ليسا وجهين لعملة واحدة.. ما الفرق بين الاحتراق النفسي والاكتئاب؟
إرهاق مستمر، وما عُدت قادرًا على إتقان مهامك في العمل كما كُنت في السابق، ليس لمرضٍ جسدي، لكنك عمومًا تشعر كما لو كُنت مستنزفًا، لستَ بنشاطك وحيويتك المعهودة.
قد يكون ذلك احتراقًا نفسيًّا بسبب ضغوطات العمل، خاصةً لو لم يكُن هناك حدود فاصلة بين العمل وحياتك الشخصية، لكن بعض هذه العلامات دليل أيضًا على الاكتئاب.
وهناك فرق بين الاحتراق النفسي والاكتئاب، فالاكتئاب ليس مرتبطًا بالعمل، بل قد ينجم عن أي شيء، وربّما لا يكون له سبب واضح على الإطلاق، لذا فما الفرق بين كل منهما؟ وكيف تتجاوز عقبة الاكتئاب أو الاحتراق النفسي وتستعيد صحتك النفسية؟
ما هو الاحتراق النفسي؟
"الاحتراق النفسي" هو إرهاق عاطفي ونفسي وجسدي، يحدث نتيجة التعرّض طويل الأمد لما يلي:
- التوتر.
- إرهاق العمل.
- الضغط على نفسك بقوة، دون الاعتناء بها وباحتياجاتك.
والاحتراق النفسي لا يرتبط بضغوطات العمل فقط، بل يمكن أن يُسبِّبه أي جانب من جوانب الحياة، مثل الأبوة أو تغيّرات الحياة، وبغض النظر عن سببه، فإنّه يُؤدِّي إلى تراجُع الإنتاجية في العمل، وضبابية الدماغ وعدم وضوح التفكير، إلى جانب عدم الرضا في مكان العمل.
من الأكثر عُرضةً للاحتراق النفسي؟
توصلت دراسة، نشرت عام 2019 في "المجلة الأوروبية لعلم الغدد الصماء European Journal of Endocrinology"، إلى أنّ أكثر الأفراد عُرضة للإصابة بالاحتراق النفسي هم:
- المعلم.
- الممرض.
- الطبيب.
- الاختصاصي الاجتماعي.
- النخبة من الرياضيين.
- آباء الأطفال الذين يُعانُون مرضًا مزمنًا.
عوامل خطر الإصابة بالاحتراق النفسي
قد يُصِيب الاحتراق النفسي أي شخص، ولكن الأشخاص من أصحاب الوظائف عالية التوتر، أو التي تركّز على العواطف والمشاعر هم الأكثر عُرضةً للإصابة.
كما قد تؤدي قلة الوقت المتوافر للراحة أو إعادة الشحن إلى الاحتراق النفسي، خاصةً عند محاولة التوفيق بين مسؤوليات متعددة في العمل وخارجه.
ومن أهم العوامل التي قد تزيد خطر الإصابة بالاحتراق النفسي:
- العمل كثيرًا دون حدود واضحة بين العمل والحياة الشخصية.
- نقص الدعم في مكان العمل أو المنزل.
- الشعور بأنّك محكوم من قِبل رؤساء العمل.
- عدم وضوح قِيم العمل.
- فقدان مسار أهدافك.
- أن تجد نفسك مدفوعًا في عدة اتجاهات مختلفة.
- أن تكون مهددًا في العمل باستمرار.
- الإحباط من الهيئات الإدارية التي تؤثر في العمل اليومي.
- الإدارة الجُزئية.
كيف تعرف أنّك مُصاب باحتراق نفسي؟
ترتبط أعراض الاحتراق النفسي بالعمل والتجارب المهنية عمومًا، كما قد تزول الأعراض بمجرّد غياب أو انتفاء نفس ظروف العمل التي سبّبت الاحتراق النفسي.
وحسب المراجعة الحادية عشرة للتصنيف الدولي للأمراض "ICD-11"، فإنّ أعراض الاحتراق النفسي تقع في ثلاث فئات:
- انخفاض الطاقة أو الإرهاق.
- التباعد العقلي (خلق مسافة نفسية بينك وبين العمل الذي يسبّب لك ضغوطًا نفسية)، أو السلبية أو السخرية فيما يتعلّق بمهنتك (الشعور بالتعب أو اللامبالاة بشأن ما تفعله).
- انخفاض فاعليتك في العمل.
وقد عرّفت دراسة نشرت عام 2021 في "Psychiatry Research" أعراض الاحتراق النفسي، كالتالي:
- الإرهاق.
- ضعف التركيز والقدرة على اتخاذ القرارات.
- الانسحاب الاجتماعي.
- عدم التعاطف مع الغير.
- تراجُع الأداء في العمل.
كما قد يكون للاحتراق النفسي أعراض إضافية، مثل:
- زيادة القلق.
- عدم النوم جيدًا.
- الصداع.
- اضطرابات الجهاز الهضمي.
اقرأ أيضًا:الاكتئاب وزيادة الوزن.. ما العلاقة بينهما؟ وكيف تتخلص منهما؟
ما هو الاكتئاب؟
أمّا "الاكتئاب"، فهو سوء الحالة المزاجية بصفة طويلة الأمد، إلى جانب الحزن واليأس الذي يعتري الإنسان، كما قد يُعانِي المرء أيضًا انخفاض طاقته، وكثرة الأفكار الذاتية السلبية، ما قد يُسهِم أحيانًا في إيذاء نفسه، وربّما يأتي الأسوأ وهو الانتحار.
وعادةً ما يبرز الاكتئاب في صورة فقدان الاهتمام أو المتعة في الأنشطة التي كانت تُحقِّق للمرء متعة سابقًا، كما قد ينعكس أيضًا على العمل بأن يواجِه المرء صعوبة في أداء عمله لم يعهدها سابقًا.
عوامل خطر الإصابة بالاكتئاب
كذلك قد يُصِيب الاكتئاب أي شخص، لكن قد يكون بعض الناس أكثر عُرضةً له مقارنةً بغيرهم، ومن العوامل التي قد تزيد خطر الإصابة به:
- سبق إصابة أحد أفراد الأُسرة بالاكتئاب.
- تقلّبات الحياة المفاجئة.
- حزن أو خسارة لم يستطع المرء تجاوزها.
- نقلة أو تغيّر كبير في وظيفة العمل.
- الطلاق أو الانفصال.
- تجارب الطفولة السيئة.
كيف تعرف أنّك مُكتئب؟
الاكتئاب ليس حزنًا عابرًا، فليس كل حزينٍ مكتئب بالضرورة، ولكن أعراض الاكتئاب تستمر طوال اليوم تقريبًا، وكل يوم بغض النظر عن الظروف المحيطة، كما ينبغي أن تستمر خمسة من الأعراض لأسبوعين على الأقل كي يُشخّص المرء بالاكتئاب، بما في ذلك المزاج السيئ أو فقدان الشغف أو المتعة، ومنها أيضًا.
- الحالة المزاجية السيئة (الحزن أو الشعور بالفراغ أو اليأس).
- فقد الشغف في الأنشطة التي كانت تُمتِعك سابقًا.
- تغيّرات في الشهية أو الوزن (زيادة أو نقصًا) دون سببٍ واضح.
- كثرة النوم أو قلّته.
- الإرهاق وفقدان الطاقة.
- القلق أو تباطؤ حركة الجسم.
- صعوبة التركيز أو اتخاذ القرارات.
- كثرة التفكير بالانتحار.
كما أنّ هناك أعراض الاكتئاب الجسدية أيضًا، التي قد تشمل:
- آلام الجسم أو المفاصل.
- الصداع.
- اضطرابات هضمية.
الفرق بين الاحتراق النفسي والاكتئاب
الاكتئاب والاحتراق النفسي ليسا وجهين لعملةٍ واحدة، بل هما مختلفان، وتضمّ أبرز نقاط الاختلاف بينهما، حسب "healthline":
1. أبعاد التأثير:
الاحتراق النفسي ليس تشخيصًا طبيًا معروفًا، بل تُعرِّفه المراجعة الحادية عشر للتصنيف الدولي للأمراض "ICD-11"، بأنّه ظاهرة مهنية لا تنطبق على مجالات الحياة الأخرى (غير المهنية أو غير المرتبطة بالعمل).
بينما الاكتئاب، الذي يُعرَف رسميًا بـ"اضطراب الاكتئاب الشديد"، هو اضطراب نفسي له معايير تشخيص مُعيّنة، وغالبًا ما يؤثر في معظم مجالات الحياة، بما في ذلك الحياة المهنية والمشاعر والقدرات المعرفية والحياة الاجتماعية وغيرها.
ورغم ارتباط الاحتراق النفسي بالعمل، فإنّه لا يقتصر عليه، بل يمتد لأي أنشطة هادفة تقوم بها بانتظام، مثل رعاية الطفل أو العمل في مشروع كبير لتحسين المنزل، فهي مهمات تتطلّب تركيزًا لأنّها ذات معنى بالنسبة لك، وغالبًا ما تنطوي على اهتمامٍ عاطفي أيضًا.
2. شِدّة الأعراض ومُدّتها:
قد يستمر الاحتراق النفسي أو الاكتئاب لعدة أسابيع أو شهور، ومع ذلك فليست هناك مُدّة محددة لتشخيص الاحتراق النفسي، بينما يتطلّب تشخيص الاكتئاب دوام أعراضه لأسبوعين على الأقل.
وعمومًا تميل أعراض الاكتئاب إلى أن تكون أشدّ من الاحتراق النفسي، ومع ذلك فإنّ الاحتراق النفسي قد يفاقِم الاكتئاب والعكس صحيح أيضًا.
3. الأسباب:
كذلك يختلف الاحتراق النفسي عن الاكتئاب في الأسباب، فعادةً ما يكون سبب الاحتراق النفسي ظرفيًّا أو متعلّقًا بضغط معيّن، مثل العمل، بينما قد لا يسبق الاكتئاب سبب معيّن يمكن التعرّف عليه، وقد يتدهور مزاج الإنسان دون إنذارٍ مُسبق.
4. خيارات العلاج المتاحة:
تتوافر عديد الطرق لعلاج الاكتئاب، بما في ذلك العلاج النفسي والأدوية، أو حتى العلاج بالصدمات الكهربائية أو غيرها.
أمّا الاحتراق النفسي، فقد يساعد على تجاوزه تغيير نمط المعيشة، بالتخلّص من أو تقليل الضغط الذي يتعرّض له الإنسان، سواء كان في العمل أو في رعاية أحد ما، وذلك إلى جانب العلاج.
وتهدف طرق التعامل مع الاحتراق النفسي إلى:
- تحسين مهارات التأقلم.
- التعافي من التوتر المزمن.
- التوازن بين العمل والراحة.
اقرأ أيضًا:نشاط وشغف رغم الحزن.. ماذا تعرف عن الاكتئاب ذي الأداء العالي؟
هل يمكن أن يُصاب أحد بالاحتراق النفسي والاكتئاب؟
حسب موقع "healthline"، من الممكن أن يُعانِي بعض الناس الاحتراق النفسي والاكتئاب في الوقت نفسه، فالاحتراق النفسي أحد عوامل خطر الإصابة بالاكتئاب.
وإذا أدّى الاحتراق النفسي إلى الاكتئاب، فهذا لا يعني أنّ الاحتراق النفسي قد زال، بل قد تظهر بعض علاماته إلى جانب الاكتئاب.
كذلك قد يُعانِي بعض الناس الاحتراق النفسي بسبب العمل إلى جانب اضطراب الاكتئاب الشديد لأسبابٍ أخرى.
هل يمكن أن ينتحر الإنسان بسبب الاحتراق النفسي؟
كشفت دراسة كبيرة نشرت عام 2023 في "Frontiers in Public Health" عن أنّ الإرهاق الناجِم عن الاحتراق النفسي مرتبط بزيادة خطر وجود أفكارٍ انتحارية، حتى لو لم يكُن الاكتئاب من العوامل المُساهمة في الاحتراق النفسي .
نعم، قد لا يكون الانتحار جانبًا أساسيًا من علامات أو مضاعفات الاحتراق النفسي، لكن الاحتراق النفسي قد يزيد احتمالية تفكير المرء في الموت أو إيذاء النفس أو الانتحار.
كيف تتمتّع بصحة نفسية جيدة بعيدًا عن الاكتئاب أو الاحتراق النفسي؟
سواء كُنت تُعانِي الاكتئاب أو الاحتراق النفسي، فهذه بعض النصائح التي تساعدك على تجاوز ذلك والتمتّع بصحة نفسية جيدة:
- أخذ فترات راحة، سواء كانت إجازة قصيرة أو طويلة، فقضاء بعض الوقت بعيدًا عن العمل يساعدك على إعادة ترتيب أفكارك واستعادة صفائك الذهني.
- وضع حدود بين العمل ووقتك الشخصي، بأن ترفض العمل الإضافي مثلًا، والحفاظ على وقتك الشخصي حتى إذا أخذت فترات راحة من الأجهزة التكنولوجية أيضًا.
- التواصل مع الآخرين، فقد يساعد قضاء الوقت مع الأصدقاء والأحباب على تحسين صحتك النفسية، وأيضًا تجنّب الاحتراق النفسي الذي يستنزف مشاعر الإنسان.
- التأمل؛ إذ يساعد على تخفيف التوتر والاحتراق النفسي، وكذلك أعراض الاكتئاب.
- النشاط البدني وممارسة التمارين الرياضية؛ إذ تُحسِّن المزاج وتُخفِّف التوتر، فتمشية قصيرة قد تساعدك كثيرًا على ذلك.
- استشارة اختصاصي الصحة النفسية إن كُنت تواجِه صعوبة في التعامل مع الاحتراق النفسي أو الاكتئاب.