كيف تتعامل مع التشتت في مكان العمل؟
لا يخفى أن التشتت له تأثيرٌ سلبيّ كبير على فِرق العمل وإنتاجيتها، فالتعرض للتشتت يؤثر في قدرتك على التركيز، ما يزيد بالتبعية من الوقت اللازم لإنجاز المهام، ويُقلل من قدرتك على الإنتاج.
أكثر من يعرف تأثير التشتت السلبي هم الموظفون المشتتون أنفسهم، وحسب استبيانٍ صدر عن موقع المساقات "Udemy"، ذكر 54% من الموظفين أن التشتت يعوقهم عن الأداء بشكلٍ جيد، وقال 50% منهم إنه يُقلل من إنتاجيتهم، بينما أفصح 20% من الموظفين أن التشتت يحول دون تقدمهم المهني.
ولك أن تتخيل أن هذا الاستبيان الذي نتحدث عنه أُجري في عام 2018؛ ووقتها ربما كانت المشتتات أقل، فما ظنك بالأعداد المُتضررة اليوم؟!
المشكلة التي يغفل عنها الكثيرون أن التشتت يحتاج إلى وقت حتى تتخلص منه، فبحسب الدراسات؛ يتطلب الخروج من حالة التشتت -في المتوسط- نحو 23 دقيقة و15 ثانية، بالإضافة إلى أنه يزيد من مستوى التوتر ويُقلل الرضا الوظيفي، ويتسبب بمشكلات وأضرار أخرى كثيرة ثانوية.
إذًا، يجب أن يكون تقليل التشتيت في مكان العمل على رأس أولويات أي مسؤول يرى انخفاضًا في مستوى الإنتاجية، ولحسن الحظ فإن هناك سُبلًا لذلك، وفيما يلي سنستعرض أشهر مشتتات أماكن العمل وحلولها:
المشتتات في أماكن العمل.. أشكالها وحلولها
مبدئيًّا، تختلف عوامل التشتت من مكانِ عملٍ لآخر. وعلى سبيل المثال، يتشتت الأشخاص الذين يعملون من المنزل بسبب أفراد الأسرة أكثر من زملائهم الذين يعملون من مقر الشركة نفسها، ومن ثم يجب عليك أن تُحدد عوامل التشتيت في مكان عملك بدقة حتى تستطيع تطوير استراتيجيات فعالة، وتخلق بيئة عمل أكثر تركيزًا.
ويمكننا أن نحصر أشهر المشتتات في الآتي:
1. مقاطعة الآخرين لك:
ما دام المكان الذي تعمل فيه -سواء أكان المنزل أو الشركة- يضم أشخاصًا، فمن الوارد جدًا أن تتم مقاطعتك وأنت تعمل، لأي سبب.
- الحل: ببساطة شديدة، واجه من يُقاطعك وأخبره بأن يحد من ذلك لأنك تتشتت، ولكن طبعًا بأسلوبٍ لطيف في البداية، وإذا كنت مسؤولًا، شجع الموظفين على إغلاق أبواب مكاتبهم، والعمل في مناطق هادئة، أو ارتداء سماعات الرأس أو أي شيء يُعلِم الآخرين بأن الوقت ليس مناسبًا إطلاقًا للحديث.
إذا كنت تعمل من المنزل، فاجلس في مكانٍ هادئ وأغلق الغرفة أو أيًا كان المكان على نفسك، إن لم يساعدك ذلك، حاول أن تذهب للأماكن المُخصصة للعمل أو ما يُعرف بالـ "Workspaces".
2. الإشعارات الرقمية:
تتدفق الإشعارات من أجهزتنا الذكية لدرجةِ أنها بالكاد تتوقف، فمعظم الخدمات والتطبيقات تُرسل الإشعارات، ومعظمها لا يكون مفيدًا بالمرة، وهناك مشكلتان بخصوص هذا الأمر؛ الأولى أن معظم الأعمال اليوم باتت تعتمد على التكنولوجيا بشكلٍ وثيق، وبالتالي فإننا لا نستطيع التخلي عن أجهزتنا، والثانية أن معظمنا يدمن استخدام الهاتف والحاسوب ولا يستطيع التفريق بين الرسائل والإشعارات التي تستدعي ردودًا فوريًا، والأخرى القابلة للتأجيل.
- الحل: الواضح هنا هو الالتزام بالرد على الإشعارات المهمة وتجاهل الإشعارات الأخرى، أو كتمها أو تعطيل التطبيقات التي تُرسلها، وإذا كنت -مثل الكثيرين- لا تستطيع الالتزام بتأدية واجباتك أولًا بأول، أو تُدمن استخدام الهواتف والتطبيقات التي لا طائل منها، فحاول أن تستخدم أدوات تتبع الإنتاجية لتحدد الوقت الذي تعمل فيه بأفضل أداء ممكن، وحاول أيضًا أن تُفعل وضع عدم الإزعاج، وخصص وقتًا للرد على الرسائل والتفاعل مع الآخرين.
اقرأ أيضًا| قبل وقفه عن العمل.. كيف تتعامل مع الموظف السيكوباتي؟
3. الضوضاء المحيطة بالمكان:
تحتوي الكثير من أماكن العمل، لا سيما الموجودة في بيئات مفتوحة، على ضوضاء مزعجة تُشتت الموظفين وتخرجهم من نطاق التركيز، وتُظهر الأبحاث أن الغالبية العُظمى من الموظفين (نحو 85% منهم) يجدون صعوبةً في التركيز في بيئات عملهم، حتى في الأماكن المُغلقة تقريبًا، هناك الثرثرات وأصوات الأجهزة وغير ذلك من المُشتتات التي تُصعّب على الموظفين حياتهم بشكلٍ كبير.
- الحل: بديهي، ولكنه صعب التطبيق قليلاً، حيث يتطلب منح كل موظف مكتب أو مساحة خاصة -مثل كبائن الهاتف- يمكن التحكم في مستويات الضوضاء الخاصة بها، ولكن ولسوء الحظ فإن كثيرًا من مساحات العمل لا تسمح بذلك، والشيء نفسه ينطبق على كثيرٍ من المنازل، ولكن أيضًا هناك حلول مبتكرة تختلف من بيئة لأخرى.
4. الاجتماعات غير الضرورية:
لا شك أن اجتماعات العمل مفيدة للغاية، لأكثر من سبب، فهي توفر فرصةً ثمينة للتعاون والتواصل حول المهام بفاعلية، ولكننا هنا نتحدث عن الاجتماعات غير الضرورية أو غير المُنتجة، التي تستهلك وقتًا كان من الممكن استثماره في شيء أكثر فائدة.
وبحسب استبيانٍ أجرته شركة Atlassian، فإنه من وسط 62 اجتماعًا شهريًّا يحضره الموظفون في المتوسط، نجد أن نصف هذه الاجتماعات تروح هباءً، حيث يعترف 9 من كل 10 موظفين أنهم يقضون وقت الاجتماعات في التفكير في أمورٍ أخرى، ويقول 4 من كل 10 موظفين -تقريبًا- إنهم يميلون للنوم في أثناء الاجتماعات، بينما يقوم ثُلثا الموظفين بأداء أعمالٍ أخرى في أثناء الاجتماعات المملة، خاصةً إذا كانت أونلاين.
- الحل: يجب تقليص عدد الاجتماعات وعدم إجرائها سوى الضرورة، والضرورة هنا تشمل الاجتماعات التي تهدف إلى تقوية الأواصر بين الزملاء وزيادة التعلق بمكان العمل، كذلك يجب على كل من ينظم اجتماعًا أن يُحدد أجندة وأهداف الاجتماع، لكي يعرف الحضور ما الذي سيقبلون على سماعه، ومن الحلول المفيدة جدًا أيضًا أن يتم تخصيص وقت معين من كل أسبوع للاجتماعات، بحيث يُهيئ الموظفون أنفسهم لهذا الوقت ويركزون في أعمالهم ببقية الأوقات، مع التماس الأعذار للاجتماعات الطارئة بالطبع.
5. التشتت البصري:
أخيرًا وليس آخرًا، يُمكن أن يؤثر التشتت البصري بالسلب على قدرتنا على التفكير والتركيز في المهام المطلوبة منا، نعم؛ إذا تراكمت الأوراق أو الملفات أو حتى بقايا الطعام على مكاتبنا وفي أماكن عملنا، فقد نشعر بالتوتر ويضيع تركيزنا، حتى وإن لم نلاحظ ذلك.
- الحل: ابدأ بتشجيع نفسك على تنظيف المكتب بشكلٍ دوري، وحاول أن تكون مُنظمًا إن لم تكن كذلك، وخصص نصف ساعة في الأسبوع مثلًا ورتّب أوراقك وملفاتك المُكدسة، وإذا كنت تعمل مع زميلٍ أو أكثر في المساحة نفسها، فشجعوا بعضكم على أن تكونوا مُنظمين، لأن هذه العادة قد تزيد إنتاجيتكم بشكلٍ لا تتوقعونه.
اقرأ أيضًا: قوة اتخاذ القرار: كيف يمكن لمهاراتك أن تقود نجاحك الوظيفي؟
كيف تؤثر المشتتات على الإنتاجية؟
يجب التذكير بأن أبسط المُشتتات يمكن أن تتسبب في تقليل جودة العمل والتأثير على إنتاجيته، فتذكر أن سبب المُشتت نفسه يستغرق وقتًا، والعودة لحالة التركيز نفسها تستغرق وقتًا أيضًا.
كذلك علينا أن نعرف أن ضعف الإنتاجية الناجم عن تشتت موظفٍ واحد، يؤدي إلى زعزعة حلقة الإنتاجية بأكملها، فالعمل غير المُنجز يقف عقبةً أمام جميع الزملاء، وهذا يجعلهم يشعرون بالإحباط والاستياء، ومع الوقت، يفقد الفريق ميزته، وهي أنه فريق، وقد يتطور الأمر لدرجة حدوث مشكلات شخصية بين أعضاء الفريق، وهذه المشكلات تؤدي في حالات عديدة إلى الفصل.
وبشكل عام لا تُعد المشتتات في بيئة العمل مجرد حدثٍ أو إزعاجٍ عابر، خاصة إذا تكررت، وإنما مشكلة يجب التعامل معها لأنها تؤثر على جودة العمل وإنتاجيته، فالتعامل مع المشتتات بجدية واتخاذ موقفٍ حازمٍ منها يُعد الخطوة الأولى نحو خلق بيئة عملٍ صحية ومُنتجة، فالمرة القادمة التي تتعرض فيها لعاملٍ يُشتتك، حاول أن تتعامل معه بسرعةٍ وذكاء.