإنتاجية وأن يكون مقابلاً عادلاً لما يؤديه الموظف من عمل على أفضل وجه.
أما أن يفترض أو يشترط بعض الناس أن يكون الأجر على مستوى الأطماع أوالمطالب، فإن أموال أي شركة قد لاتكفي لدفع أجور بضعة موظفين.
قناعتي ببساطة هي أن من يرى أن أجره لايناسبه ولا يكفي احتياجات أسرته، فعليه أن یبحث لنفسه عن وظيفة أخرى تناسب كفاءاته أو أن يطور من قدراته ومن إنتاجيته، وأن يوسّع فرص العمل لأسرته، كلما وجد إلى ذلك سبيلاً بما في ذلك المرأة بدلاً من أن تقع مهمة إعالة كل الأسرة على كاهل شخص واحد.
وأتذكر الآن المرة الأولى التي اتهمني فيها البعض بالقسوة وأنني قاطع أرزاق، وقد كان ذلك في بداية رئاستي لجمعية البر، وظهر لي أن هناك أكثر من 40 سيدة وفتاة يتقاضين راتباً ليس لأن العمل بحاجة فعلية إليهن، ولكن ستاراً أو مسمى آخر للإعانة التي يأخذنها من الجمعية.
هذا لفّ ودوران يحوّل الشركات والمؤسسات والجمعيات إلى مستودعات للتوظيف الشكلي لأفراد غير مؤهلين وغير أكفاء، لمجرد إعطاء انطباع بالتشغيل والتوظيف، وهو دعوة صريحة لبطالة مقنعة وإهدار لموارد المجتمع.
القضية الثانية: أن الهدف النهائي للعمل الاجتماعي هو العمل على نقل الفقراء والمجتاجين من حالة العوز إلى حالة الكفاية والاعتماد على الذات، ولذلك كنت أدعو دائماً إلى إعادة النظر في استمرار الدعم والإعانة التي تقدمھا الجمعیات للأسر الفقیرة لأجل غیر مسمّى، لأن في ذلك توريثاً للفقر ومكافأة على البطالة وحرمان أسر أخرى من إعانة تستحقھا، ولذلك طبقنا في جمعیة البر نظاماً بمقتضاه لايمنح رب الأسرة إعانة إلا لأربع سنوات وھي مدة كافیة لتدريب واحد أو أكثر من أفراد الأسرة لیصبحوا قادرين على إعالتھا.
كما أن قناعتي الشخصية هي أن مساعدات الجمعیات الخیرية السعودية يجب أن تذھب للفقراء السعوديین إلا باستثناءات مدروسة، فلیس واجباً علینا أن نتحول إلى ملجأ عالمي للفقراء، ومن ھنا نشطت في مجال مكافحة التسول والتستر التي رآھا البعض قسوة، وأراھا أنا محاربة للاتجار في البشر بالمعنى الحرفي للكلمة.
(28) البعض يصفك بالديكتاتورية في إدارتك للعمل العام، كالغرفة التجارية مثلاً وأنك لاتسمع الا صوتك؟
بعض الناس عندما يشاركون في العمل العام لايفرقون بين نوعين من القرارات، الأول هو قرارات تشغيلية وروتينية من اختصاص الجھاز التنفیذي بمقتضى الصلاحیة التي أعطاھا له القانون، وهي قرارات ليست محلاً للمناقشة والتصويت وإلا توقفت عجلة العمل وتعطلت المصالح.
النوع الثاني هو الذي يحتاج لمناقشة وتصويت، وهي قرارات على أنواع منها مايشترط الإجماع ومنها مايحتاج لأغلبية كبيرة كالثلثين مثلاً، ومنها ما يحتاج لمجرد الأغلبية ولو بسيطة.
مشكلة البعض أنهم لا يؤمنون بتلك الآلية إما جهلاً أو عمداً، وعندما يأتي القرار على غير رغبتهم، يتصورون أن في ذلك إهداراً لرأيهم، ويتناسون أن آلية التصويت هي التي رجّحت رأياً على رأي.
وإذا راجعت كل القرارات التي اتخذت أثناء رئاستي للغرفة أو جمعية البرّ أو غيرها، فستجد أنه لم يتخذ أي قرار دون موافقة الأغلبیة.
هناك أيضاً من يتصور أن الوقوف في منتصف المسافة بين القرارات هو سياسة آمنة، ولذلك تجدهم يتسترون بالتحفظ الذي هو في رأيي ستار يخفي أغراضاً ونيّات ومصالح شخصیة، فإن كانت نتیجة القرار جیدة، قال "المتحفظ" إنما كنت معكم، وإن كانت نتیجة القرار على غیر ھواه، قال ألم أقل لكم؟ ألم أتحفظ؟ ھذا موقف مائع ويخفي وراءه مصالح ذاتیة وإلباس المصلحة الخاصة رداء المصلحة العامة.
(29) مادمنا نتحدث عن فترة رئاستك لغرفة جدة، ھل انت راض عن ادائها حالیاً؟
لو كان لي أن أقول وجھة نظري بصراحة، فإن الوجه الإيجابي في الغرفة الآن ھو أن الغرفة استطاعت استقطاب شخصية في حجم الشيخ صالح كامل وقامته؛ رئیس فريد له ثقل اقتصادي واجتماعي وعلاقات قوية واسعة وذو رؤية، وصاحب أياد بيضاء على الغرفة مادياً ومعنوياً، حتى قبل أن يرأسھا سواء برعايته المباشرة أو من خلال ابنیه عبد الله ومحيي الدين، ولا أنسى دعمه المادي والمعنوي لي أثناء فترة رئاستي للغرفة.
ولكن في مقابل ھذه الرئاسة الفريدة لا أجد أي دور لأعضاء مجلس الإدارة، حیث لاشغل لبعضھم إلا توجيه انتقادات للمجالس السابقة دون أن يقدموا أي إنجاز أو مبادرة. وربما كانت الحسنة الوحيدة في الأداء الحالي للغرفة، هي استمرارها في تطبيق المشاريع والمبادرات التي وضعها المجلس السابق.
(30) كنت - ومازالت - متھماً بانك احد دعاة التغريب والسفور وإشاعة الفساد في جدة من خلال دعم المراة، فبماذا ترد؟
إذا كان دعم عمل المرأة ھو إشاعة للفساد، كان القرار الوزاري رقم 120 الذي ينص على دعم عمل المرأة ومنحھا فرصاً متساوية مع الرجل قراراً فاسداً، ولكانت استجابة وزارة العمل لهذا القرار، وسعيها لخفض نسبة بطالة النساء فساداً، ولكان المرسوم الملكي الذي يخصص 20% من مقاعد مجلس الشوري فساداً، ولكان ابتعاث البنات للتعليم تغريباً وسفوراً.
الحقیقة ھناك تناقض عجیب في بعض مواقفنا، حیث نقبل مثلاً أن تكون المرأة في سیارة مع سائق أجنبي بعید عن أسرته، وله ظروف إنسانیة ضاغطة ثم نعترض على وجود المرأة في اجتماع مجلس إدارة أو منتدى أو لجنة ووسط جمع محترم من السیدات والرجال، هذا تناقض غريب.
وأرجو أن نعي دلالة أن 85% من طالبي دعم برنامج حافز هنّ من النساء الأمر الذي يؤكد حاجتهن لمبلغ الإعانة لتدبير شؤونهن وشؤون أسرهن، وهذه الحاجة لا يلبيها اتهام التغريب والسفور وإبقاء المرأة بلا عمل، وإنما يلبّيها دعم حق المرأة في العمل وتوفير فرص وبيئة عمل مناسبة، هذا ماتعلمته وفهمته وهضمته من ثقافة مجتمعي وتلك هي قناعي بقضية عمل المرأة.
(31) تردد كثیراً انك ستكون وزيراً، إما للعمل او للشؤون الاجتماعیة، وكان اسمك حاضراً عند اعفاء أي وزير؟
ھذا الكلام يسعدني، ولكن لم يحدث أن اتصل بي أحد بخصوص أي منصب رسمي.
(33) ما الامر الذي انجزته وتعتقد انك حققت به نجاحك وطموحك؟
أنا لا أرى أمراً واحداً يستطیع الإنسان بعده أن يقول لقد حققت كامل نجاحي وطموحي، الأقرب إلى الصواب ھو حساب مجمل ما قدمه الإنسان ونتیجتة التراكمیة.
النجاح أن تبذل جھداً أكثر من اللازم، ثم تمضي في ذلك وأن تصنع شیئاً له وزن ولا يتوقف من حین إلى حین، وأن تعمل بالنصائح التي تدعو الناس إلیھا.
والرجل الناجح ھو الذي يتحمل الأعباء واللوم، ولكنه يوزع المديح على الذين يعملون معه، والناجح ھو الذي يعمل فوق وتحت وفي كل مكان وفرصة تتاح، فالشخص الوحید الذي يعمل في القمة ھو الخلّاق.
والنجاح أن يحبك الناس عندما تغادر منصبك، كما يحبونك عندما تتسلمه.
وكما قلت لك لايوجد أمر واحد يزعم الإنسان أنه حقق به كامل طموحه وإلا انتھى، فالكفاح يدفعك إلى أعلى، والصبر والطموح الدائم يجعلك تبقى ھناك طويلاً، والطموح لیس أمراً واحداً ولا يوماً ولا سنة، وإنما ھو نتیجة عمل يتراكم على مساحة العمر، وبھذا المعنى أعتقد أن الله أكرمني بنعم لاحصر لھا، وبمحطات كثیرة من النجاح والتوفیق، ھي حصیلة عمر قضیته في العمل الخاص والعام والاجتماعي.