من طعن الذوق العام؟
سلمان الدوسري
تصدّر المجلس وسرق الكلام، كلّ الكلام، وجّه انتقاداته إلى كل اتجاه. إنها المحاضرة المعتادة: ماهذه القيادة المرورية التي لا تحترم صغيراً أو كبيراً؟ متى نتعلّم الوقوف في الصف شأنُنا شأنُ المجتمعات المتحضّرة؟ الفساد ينخر في مجتمعنا، ولا أحد يتحرك. القنوات الفضائية تبثّ المجون والفسق. ثم ما لبث أن رفع صوته أكثر، جذباً للاهتمام: لن نتقدم ما بقينا ندور في العجلة نفسها. وما إن غادر المجلس حتى دلف الشارع من اليمين، منعطفاً على الواقفين يساراً. دخل المسجد ورمى بحذائه أمام الباب، ولم يضعه في المكان الصحيح. وصل إلى منزله وشاهد كلّ القنوات التي كان ينتقدها ويشتمها. لم يقل له أحد إن الذوق العام لا يتجزّأ. لا يمكن أن تكون محترماً في حياتك الخاصة وعدوانياً مع الآخرين.
المجتمعات المتحضّرة التي تقدّمت لم تصل إلى ما وصلت إليه، إلّا بعد وصول شعوبها إلى قناعة أن الخطوة الأولى والثانية والعاشرة، تبدأ من الفرد ذاته، لا تنتظر من الآخرين أن يفعلوا الصواب، بينما أنت لا تقوم به. لا تنتظر ممّن هم حولك أن يصنعوا مجتمعاً مثالياً وأنت تتفرّج وتخالف. في نهاية الأمر، حتى تكتمل الصورة، لا بدّ أن تكون جزءاً منها. الذوق العام هو من يرتقي بالمجتمعات، وهو من يميّزها عن غيرها، وهو الأساس الذي تتحضّر به الأمم.
التناقضات هي من تهدّ المجتمعات. تقدّم المجتمع أو تأخّره مسؤولية أفراده جميعاً. عائق تقدم المجتمعات هو إلقاء كل فرد بالمسؤولية على الآخرين. ينتظر أن يصحو من نومه فجأة، فيجد مجتمعه أصبح مثالياً ؛ السائقون يقودون كما يفعل نظراؤهم في بريطانيا. الناس تبتسم إلى من تعرفه ومن لا تعرفه. مايقوله الناس في مجالسهم يفعلونه في حياتهم العامة. لن يحدث هذا حتى بعد مئات السنين. لن يتقدّم المجتمع خطوة، وكلّ يظن أن هذا مسؤولية جميع من حوله باستثنائه هو.
كم من أولئك المنظّرين والمنتقدين والراغبين في مجتمع مثاليّ، لا يمارس أقلّ القليل ممّا يدعو إليه. كم منهم يطعن الذوق العام عشرات المرات، كلّ يوم أمام أبنائه وأسرته. فهل نتوقع أن ينشأ هؤلاء الأبناء على تصرّفات عامة مثالية، أم أنهم يستمرون في تناقضات أورثها الوالد حفظه الله؟ مثلاً الذوق العام لا يسمح لك بالتحديق في وجوه الناس جميعاً، رجالاً ونساءً، بينما تستهجن التصرّف نفسه، إذا وجّه إليك. الذوق العام لا يعني أن تعبس في وجوه الناس، ثم تنتظر أن يبتسموا في وجهك. الذوق العام تخدشه أشدّ الخدش، وأنت ترمي بنقودك عندما تشتري، ولا تكلف نفسك تسليمها للبائع بيده. هؤلاء يعرفون الصواب من الخطأ، ومع ذلك يقترفون الخطأ طواعية ، فلا ينفع معهم قانون ولا غيره.. ببساطة لديهم خلل عميق في الذوق العام.
من المستحيل أن يرتقي بالذوق العام، وهو يريده مفصّلاً على مزاجه، يطبّق على الناس جميعاً ويتوقف عند حدوده، كل الخطورة إذا اعتادت المجتمعات على خدش الذوق العام، فإنها مع مرور الوقت تعدّ ذلك جزءاً من حقوقها لا يستدعي التغيير!