القيادة في عصر الذكاء الاصطناعي.. ما يجب عليك معرفته كقائد
يدعي 83% من الشركات أن الذكاء الاصطناعي يقبع على رأس أولويات خطط أعمالهم، فهذه التقنية الثورية بتطبيقاتها المختلفة تُعيد تشكيل عالم الأعمال والقيادة، وتُشكك في مسلّماته بشكلٍ لم نكن لنتخيله، إلى أن أصبح لزامًا على القادة والمديرين أن يتكيفوا مع الآلة ويتعاونوا معها، ولكن بحذر!
فعلى قدر الفرص والإمكانات التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، تُوجد بعض التحديات والمخاطر؛ وهي بعض الأمور التي سنتعرف عليها خلال السطور التالية.
الذكاء الاصطناعي والقيادة.. ما الذي يجب على القادة معرفته؟
أحدث الذكاء الاصطناعي، وما يزال يُحدث، ثورة في الصناعات المختلفة، ولا يمكن لأحد أن يُنكر ذلك، ولكن المشكلة أن مسؤوليته غالبًا ما تُترك بالكامل لأقسام تكنولوجيا المعلومات IT، ظنًا من القادة أن هذا لن يضرهم في شيء، ولكن الحقيقة أن تجاهل الـAI كارثة بكل المقاييس في زمننا هذا، وكقائد، هناك عدة أمور يجب أن تعلمها جيدًا حتى تحافظ على مكانتك، وتتطور في عملك، سنلخصها في 3 نقاط:
1. الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية
فالذكاء الاصطناعي، على عكس جميع التقنيات الأخرى، ليس مجرد تطورٍ تكنولوجي، وإنما أداة استراتيجية تُعيد تشكيل الأعمال والقيادة، وتساعد المديرين والقادة على الوصول إلى أهدافهم ورؤية مؤسساتهم طويلة المدى.
2. الذكاء الاصطناعي يُعزز القيادة
الذكاء الاصطناعي ليس عدوك، وإنما رفيقك الذي يساعدك كمدير على تحسين عمليات صنع القرار، وقيادة المؤسسة بطريقة أفضل، فلماذا تتجاهله يا تُرى؟ خاصةً أنه سيطور منك أنت كقائد، ويعزز من الابتكار والمرونة لديك.
3. الذكاء الاصطناعي سلاحٌ ذو حدين
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي ليس عدوك، فإنه أيضًا سلاحٌ ذو حدين، ويمكن أن يصيبك ومؤسستك بالوبال إذا لم تحذر لأمن البيانات، وانجررت وراء تحيزاته الواردة، لذلك عليك أن تضع إطارًا عامًا ومبادئ توجيهية يتبعها الجميع، حتى تستفيد من الآلة.
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيد تشكيل القيادة؟
يتيح الذكاء الاصطناعي مجموعة من الفرص والإمكانات التي من شأنها أن تُعيد تشكيل القيادة، وتعيد تشكيل كل المجالات الأخرى، وذلك يتضح من الآتي:
- تَدَخّل الذكاء الاصطناعي في العمل:
يدخل الذكاء الاصطناعي في العمل كمساعدٍ لا يعرف للتعب معنى، حيث يقوم بتحليل البيانات في الوقت الحقيقي real-time، ويقدم توصيات من شأنها أن تُساعد القيادة في أشياء عدة، مثل اتخاذ القرار، والاستجابة للتغيرات، وتحسين الكفاءة والفعالية.
- تقليل الأعباء الروتينية:
يشغل العمل الروتيني وقتًا كبيرًا للغاية في الأعمال، وفي نفس الوقت هو جزءٌ لا يمكن التخلي عنه، حلّ الذكاء الاصطناعي هذه المعضلة عن طريق استبدال الموظفين الذين يتولون مهمة هذه الأعباء الروتينية، ما يوفر للقادة وقتًا أكبر للتفكير بشكل استراتيجي، وتطوير الأفكار المبتكرة، وإن كان هذا على حساب تسريح الموظفين.
- توسيع نطاق المعرفة:
لا شك أن الذكاء الاصطناعي قد يخطئ، ولكنه يصيب في أغلب الحالات، ويستطيع تحليل كميات مهولة من البيانات، واستخراج الأنماط والرؤى منها، بحيث يساعد القادة على فهم الأمور بطريقة أفضل، ومن ثم اتخاذ قرارات أكثر رجاحة؛ مبنية على بيانات ومعطيات غاية في الوضوح.
- تطوير قسم الموارد البشرية:
تغيرت متطلبات سوق العمل بشكلٍ كبير، فأصبح يعتمد على مهارات الشخص أكثر من أي شيء آخر، ويتدخل الذكاء الاصطناعي في قسم الموارد البشرية بالشركات، ويساعد على تحديد نقاط قوة الأفراد ومساحات تطورهم، وعليه يبني خططًا تدريبية مُفصلة ومناسبة؛ تساعد الموظف على التطور، وبالتبعية المنظمة أو الشركة بأكملها.
- الأخلاقيات والمجتمع:
تلتزم جميع الشركات المُعتبرة بمجموعة من القيم الأخلاقية، التي تحاول اتباعها مهما تعرضت لتحديات أو ضغوطات، غير أن هذه القيم تُنسى أحيانًا، على الأقل من قِبل الموظفين، ويكون التذكير بها واجبًا، ويلعب الذكاء الاصطناعي هذا الدور، مُثيرًا تساؤلات ليس فقط حول الأمور الأخلاقية، ولكن حول أمان البيانات، والخصوصية، والاستخدام العادل أيضًا، وهذا يترتب عليه زيادة الوعي الأخلاقي لدى القادة.
اقرأ أيضًا: كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في زيادة التفاعل مع إعلانات الوظائف؟
استراتيجيات لتحقيق قيادة فعالة في عصر الذكاء الاصطناعي
هناك عدد من الاستراتيجيات التي يمكنك اتباعها لتحقيق قيادة فعالة في عصر الذكاء الاصطناعي، ومنها:
1. مراعاة الأخلاقيات:
يؤكد عالم الحاسوب الفرنسي من شركة Meta "يان ليكون Yann LeCun" على ضرورة وجود ضمانات أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة إذا نظرنا إلى مخاطره المحتملة، مثل التحيز وغياب الشفافية وخلافهما، ما يحتّم على القادة تصميم استراتيجية للذكاء الاصطناعي، تكون الأخلاق فيها ركنًا أساسيًا.
2. تدريب الجميع على الذكاء الاصطناعي:
من الضروريّ أن تُعزز معرفة الجميع بالذكاء الاصطناعي ودوره في كل شيء تقريبًا، وهذا لا يقتصر على مجموعة مختارة من علماء البيانات فحسب، بل يشمل كل موظفٍ حرفيًا، بما فيهم تدريب نفسك كقائد.
3. استثمر في المواهب والتكنولوجيا:
وتحديدًا في ذوي الخبرة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومجال تعلم الآلة، ومحللي البيانات، ومن ثَم انتقل للتركيز على البنية التحتية، وحاول أن توازن بين هذه الاستثمارات ورؤية مؤسستك الاستراتيجية، حتى تضمن نموًا مستدامًا، وتستغل الموارد أفضل استغلال.
4. شجّع على الابتكار والتعاون:
وذلك مع الشركات التقنية والمؤسسات الأكاديمية، وطبعًا من المنظمات التي تقوم على صناعتك نفسها، حتى تبقى مطلعًا على أحدث التطورات والابتكارات؛ تستفيد وتُفيد.
5. تكيف مع التغييرات:
حاول أن تتابع اللوائح الحالية والمستقبلية باستمرار، لأنها تؤثر على تبني الذكاء الاصطناعي بين المؤسسات والأفراد، واعلم أن قدر مرونتك يعتمد بشكل كبير على اطلاعك، لأنه سيعطيك حلولًا أكثر.
تحديات القيادة مع الذكاء الاصطناعي
بعد أن تحدثنا عن استراتيجيات القيادة الحديثة في ظل وجود تقنيات الذكاء الاصطناعي، دعونا نُلقِ نظرة على التحديات قبل أن ننتقل للحديث عن الفُرص:
1. التطور المستمر:
يتطور الذكاء الاصطناعي في الأعمال، وفي غير ذلك من المجالات، بشكلٍ مخيف، يتطلب من القادة أن يكونوا على أتم استعداد دائمًا، لهذا ذكرنا أن الابتكار والتعاون والاستثمار في المواهب والتكنولوجيا من الاستراتيجيات الضرورية.
2. اللوائح والامتثال التنظيمي:
جزءٌ أساسيّ من التحول الرقمي الذي نعيشه حاليًّا هو تغيّر اللوائح باستمرار، ولذلك أيضًا عليك كقائد أن تتعلم كيف تتكيف مع التغييرات، كما أشرنا، وأن يكون لديك خطة بديلة لكل شيء.
3. زخم البيانات:
أصبحت البيانات تحاصرنا من كل جانب، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي وحده هو أمرٌ خطير، لذلك فمن الضرورة بمكان أن يستطيع القائد أو أيًا كان الشخص الذي يتعامل مع الذكاء الاصطناعي، تمييز المعلومات المهمة عن غيرها المُضللة أو غير المهمة بشكلٍ عام.
4. كثرة الخيارات:
مع تعدد الخيارات أمام العملاء، بات لزامًا علينا أن نُركز استراتيجياتنا صوب خدمة العميل، ونحاول أن نلفت انتباهه قدر المستطاع، لنضمن ولاءه، ولنكسب عملاء جددًا.
5. ندرة المواهب والكفاءات:
لم نضع الاستثمار في المواهب ضمن الاستراتيجيات الفعالة من فراغ، فالسوق حاليًا به شحٌ واضح بالمواهب والكفاءات التي تستطيع أن تتعامل مع الـAI وفروعه المختلفة.
6. التهديدات السيبرانية:
إحدى تحديات التكنولوجيا عمومًا، وليس الذكاء الاصطناعي فقط، ولهذا فمن الواجب على القادة أن يركزوا على الخطوات الاستباقية للحفاظ على ثقة العملاء، والحفاظ على مكانتهم.
7. المعضلات الأخلاقية:
أنت الآن قائد لمجموعة كبيرة، وباستطاعتك أن تحصل على مجموعة ضخمة من البيانات بفضل الذكاء الاصطناعي -بطريقة أو بأخرى- ستنقل شركتك إلى مستوى آخر، فماذا ستفعل؟ مُعضلة أخلاقية كهذه -وغيرها الكثير- تُمثل تحديًا كبيرًا أمام كل قائد ومؤسسة تستخدم الآلة، وقتها يُفترض أن تمتثل المؤسسة إلى القيم والبروتوكولات الأخلاقية، ولا تركن إلى أي تهديد أخلاقي، إلا أن الأمور لا تسير كذلك دائمًا.
8. العولمة:
تحدثنا عنها سابقًا وعن مميزاتها، غير أن مميزاتها نفسها -من الانفتاح وخلافه- يمكن أن تتحول إلى عيوب وتحديات واضحة، لأنها ستتطلب من القادة جهدًا إضافيًّا حتى يكونوا على علمٍ بما يحدث خارج ثقافاتهم وبيئاتهم.
الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي للقادة
والآن حان الوقت لنتحدث عن الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في مجال القيادة والأعمال، ومنها:
- تحسين عملية اتخاذ القرار
يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على تحليل كميات هائلة من البيانات، ومن مختلف المصادر، وهذا يجعل الاعتماد عليه مُثمرًا في عملية اتخاذ القرار تحديدًا، مع الأخذ في الاعتبار جودة النظام المُستخدم ومدى مراعاته للأخلاقيات.
- تقييم الأداء بفعالية
تُقيم أدوات الذكاء الاصطناعي الموظفين بفعالية أكبر، حيث تجمع بياناتهم خلال فترة معينة، تُنظمها، ثم تحللها وتعطي رؤى ثاقبة وعميقة يمكن الاستفادة منها في إيجاد فرص التطوير.
- التوظيف التنبؤي وإدارة المشاريع
تحل هذه الفرصة مشكلة ندرة المواهب بشكلٍ أو بآخر، إذ يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في فهم مهارات وقدرات الأشخاص اللازمين لبيئة عمل معينة، أضف إلى ذلك أن القادة يستطيعون استخدام الـAI في الحصول على توصيات بشأن المهارات المطلوبة، ومتى يكون هناك حاجة إليها، وهذا يساعد على إدارة المشاريع المختلفة.
- تقديم تدريبات مُخصصة
يُدرك القادة الناجحون أنهم وفرقهم بحاجةٍ إلى التعلم والتطوير المستمرين، ومع ذلك، قد يكون من الصعب إعداد برامج تدريبية مخصصة، لأنها تتطلب وقتًا ومجهودًا كبيرين، ويحل الذكاء الاصطناعي هذه المعضلة بفضل قدرته على تحليل ومراجعة الأداء على فترات قد تطول أو تقصر، ومن ثم تقديم برامج مخصصة على أساس نقاط القوة والضعف.
- توفير المساحة للتركيز على الأشياء المهمة
أحيانًا يضطر القائد أو المدير إلى التركيز على المهام اللوجستية، لدرجةٍ تُنسيه مهامه الأساسية، وعلى سبيل المثال، قد يُضطر إلى ترتيب الاجتماعات مع الفريق، والتأكد من تواجد موظفيه في المكتب، وحصولهم على سبل الراحة اللازمة عن طريق المتابعة المستمرة، إلخ، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يتولى كل هذه الأمور، مفسحاً المجال أمام القادة والمديرين حتى يركزوا على مهامهم الإدارية الحقيقية.
اقرأ أيضًا: "الابتكار ضرورة في الحالتين".. هل يتفوق العمل بذكاء على العمل بجهد كبير؟
المهارات المطلوبة للذكاء الاصطناعي والقيادة
تغيرت أولويات المهارات المطلوبة في سوق العمل بعد دخول الذكاء الاصطناعي في كل المجالات تقريبًا، ولكن يمكننا القول إن هناك مجموعة من المهارات "التقليدية" أو المعروفة ما زالت ضرورية للغاية، منها:
- التحليل النقدي: يجب على المدير أو القائد أن يكون قادرًا على التشكيك في صحة البيانات واستقصاء مصدرها، وهذا يأتي من عامل الخبرة ومن مهارة التفكير والتحليل النقدي.
- الذكاء العاطفي: قد تتساءل عن أهمية هذه المهارة وعلاقتها بالذكاء الاصطناعي والقيادة، ولكن إذا ركزت في الأمر ستجد أن الآلة تُشكل خطرًا على العلاقات الإنسانية التي تتراجع يومًا تلو الآخر، لذلك فمن الضروري أن تستطيع إبداء تعاطفك وتتواصل بفعالية مع الموظفين متى اقتضت الحاجة، حتى تُطمئنهم وتساعدهم على بذل قصارى جهدهم.
- التخطيط الاستراتيجي: وصل الذكاء الاصطناعي إلى مراحل متقدمة للغاية من التخطيط وتحليل الاتجاهات المستقبلية وما إلى ذلك، ولكنه -حتى يومنا هذا- لا يستطيع استبدال دور القائد الذي يمتلك رؤى قيّمة، قد لا يستطيع إيصالها للآلة.
ومن ثم فإنه يجب على القادة أن يمزجوا بين مهاراتهم التي أهلتهم ليكونوا قادةً بالفعل، وبين المهارات التكنولوجية التي يجب أن تكون موجودة في كلٍ واحد منا ليتطور في حياته عمومًا.