متى ستؤتي المليارات المستثمرة في الذكاء الاصطناعي بثمارها؟
خلال موسم إعلان الأرباح التكنولوجية حول العالم، شغل المستثمرين والمتعاملين في البورصات سؤال كبير: متى ستبدأ أي شركة بجني الأرباح الفعلية من الذكاء الاصطناعي؟
الترقب كان في ذروته مع صدور تقارير الأرباح، بينما كانت العين على "العظماء السبعة" (ألفابت، أبل، وأمازون، وميتا بلاتتفورمز، ومايكروسوف، ونفيدا، وتسلا)، لمعرفة ما إذا كانت المليارات التي استثمرت قد حققت نتائج مرضية.
الإجابة عن هذا السؤال قد لا تكون بسيطة، فالشركات حققت نتائج، لكنها غير كافية لتوضيح الصورة المستقبلية، فيما يسود القلق والخوف والارتباك بين التوقعات التي تعد بالكثير، والواقع الذي يشير إلى أن الفقاعة على وشك الانفجار.
"سباق التسلح" في مجال الذكاء الاصطناعي
منذ عام ونصف العام، ومع انطلاق "سباق التسلح" في مجال الذكاء الاصطناعي، والشركات الكبرى تعد بثورة في كل المجالات، وهو المنطق الذي استخدم كمبرر لإنفاق عشرات الملايين على البنية التحتية والتطوير.
الضجيج حول الأمر بلغ حد الجنون، والوعود جعلت البشر يتخوفون من هيمنة الآلات قريباً، ورغم أنه لا يمكن إنكار التأثير الذي تحقق، ولكن حين نقارن النتائج بالأرقام الفلكية والوعود الخرافية التي أطلقت، فإنها تبدو تافهة إلى حد ما.
والحقيقة أن القصة بدأت في عام 2017، حين استثمرت 20٪ من الشركات بشكل متزايد في الذكاء الاصطناعي. وبحلول عام 2022 كان هناك أكثر من 688 شركة ناشئة جديدة، فيما شهد الربع الأول من عام 2023 زيادة بنسبة 300٪ في منتجات الذكاء الاصطناعي، مع قيام الشركات الكبرى بتخصيص 400 مليار دولار للإنفاق على التطوير.
وحين نحاول معرفة ما إذا كان "المنتج" يباع، فإن الأرقام تبدو متناقضة ومربكة، ووفق دراسة نشرتها "ماكينزي"، فإن ثلثي المشاركين من الشركات الأمريكية أكدوا أن شركاتهم تستخدم الذكاء الاصطناعي، فيما أكدت دراسة مختلفة أن 75٪ من العاملين في مجال المعرفة يستخدمون الذكاء.
ولكن في المقابل ووفق إحصائيات أخرى فإن أمريكا ليست ضمن الدول الأكثر اعتماداً على الذكاء الإصطناعي، بل تأتي في أسفل اللائحة التي تتصدرها تباعاً كل من الصين والهند والإمارات، حيث تعتمد الشركات الصينية على برامج الذكاء الاصطناعي بنسبة 58% مقابل 25% من الشركات الأمريكية.
مكتب الإحصاء الأمريكي أجرى مسحاً لأسبوعين، وتبين من خلاله أن 5% فقط من الشركات الأمريكية استخدمت الذكاء الاصطناعي أو AI خلال هذه الفترة، وفي كندا 6% من الشركات اعتمدته خلال عام، مقابل 20% في بريطانيا بحلول مارس الماضي، وهي أرقام إن دلت على شيء فهي تشير إلى وضع غير طبيعي، كون أن الدول الأكثر إنتاجاً للمنتج، هي أيضاً الأقل استخداماً له!
البحث عن الأرباح الطائلة
التقارير أشارت إلى أن أرباح "غوغل" و"مايكروسوفت" كانت أعلى من التوقعات، ومع ذلك شكلت خيبة أمل كبيرة للمستثمرين، لكون عائدات الذكاء الاصطناعي لم تكن كافية.
"أمازون" حققت أرباحاً بقيمة 13.5 مليار دولار، وأعلنت عن زيادة في الإنفاق على الذكاء الإصطناعي بـنحو 14 مليار دولار، و"ميتا" حققت نتائج إيجابية بفضل مبيعات الإعلانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وأعلنت بدورها المزيد من الاستثمار.
"نفيدا" حققت هي الأخرى أرباحاً خرافية، وصلت إلى 12.3 مليار دولار، بسبب ارتفاع الطلب على رقائق تشغيل أنظمة الـ AI، ولكن الأرقام هذه، باستثناء "نفيدا" لم ترق للمستثمرين، لكون العوائد التجارية لم تتناسب مع النفقات.
اقرأ أيضًا: لرواد الأعمال.. 5 نصائح لتطويع الذكاء الاصطناعي في خدمة شركتك
أخطاء الذكاء الاصطناعي
الضجة الهستيرية حول الذكاء الاصطناعي حركتها فيما يبدو الشركات الكبرى، إذ جعلته يبدو كأنه سيحل مكان البشر، وسيكون الحل لغالبية المشكلات، ولكن الواقع مختلف، وباعتراف مبتكريه ومطوريه، وإذا قمت بالاطلاع على شروط الاستخدام ستجد أن كل ما يقدمه محصور بالأمور السطحية!
التحذير الأول الذي يطالعكم هو أنه يمكنه ارتكاب الأخطاء لذلك يجب مراجعة النتائج. التحذير الثاني يتمثل بلائحة من الممنوعات، إذ يحظر استخدامه لحسم قرارات عالية المخاطر، كما يمنع استخدامه لإدارة أي جزئية لها علاقة بالبنى التحتية أو الخدمات الأساسية وحتى قرارات التوظيف، والخلاصة هي أنه يمكن استخدام الذكاء الاصنطاعي للمهام البسيطة، كما يمكنه ارتكاب الأخطاء أو اختراع معلومات غير صحيحة.
حتى التوجيه الذي يكتب للذكاء الإصطناعي قائم على مبدأ التجربة، ومن ثم عوضاً عن توفير الوقت والجهد، فإن "تعليمه" كي ينفذ المهمة يستهلك الوقت والجهد والمال، كما أن أي تعقيد للمهام يجعله برتكب الأخطاء.
"ماكدونالدز" ألغت تجربة الـ AI لتلقي الطلبات، بسبب الأخطاء العديدة التي ارتكبت، فيما أشارت تقارير صحفية إلى قيام شركة طبية ضخمة بالتوقف عن استخدام “كوبيلوت” الخاص "بمايكروسوفت"، وذلك لأنه لم يزد أي قيمة فعلية لمسار العمل، وشركة أخرى قررت التوقف عن استخدام "غوغل جيميني"، وذلك لأنها حققت نتائج أسوأ بكثير من البشر، الذين من المفترض أنها ستقوم بعملهم.
الصورة المقلقة للمستثمرين تتجسد في هذه الأرقام، التي هي نسب استخدام الذكاء الاصطناعي في عام 2024: 45% لكتابة رد كرسالة نصية، 43% للإجابة عن أسئلة مالية، 38% للتخطيط لرحلة سياحية، 31% لكتابة بريد إلكتروني، 30% للتحضير لمقابلة عمل، 25% لكتابة منشوارت مواقع التواصل، و19% لتلخيص النصوص الطويلة.
والآن تخيل كصاحب مؤسسة بأنك تدفع 5 ملايين دولار تقريباً، مع تكلفة سنوية متكررة بين 8 و11 ألف دولار لمساعد ذكي خاص يمكنه كتابة الرسائل والبحث في الأرشيف.. فهل تستحق هذه المهام تلك التكلفة؟ وربما هذه هي المعضلة، فالشركات لم تحقق عائدات ترضي المستثمرين، كما أنها لم تمنح العملاء ما يبرر إنفاق الملايين على المنتج!
الإطار الزمني لجني الأرباح!
البعض قد يبرر الوضع الراهن بما هو معروف في عالم الاستثمار، وهو أنه لا يمكن تحقيق أرباح فورية، فالإستثمارات تحتاج الى الوقت، بينما توقع المستثمرون أن الشركات ستتوقف عن الاستثمار في البنى التحتية، وتبدأ بالتركيز على حصد الثمار، ولكن ما حصل هو العكس تماماً!
"ميتا" ستنفق ما بين 37 و40 مليار دولار، و"مايكروسوفت" ستنفق أكثر من ذلك بكثير، أما "غوغل" فستكتفي بنحو 12مليار إضافية، وهي الإعلانات التي ترافقت مع الجملة التي يكرهها أي مستثمر وهي: "نحتاج إلى المزيد من الوقت".
"مايكروسوفت" أعلنت أن الأرباح ستكون خلال الـ15عاماً القادمة، و"ميتا" لم تضع إطاراً زمنياً حتى، بل تكتفي بعبارات مثل "مع مرور الوقت" أو خلال "الفترات القادمة". هذا الإطار الزمني غير مريح على الإطلاق بالنسبة للمستثمرين، الذي اعتادوا نمواً في المبيعات والأرباح وفق خطط وأطر زمنية مقبولة، وهذه الثوابت غير متوافرة هنا، فالأطر الزمنية تبدو بلا نهاية، ولعل أبسط مثال هو سيارة القيادة الذاتية من "تسلا"، الفكرة التي انطلقت عام 2015 وعدلت وتبدلت، وبعد 10 سنوات ما تزال تحتاج إلى عنصر بشري!