حمدان بن زايد رجل اكبر من عمره
حمدان بن زايد
حمدان بن زايد، عندما تبدا بتقليب صفحات الحياة الشخصية للشيخ حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الامارات العربية المتحدة، يشعر المرء انه امام نسخة مماثلة من حياة وشخصية والده الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مع اختلاف بعض التفاصيل التي اقتضاها تغير الظروف وتبدل الأحوال.
ولد الشيخ حمدان في ابوظبي عام 1962. وهو الابن الرابع للشيخ زايد، الذي رزقه الله بتسعة عشر ابناً من الذكور، عدا البنات.
تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس أبوظبي، والتحق بعد ذلك بجامعة الامارات، حيث درس في كلية العلوم الاقتصادية والادارية، وتخرج عام 1984 في قسم العلوم السياسية.
وتشكل السيرة التعليمية للشيخ حمدان محطة تستحق التوقف، إذ إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي عاشها الشيخ حمدان، كانت مواتية للالتحاق بمدارس خاصة خارج الدولة، كما هي الحال بالنسبة لكثير من المسؤولين في دول العالم.
الا ان الواضح ان انخراط الشيخ حمدان، ومن قبله ومن بعده اخوانه الاخرون في مدارس الدولة العادية، كان يهدف الى ربط ابناء الشيخ زايد بمجتمعهم وبيئتهم المحلية، وتهيئتهم للدور الذي ينتظرهم في المستقبل.
وحتى المرحلة الجامعية التي اعتاد الناس ان يرسلوا أبناءهم إلى الخارج لاستكمالها، كان ابناء الشيخ زايد يفضلون استكمالها داخل الدولة، وهو امر عزز انتماءهم إلى مجتمعهم ووطنهم، واعطى لمؤسسات التعليم الاماراتية قيمة معنوية كبيرة، جعلتها تحاكي مؤسسات التعليم العالمية العريقة.
دور منتظر
كان اختيار الشيخ حمدان لدراسة العلوم السياسية، مدروساً، وكان واضحاً، ان دراسته الجامعية تخدم الدور الذي كان ينتظره في الحياة العملية التي بدأها فور تخرجه في الجامعة عام 1984. وكعادة الشيخ زايد مع أبنائه، فقد كانت الرياضة اولى محطات الحياة العملية للشيخ حمدان، حيث تولى رئاسة اتحاد كرة القدم منذ ابريل/ نيسان 1984.
واختيار الرياضة استهلالاً للحياة العملية كان اختياراً واعياً، فإنها الى جانب كونها وسيلة يمكن من خلالها امتصاص طاقة الشباب، هي وسيلة احتكاك ميدانية لجيل الشباب بكل ما يمثله من طموح وتطلع إلى المستقبل. ولذلك كان لإخوة الشيخ حمدان، الأكبر والأصغر الاهتمامات والادوار نفسها في الحياة الرياضية والاماراتية.
فالشيخ سلطان، نائب رئيس الوزراء، حالياً، والشقيق الأكبر الثاني للشيخ حمدان، كان هو الآخر رئيساً لاتحاد الكرة، قبل ان يصبح قائداً عاماً للقوات المسلحة. وهذه الحال تنطبق على الشيخ محمد، الشقيق الثالث، الذي يرأس هيئة أركان القوات المسلحة، وينطبق على اشقائه الاصغر سناً، ومنهم الشيخ هزاع الذي يتولى مسؤوليات امنية، الى جانب رئاسته لنوادي الفروسية، وكذلك الحال بالنسبة للشيوخ سعيد وسيف وعبدالله ونهيان ومنصور.
ويبدو ان اهتمام الشيخ حمدان بالرياضة، نابع من فلسفة تربوية سار عليها الشيخ زايد في تربية ابنائه، الا ان الشيخ حمدان اعطى لهذا الاهتمام بعداً شخصياً من خلال عطائه للحركة الرياضية طوال المدة التي ترأس فيها اتحاد الكرة، وتوّجت بوصول منتخب الامارات إلى نهائيات كأس العالم في ايطاليا عام 1990.
وكان من المنتظر ان يكون الانجاز الكبير الذي حققته كرة القدم، خلال رئاسة الشيخ حمدان لاتحادها سبباً لانصرافه كلياً نحو الحركة الرياضية، والتخلي عن طموحه السياسي الذي كان قد بدأ عام 1986 بتسلمه منصب وكيل وزارة الخارجية، وهو المنصب الذي شغله الى جانب عمله في اتحاد الكرة.
لكن الشيخ حمدان ظل مثابراً في الاتجاهين، حيث استمر في رعايته للحركة الرياضية، فيما بدأ مسيرة حياته الدبلوماسية التي تُوّجت بتوليه حقيبة وزارة الدولة للشؤون الخارجية في الحكومة الحالية التي شكلت عام 1990.
وكان من المتوقع ان يكون دخوله الوزارة في ذلك العام، نهاية لدوره الرسمي مع كرة الامارات، حيث قدم بالفعل استقالته من اتحاد الكرة، الا ان صعود الامارات إلى نهائيات كأس العالم في ايطاليا في ذلك العام، والحاجة الى تثبيت هذا الانجاز الرياضي الكبير، وعدم التسبب في اي هزة معنوية للفريق، جعلته يستمر في مسؤوليته الرياضية الى جانب الحقيبة الوزارية، حتى عام 1993، عندما تخلى عن رئاسة اتحاد الكرة لشقيقه عبدالله الذي قال في اول تعليق له بعد تسلّمه المنصب "تظلمونني إن قارنتموني بالشيخ حمدان".
مرحلة الديبلوماسية
ورغم التداخل الذي ظل قائماً بين دور الشيخ حمدان الرياضي، ومسؤولياته الديبلوماسية، فإن الواضح ان مرحلة الكرة كانت مرحلة مؤقتة لها اسبابها وظروفها ومعطياتها؛ ذلك ان تفرغ الشيخ حمدان للعمل الديبلوماسي والسياسي اظهر ان الرجل كان حتى في اثناء انشغاله بالحركة الرياضية يعدّ نفسه لدوره الرئيسي في الحياة السياسية الاماراتية.
ظهر ذلك واضحاً في إدارته لملفّ الجزر الاماراتية الثلاث طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى، وهو الملف الذي تولاه بالمتابعة من الالف الى الياء، وأصبح الآن احدى اهم قضايا السياسة الخارجية للامارات.
وقد استطاع الشيخ حمدان، خلال المدة القصيرة التي مضت على انخراطه المباشر في العمل الديبلوماسي والسياسي، تكوين رصيد من الخبرات والصداقات الداخلية والخارجية، جعلته اسماً معروفاً في كثير من المؤتمرات الاقليمية والعربية والدولية.
ورغم الابهار الذي يحيط بالعمل السياسي، فإن الشيخ حمدان كان بعيداً عن الاستعراض في عمله السياسي.
فحتى قضية الجزر التي يعلم الجميع انه الرجل الاول الذي يتابعها ميدانياً، لم يرَها، رغم ذلك، وسيلة لاستقطاب الاضواء.
ولا يعني ذلك ان علاقة الشيخ حمدان بالاعلام علاقة باردة، فالوسط الاعلامي المحلي والعربي يشعر برابطة قوية تجمعه بالشيخ حمدان. وهذا الشعور يرجع الى انفتاحه وعلاقاته المتعددة مع الاعلاميين، والى كمّ المعلومات المتوافرة لديه من مصادر مختلفة، ومن متابعاته المتعددة لكل ما ينشر باللغتين العربية والانجليزية اولاً بأول.
بعيدا عن السياسة
ويقول الذين يعايشون الشيخ حمدان عن قرب، إنه رجل يبدو، رغم حداثة سنه، قد عركته التجارب. فردة فعله هادئة وقدرته على التحليل المتأنّي تشعر المستمع بأنه يتحدث الى رجل اكبر من عمره الحقيقي.
ويقول هؤلاء انه يسمع اكثر ممّا يتكلم. وهو واضح في التعبير عن افكاره ومرتب في عرضها. وهذه الجدية التي يمكن ان يشعر بها من يجالس الشيخ حمدان، لا تحجب روح الالفة التي تميّز مجالسه.
ويقول بعض اصدقائه انه بالرغم من انه لا يعدّ راويا للنكتة، فإنه مستمع جيد لها، ويهتمّ بالنكت التي تحمل معاني عميقة او مدلولات تؤشر لأوضاع اجتماعية وسياسية في الوطن العربي.
وهو من المعجبين بنجم الكوميديا الكويتي عبد الحسين عبد الرضا، وكذلك الفنان المصري عادل إمام.
ويؤكد الاصدقاء ايضاً ان الشيخ حمدان وفيّ بصداقاته، ولأصدقائه الذين يترددون عليه كلما كان الظرف مناسباً.
وبرغم المهام الكثيرة التي يتولاها، وتستغرق يومه وجزءاً كبيراً من ليله، فإن ابرز الادوار التي يقوم بها على الصعيد المحلي، رئاسته لجمعية الهلال الاحمر الاماراتية.
ومع ان دوره في الجمعية هو دور تطوعي، فإن الاهتمام الذي يبديه تجاه انشطة الجمعية ومشروعاتها يجعله يبدو متفرغاً لعمله في الجمعية، فهو موجود على رأس كل مناسبة خيرية تنظمها، وهو مبادر في كثير من مشروعاتها.
وقد استفادت الجمعية من خبرات الشيخ حمدان في الحركة الرياضية، حيث قامت بتنظيم كثير من المسابقات الرياضية لجمع التبرعات.
ويقول الذين يعملون معه في الجمعية انه بالرغم من ان الشيخ زايد بن سلطان يشجع ابناءه على العمل الخيري والتطوعي، فإن الاهتمام الذي يبديه الشيخ حمدان بهذه الاعمال يؤكد انه يعمل بروح من يؤمن بأهمية الرسالة التي تؤديها الجمعية.
مع الطيور
ومن اهتمامات الشيخ حمدان الشخصية أيضاً، البيئة؛ اهتمام ورثه عن والده. ومن ابرز مظاهر ذلك، إنشاؤه محمية للطيور في جزيرة "القرنين" التابعة لأبوظبي، حيث تعدّ الآن ملجأ لملايين الطيور المهاجرة النادرة التي تعبر الجزيرة العربية في مواسم مختلفة.
وقد زوّدت هذه الجزيرة بالمعدات اللازمة للمحافظة على الطيور، كما انتدب لها مجموعة من الخبراء في شؤون الطيور والبيئة.
والى جانب الطيور، يعدّ الشيخ حمدان من ابرز مالكي الابل في المنطقة، وتشترك هذه الابل في السباقات المحلية التي تنظم من حين إلى آخر.
كما ان الشيخ حمدان من ابرز الذين يمارسون هواية الصيد بالصقور، ويكاد يكون سفره للخارج ينحصر في الاماكن التي يمارس فيها هذه الهواية.
وتشمل البلدان التي يزورها باكستان، والمغرب، وموريتانيا، وفي بعض الاحيان المملكة العربية السعودية في مواسم الصيد فيها.
ويعرف عن الشيخ حمدان انه مقل بالسفر، فحتى فصل الصيف الذي يعدّ موسم اجازات وسفر، فانه يفضل قضاءه في ابوظبي، التي يجدها، كما يقول لأصدقائه، أفضل مكان يرتاح فيه.