ما هي الحوسبة الكمومية وكيف ستغير مستقبل التكنولوجيا؟
يُعد مفهوم "الحوسبة الكمومية" مظلة كبيرة تضم تحتها مجموعة من التخصصات والمصطلحات، بما في ذلك الأجهزة (الهاردوير) الكمومية، والخوارزميات الكمومية، وغيرهما، وعلى الرغم من إحرازنا لبعض التقدم في هذا المجال، فإننا ما زلنا نتحسس هذا الطريق إذا نظرنا للصورة الكاملة، ولكن هذا لا ينفي اقترابنا من استخدام الحوسبة الكمومية في حل المشكلات المعقدة التي لا تستطيع حتى أجهزة الكمبيوتر الفائقة حلها، أقله بسرعةٍ كافية.
الحوسبة الكمومية.. تعيد تشكيل عالمنا!
قبل أن نتطرق إلى التفاصيل دعونا نعرف أولاً ما هي الحوسبة الكمومية، ونحاول فهمها بشكلٍ مبسط، إذ تعتبر أحد فروع علم الحاسوب التي تستخدم مبادئ نظرية الكم Quantum Theory، ولمن لا يعرف، فهذه نظرية علمية تُعنى بتناول سلوك المادة والطاقة على المستويين الذري Atomic ودون الذري Subatomic، وما يهمنا أنها يمكن أن تتواجد في حالتين: فيزيائية وموجية.
نعرف جميعاً أن حواسيبنا التقليدية أو العادية تعتمد على وحدات البت، التي تُمثل المعلومات في صورة قيم ثنائية (0 أو 1)، في المقابل، تستخدم الحواسيب الكمومية ما يُعرف بـ"الكيوبت Qubit"، وهي مواد دون ذرية يمكن أن توجد في حالة التراكب (الفيزيائية والموجية) ما يسمح لها بتمثيل معلومات متعددة في آنٍ واحد، أي إنها تستطيع تمثيل المعلومات في صورة الأصفار والآحاد في الوقت نفسه.
لاستيعاب الأمر، عليك أن تعرف أن الكيوبت الواحد يُخزن 2 بت من المعلومات (0 أو 1)، والـ 2 كيوبت يخزنان 4 بت من المعلومات (00، أو 01، أو 10، أو 11)، والـ 3 كيوبت يخزنون 8 بت، في حين يُخزن الـ 4 كيوبت 12 بت، وهكذا في نموٍ أسيّ.
إذا كانت الصورة غير واضحة فلا بأس، ما نحتاج إليك أن تعرفه فقط أن لبنات الحواسيب الكمومية هي "الكيوبيتس"، وبفضل طبيعتها المتراكبة تتيح لهذا النوع من الحواسيب أن يُجري عمليات قد تستغرق ملايين السنين إذا أُجريت على الحواسيب التقليدية، في دقائق أو حتى ثوانٍ معدودة!
تاريخ الحواسيب الكمومية
يمكننا أن نرجع تاريخ التكنولوجيا الكمومية المدفوع بالرؤى النظرية والابتكارات التجريبية إلى أوائل الثمانينيات، ولكن إذا أردنا أن نرجع إلى الجذور، فلن يكون هناك بد من السفر بالزمن إلى أوائل القرن العشرين، وقتها ظهرت ميكانيكا الكم كفرعٍ ثوري من الفيزياء، حيث وضع كبار العقول مثل "ماكس بلانك"، و"ألبرت أينشتاين"، و"نيلز بور" أسس فهم الظواهر الكمومية. خلال تلك الفترة بدأت مفاهيم التراكب الكمومي في التبلور ما مهد الطريق للكيوبتس والحواسيب الكمومية.
أما البداية الحقيقية فكانت في عام 1980، عندما قدّم الفيزيائي الأمريكي "بول بينوف" أول نموذجٍ للحاسوب الكمومي، والمعروف باسم "آلة تيورنج الكمومية"، وبفضل هذا النموذج عرفنا كيف يمكن تطبيق قوانين ميكانيكا الكم على العمليات الحاسوبية، وأن هذا النوع الجديد من الحواسيب سيستطيع أن يتفوق على الحواسيب التقليدية لا محالة، وإن كان الحاسوب الكمومي له حدود أيضاً كما أوضح "ريتشارد فاينمان" وقتها، وكما سنرى في السطور اللاحقة.
وبالحديث عن "ريتشارد فاينمان"، فإن محاضراته حول مزايا الحاسوب الكمومي أثارت اهتماماً كبيراً بين الفيزيائيين وعلماء الكمبيوتر، وفي عام 1985، ظهر مفهوم "الحاسوب الكمومي العالمي- Universal Quantum Computer" الذي يمكنه -نظرياً- محاكاة أي نظام فيزيائي، وهذا شيء غاية في التعقيد.
حتى جاء منتصف التسعينيات بتطور كبير في الخوارزميات الكمومية، ففي عام 1994 على سبيل المثال، طور أستاذ الرياضيات الأمريكي "بيتر شور" خوارزمية قادرة على تحليل أعداد كبيرة بشكلٍ أسرع من الخوارزميات الكلاسيكية، وهو الإنجاز الذي حظي باهتمام وتمويلٍ كبيرين.
ومع دخول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهدنا سباقاً لبناء أجهزة كمبيوتر كمومية عملية. وفي عام 2001، تمكن باحثون من شركة "IBM" وجامعة "ستانفورد" من تطبيق ما خوارزمية شور - Shor’s Algorithm" -المذكورة أعلاه- على معالج كمومي يستخدم 7 كيوبت، ما مثل علامة فارقة في هذا المجال.
وفي عام 2010، تمكنت شركة "D-Wave Systems"، التي تأسست عام 1999، من بناء أول حاسوب كمومي تجاري وأسمته "D-Wave One"، وفي الفترة نفسها، شهدت تكنولوجيا الكيوبت قفزات ملحوظة، فظهرت أنواع مختلفة من الحواسيب الكمومية، مثل "الحواسيب الكمومية فائقة التوصيل Superconducting Quantum Computing"، و"الحواسيب الكمومية المحاصرة للأيونات Trapped-ion Quantum Computer".
وفي عام 2019، أعلنت جوجل عن شيء استثنائي أثار دهشة المهتمين وقتها؛ لقد توصلت إلى ما يُسمى بـ"التفوق الكمومي Quantum Supremacy"، وهو إثبات عملي قاطع استطاع فيه الحاسوب الكمومي أن يُنفذ عملية يستحيل على الحاسوب الكلاسيكي تنفيذها، قد يكون هناك قدرٌ من المبالغة لأننا لا نستطيع الجزم بأن الحاسوب التقليدي لن يستطيع تنفيذ العملية، إلا أنه إذا نجح فسيحتاج إلى آلاف السنين، بالمقابل، لم يستغرق الأمر من الحاسوب الكمومي سوى 200 ثانية فقط للتنفيذ!
اقرأ أيضًا: المستقبل للحوسبة الخضراء.. لا تبخس دورك لمواجهة انبعاث الكربون!
كيف ستغير الحوسبة الكمومية مستقبل التكنولوجيا؟
من المتوقع أن تُحدث الحوسبة الكمومية ثورةً بالعديد من المجالات التكنولوجية والعلمية في السنوات القادمة، على سبيل المثال:
- في مجال المحاكاة:
1. الفضاء الجوي: عن طريق تحسين مسارات الطيران المثالية، مع أخذ أهم العوامل في الاعتبار مثل استهلاك الوقود والظروف الجوية، ومن ثم تقليل التكاليف والحد من التأثيرات البيئية.
2. الكيمياء: يمكن لأجهزة الحاسوب الكمومية محاكاة سلوك الجزيئات على المستوى الكمي، ما قد يمكّن الباحثين من دراسة التفاعلات الكيميائية بكفاءة أكبر ومن زوايا مختلفة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى إنجازات ثورية على مستوى تصميم المواد واكتشاف الأدوية مثلاً.
3. اللوجستيات: تستطيع الحواسيب الكمومية، وبسهولة، أن تحسن من تخطيط المستودعات وإدارة المخازن، فضلاً عن بقية العمليات اللوجستية عموماً، لتحسين الكفاءة وخفض التكاليف.
4. الماليات: يمكن للحواسيب الكمومية كذلك مساعدة المستثمرين في توزيع أصولهم بشكلٍ مثالي، يؤدي إلى زيادةٍ مضمونة في العوائد وتقليل المخاطر، فضلاً عن تسعير المشتقات المالية المعقدة بدقة، مثل العقود الآجلة، وبشكلٍ أكثر كفاءة.
- في مجالات الذكاء الاصطناعي:
بفضل الحوسبة الكمومية سيتم تدريب الآلة على كميات ضخمة من البيانات بسرعةٍ وكفاءة عالية، وهذا لما للخوارزميات الكمومية من مزايا مقارنة بالطرق الكلاسيكية، من حيث القوة الحسابية والقدرة على استخلاص رؤى ذات معنى، إلخ.
طبّق هذا الأساس على جميع مجالات الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال: في مجال معالجة اللغة الطبيعية NLP (المجال الذي يركز على التفاعل بين الحاسوب ولغة البشر)، سنرى أن لدينا ما يُسمى بـ "نماذج ماركوف المخفية الكمومية- HQMMS"، بدلًا من "نماذج ماركوف العادية"، لتحليل البيانات ومعالجتها بشكل أسرع، ومن ثم تطوير نماذج لغوية ذكية (مثل ChatGPT) أكثر تقدماً.
مجالٌ آخر من مجالات الذكاء الاصطناعي يمكن رؤية تأثير الحوسبة الكمومية عليه، هو "رؤية الحاسوب- Computer Vision"، وفيه تستخدم الآلة الخوارزميات لتحليل الصور والفيديوهات والتعرف على العناصر والأنماط الموجودة بها، وسيساعد استخدام الحواسيب الكمومية على اكتشاف الأنماط بشكلٍ أسرع وأدق، ومن ثم ستتحسن جميع الخدمات التي تعتمد على رؤية الكمبيوتر، مثل السيارات ذاتية القيادة ومجال التحاليل الطبية وغيرهما.
- في مجال الحماية والتشفير:
على الرغم من التهديد الذي تُشكله قوة الحواسيب الكمومية الحسابية لطرق التشفير الحالية، فإنها أيضاً تُبشر بطرق حماية وتشفير لا يمكن اختراقها، بفضل تقنية مثل "توزيع المفتاح الكمي- Quantum Key Distribution".
أشهر أنواع الحواسيب الكمومية
1. الحواسيب الكمومية فائقة التوصيل Superconducting: أحد أكثر أنواع الحواسيب الكمومية شيوعاً، وتُستخدَم فيه كيوبتس فائقة التوصيل ودوائر إلكترونية صغيرة جداً، وهي فائقة التوصيل لأن مقاومة التيار الكهربائي فيها منعدمة أو تكاد تكون منعدمة، ولهذا تعمل في درجات حرارة منخفضة للغاية، ومن أشهر الشركات المهتمة بهذا النوع IBM وGoogle.
2. الحواسيب الكمومية الفوتونية Photonic: تستخدم الوحدات الأساسية المكونة للضوء أو ما يُعرف بـ"الفوتونات"، بدلاً من الدوائر الكهربائية للتعامل مع البيانات والمعلومات، والأمر أشبه بطريقة عمل الألياف الضوئية، حيث تُحمَل المعلومات على الضوء، ولكن على المستوى الكمي، والاختلاف أن هذا النوع من الحواسيب لا يحتاج إلى درجات حرارة منخفضة جداً، وهو ما يُسهل من بنائها.
3. الحواسيب الكمومية ذات الذرات المحايدة Neutral Atom: يستخدم هذا النوع الذرات غير المشحونة الطافية في الفراغ (فراغ بدون هواء)، والمُثبّتة في مكانها بأشعة الليزر، وميزة الذرات المحايدة أنها أقل تأثراً بالمجال الكهربائي الخارجي، وهو ما يجعلها ثابتة، ويُعتَمد عليها في تخزين البيانات ومعالجة المعلومات، وتطور شركات مثل Pasqal وAtom Computing هذا النوع من الحواسيب.
4. الحواسيب الكمومية المحاصرة للأيونات Trapped-Ion: ذكرناها بالأعلى، وفيها تكون الأيونات (الذرات المشحونة) مُثبتة أو "مُحاصَرة"، باستخدام الكهرباء والمجال المغناطيسي، ما يؤدي لحفاظها على حالة التراكب الكمومي لفترات أطول، ومن أشهر الشركات الرائدة في هذه الحواسيب IonQ وQuantinuum.
5. الحواسيب ذات النقاط الكمومية Quantum Dots: النوع الأخير الذي سنتحدث عنه يستخدم قطعًا صغيرة للغاية من "السيلكون" تُسمى بالنقاط الكمومية لتخزين المعلومات، ومن خلال ربطها في أزواج، يمكنها أن تعمل مثل الكيوبتس، وما زالت هذه الحواسيب قيد التطوير بواسطة شركات مثل Diraq وQuantum Motion، ولا يزال البحث عن طريقة استخدامها في بناء حواسيب كمومية أقوى قائماً.
اقرأ أيضًا: ما هي الحوسبة السحابية وما هي أشهر تطبيقاتها؟
إمكانات وتحديات الحوسبة الكمومية
قبل أن نتعرف على التحديات التي تعترض طريق الحوسبة الكمومية، علينا أن نُلقي نظرة على المشهد العالمي الحالي إزاء هذه التقنية الثورية، حيث وصل الاستثمار العالمي في الحوسبة الكمومية إلى 35.5 مليار دولار في عام 2022، مع وصول الاستثمارات في الشركات الناشئة بمجال التكنولوجيا الكمومية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بواقع 2.35 مليار دولار.
ويقود الاستثمار في مجال الحوسبة الكمومية كلٌ من الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوربي، مع ظهور المملكة المتحدة وكندا والهند كلاعبين بارزين، وفي عام 2022 ضخت الصين وحدها ما يقرب من نصف إجمالي الاستثمارات (15.3 مليار دولار)، وجاء الاتحاد الأوربي في المرتبة الثانية بمبلغ 8.4 مليار دولار، ثم الولايات المتحدة الأمريكية فاليابان وتليها المملكة المتحدة.
إذا نظرنا لأشهر الدول المهتمة بالحوسبة الكمومية والمبادرات التي دشنتها في سبيل تطوير هذا المجال، فسنرى أن الولايات المتحدة مثلًا قد أطلقت "قانون مبادرة الكم الوطنية- National Quantum Initiative Act" في 2018، والذي نفّذ إطاراً للبحث والتطوير في هذا المجال، وخصص ميزانية قُدرت بـ 1.2 مليار دولار على مدار خمس سنوات (انتهت العام الماضي)، لثلاث وكالات محورية هي: "المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا NIST"، و"المؤسسة الوطنية للعلوم NSF"، و"وزارة الطاقة DOE".
ويلعب القطاع الخاص أيضاً دوراً كبيراً في هيمنة الولايات المتحدة على مجال الحوسبة الكمومية، والفضل يرجع لشركات أبرزها "IBM"، التي طورت في 2021 شريحة "Eagle" ذات الـ 127 كيوبت، ثم أتبعتها بشريحة "Osprey" ذات الـ 433 كيوبت في 2022، وفي ديسمبر من العام اللاحق، كشفت عن أول حاسوب كمومي بأكثر من 1000 كيوبت، هذا الحاسوب مبني على شريحة تُسمى "Condor" تحتوي على 1121 من الكيوبتس فائقة التوصيل Superconducting Qubits، وعلى ما يبدو فإن IBM لا تنوي التوقف، خاصةً أنها تعتزم بناء حواسيب كمومية واسعة النطاق large-scale Quantum Computers بحلول 2033.
على الجانب الآخر لا تألُ الصين جهداً في الاستثمار بهذا المجال وتطويره، إذ تعتبره صناعة استراتيجية ومجال للابتكار؛ ويكفي استثمارها بـ 15.3 مليار دولار واستضافتها لـ 12 مؤسسة بحثية متخصصة في تكنولوجيا الكم، وامتلاكها لأكبر عدد من الخريجين في هذا المجال ليعبر عن ذلك.
يُذكر أن الصين كانت ثالث دولة في العالم -بعد الولايات المتحدة وكندا- التي تبني حاسوباً كمومياً محلي الصنع، ناهيك أن فريقاً بحثياً هناك تمكن من تطوير أكبر حاسوب كمي فوتوني في العالم "Jiuzhang 3.0"، لتكون بذلك الدولة الوحيدة التي تحقق إنجازات غير مسبوقة في كلٍ من الحواسيب الكمومية أو الكيوبتس فائقة التوصيل والفوتونية.
أما كندا، فأطلقت استراتيجيتها الكمومية الوطنية National Quantum Strategy في عام 2021، ودعمتها بميزانية قدرها 360 مليون دولار، وظلت في الطليعة من حيث التسويق للحواسيب الكمومية على المستوى التجاري، والمفاجئة أن شركة "D-Wave Systems" التي أطلقت أول حاسوب كمومي في العالم "D-Wave One" هي شركة كندية بالأساس، علاوة على ذلك، فالشركة نفسها أطلقت أول حاسوب بسعة 5000 كيوبت في 2020 ووفّرته على السحابة -عبر خدمة Leap- للاستخدام التجاري.
ما الذي يخبئه مستقبل الحوسبة الكمومية؟
الآن سنتحدث عن التحديات ومستقبل الحواسيب الكمومية، ولكن يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً: هل نجحت الحواسيب الكمومية في يومنا هذا أن تُحقق إنجازاً أو تفوقاً حقيقياً على الحواسيب الكلاسيكية؟
للإجابة عن هذا السؤال شقان: عملي ونظري، أما العمليّ فهو أن الحواسيب الكمومية -وبخلاف ما قد يتوقعه البعض- لم تحقق أي تفوقٍ ملموس على الأجهزة الكلاسيكية التي لدينا حالياً، سواء على المستوى التجاري أو العلمي، إلا في بعض الحالات والنطاقات الضيقة التي لن يستفيد منها المستخدم العادي، خاصة بعد أن رفع الذكاء الاصطناعي سقف التحدي.
ولكن في الوقت نفسه، تُظهر الحواسيب الكمومية زخماً لا يُمكن إنكاره على المستوى النظري، فمنذ عام 2018 وعدد الكيوبتس يتضاعف كل عام إلى عامين، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة على الأقل، وبالرغم من انخفاض إجمالي الاستثمارات في هذا المجال بنسبة 50% في وقتٍ من الأوقات، فإن الحوسبة الكمومية استطاعت أن تنهض وتجذب 1.2 مليار دولار من أصحاب رؤوس الأموال في عام 2023، ما يؤكد استمرار الثقة في مستقبلها، بينما تنشط الحكومات بقيادة دول مثل الولايات المتحدة والصين في الاستثمار بهذه التكنولوجيا، متصورين مستقبلًا تلعب فيه الحواسيب الكمومية دوراً محورياً في الأمن القومي والنمو الاقتصادي.
ولكن لماذا لم نرَ إنجازات عملية كبيرة للحواسيب الكمومية على أرض الواقع إلى الآن؟
تُجيبنا التحديات عن هذا السؤال في النقاط التالية:
1. الظروف المحيطة: يعتبرها معظم الخبراء التحدي الأكبر، كون الحواسيب الكمومية حساسة للظروف المحيطة بها مثل الضوء وغيره من العوامل البيئية، فإذا تراكمت الظروف البيئية غير المناسبة ستنتج حسابات غير دقيقة.
2. قابلية تطوير الهاردوير: على الرغم مما أظهرته الحواسيب الكمومية من نتائج مبشرة، فإنها ما زالت بحاجة إلى تطويرٍ وتوسع مستمرين، خاصة على مستوى الكيوبتس، حتى تكون صالحة للاستخدامات العملية الفارقة، كذلك يجب الوضع في الاعتبار أن هذه البتات الكمومية حساسة للغاية، ما يعني صعوبة إدارة تفاعلاتها مع التطور.
3. قابلية تطوير السوفتوير: وذلك لأن الخوارزميات الكمومية وبرمجيات الحواسيب الكمومية عموماً ما زالت في مهدها، وهناك حاجة إلى لغات برمجية جديدة وإلى أشخاص أكفاء لتعلمها وتطويرها.
4. إيجاد المواهب: على ذكر الأشخاص الأكفاء، فإن عدد المتعلمين والمُدربين بشكل صحيح لدخول سوق العمل الكمومي صغير جداً، ومتبعثر في جميع أنحاء العالم، ومن ثم فإن العثور على المواهب المناسبة يُمثل تحدياً، والأمر يُشبه معضلة الدجاجة والبيضة، بمعنى أنك لن تجد الكثير من الشغوفين بهذا المجال حتى يتطور، وهو ما لن يتحقق دون الشغوفين.
5. إمكانية نقل البيانات من وإلى الحواسيب الكلاسيكية: من الضروري بمكان أن نعرف أن أجهزة الحواسيب الكمومية لن تحل محل الحواسيب التقليدية، ومن ثم فإن من الضروري أيضاً أن نجد طرق فعالة وموثوقة لنقل البيانات بين نوعي الحواسيب.
6. البروتوكولات: مع تطور الحوسبة الكمومية سنحتاج إلى معايير وبروتوكولات جديدة قابلة للتطبيق البيني بين منصات الحوسبة الكمومية المختلفة، كذلك ينبغي أن نضع معايير مرجعية، بالرغم من حداثة هذه التقنية، وهنا التحدي.
7. التكلفة: كما هو متوقع، والتكلفة هنا مُتَطلَّبة على جميع الأصعدة بداية من التشغيل، ومروراً بالصيانة وحتى المواهب النادرة.
فعلى الرغم من أننا لا نزال في بداية الطريق، وعلى الرغم من جميع التحديات التي تواجهنا، فإن مستقبل الحوسبة الكمومية، أو حوسبة المستقبل، واعد؛ يكفي حجم الاستثمارات والتطورات البحثية التي تُحرَز بشكلٍ شبه يومي، للوصول إلى أجهزةٍ عملية يمكن الاعتماد عليها، فقد أصبح الأمر فقط مسألة وقت.