"حوسبة الحافة".. وداعًا لتأخر زمن استجابة الإنترنت
في ظل الانتشار المخيف للبيانات ووصول إنترنت الأشياء "IoT" وتطبيقاته إلى مراحل متطورة لم نشهدها من قبل، أصبح الاعتماد على السحابة Cloud شيئًا لا يمكن الاستغناء عنه، إذ أصبحت مراكز البيانات المادية Data centers "موضة قديمة" عفا عليها الزمن، وذلك ببساطة لأن السحابة توفر كميات هائلة من الموارد الحاسوبية والذاكرة التخزينية التي أغنتنا عن تأجير أماكن عملاقة وتكديسها بالسيرفرات، أضف إلى ذلك أن الـ "Cloud" مرنة وتتيح لنا التوسع بكل سهولة.
ومع ذلك، لا تُعد السحابة الحل الأمثل للمشكلة المطروحة، فنقل البيانات من الخوادم/ السيرفرات السحابية إلى مصادرها الأصلية "المستخدمين" يأخذ وقتًا طويلًا -أو على الأقل يؤخر من معالجة البيانات- إذا كانت الخوادم بعيدة عن المصدر الأصلي، ناهيك أن كفاءتها -سرعتها- ليست بأفضل شيء. من هنا تبرز "حوسبة الحافة- Edge computing" كحلٍ رائع لهذه المشكلات، ولكن لحظة: ما المقصود بـ "حوسبة الحافة"؟ وكيف تعمل؟ ولماذا تتفوق على الحوسبة السحابية Cloud computing في بعض الحالات؟
ما هي حوسبة الحافة Edge computing؟ وكيف تعمل؟
حوسبة الحافة هي نموذج حوسبي Computing paradigm يشير إلى مجموعة الشبكات والأجهزة الموجودة بالقُرب من الحافة، ويُقصَد بالحافة Edge هُنا جميع الأجهزة القريبة من المستخدمين، أو بالأحرى من مصادر البيانات الأصلية، ولهذا سُميت بحوسبة الحافة Edge computing.
تقدم حوسبة الحافة نموذجًا أفضل من بقية النماذج التقليدية الأخرى، والتي تكون فيها القوى الحوسبية مُركزة في مركز للبيانات data center. لكي تفهم الأمر تخيل معي أنك تقود سيارة وتريد الذهاب إلى الموقع "س"، هذا الموقع بعيد عنك وأنت لا تعرف كيف تذهب إليه، ما يستوجب الاستعانة بنظام تحديد المواقع العالمي "GPS"، تفتح تطبيق خرائط جوجل وتُفعّل الـ "GPS" طالبًا إحداثيات الموقع، هُنا يُرسل التطبيق طلبًا لمركز البيانات الرئيس الذي يُنفّذ الأمر وسُرعان ما يُرسل لك الموقع على الفور.
ومع ذلك فإن عملية إرسال الطلب من تطبيق الخرائط إلى مركز البيانات الرئيس، والذي يحتوي على السيرفرات اللازمة لتشغيل "خرائط غوغل"، تحتاج إلى قدرٍ من الوقت وإن كان ثواني معدودة، وهذا على مستوى المثال المطروح قد لا يُمثل مشكلة، ولكن على مستويات أكبر قد يكون أزمة واضحة. في المثال المطروح، وفي حالة الحوسبة التقليدية، تعتمد سرعة تلقيك لموقع المكان "س" على قُرب مكانك الحالي -بالسيارة- بالسيرفر أو الخادم المركزي، أما في حالة حوسبة الحافة Edge computing، فالسيرفر سيكون بجانبك بغض النظر عن مكانك، ومن ثم فإن سرعة تلقيك لموقع المكان "س" ستكون عالية وشبه لحظية.
إذن فالاعتماد على حوسبة الحافة يُحسن من تفاعل الأجهزة والشركات مع بعضها البعض، والحقيقة أن هذا المفهوم يشمل كل صور التكنولوجيا، وبالأخص التكنولوجيا المُعتمدة على إنترنت الأشياء "IoT"، بدايةً من السيارات ذاتية القيادة ومرورًا بالروبوتات المؤتمتة وحتى خدمات البيع الذكية automated retail.
اقرأ أيضًا:"المستقبل للإبداع".. هل سيترك لنا الذكاء الاصطناعي مُتنفَّسًا وظيفيًّا؟
ممَّ يتكون نظام حوسبة الحافة؟
تتكون الأنظمة التقليدية للحوسبة بشكل رئيس من عددٍ ضخم -"يعتمد على حجم الخدمة"- من الحواسيب "السيرفرات" بداخل بناء فيزيائي ما.
لفهم هيكلة أو مكونات حوسبة الحافة، تخيل معي طريقًا سريعًا مُزدحمًا بعدد مهول من السيارات، ونظرًا لأن الطريق خالٍ من إشارات المرور أو من أي وسيلة لتنظيم تدفق هذه السيارات الجرارة، سيكون من المحتّم أن يتكدس الطريق وتتعطل الحركة لوقتِ ليس بقليل "يعتمد على عدد السيارات". يُمكنك أن تتخيل الحوسبة التقليدية على هذا النحو مع الاستعاضة عن السيارات بالبيانات وعن الطريق بالشبكة.
لحل مشكلة التكدّس "بُطء عملية معالجات البيانات"، تُقدم حوسبة الحافة حلاً بسيطًا يتمثل في توزيع عددٍ كبير من رجال المرور على طول الطريق وبشكل لا مركزي. بهذا يمكننا أن نقول إن حوسبة الحافة تتمثل من 3 مكونات رئيسة هي:
- أجهزة الحافة Edge devices: أي جهازٍ نستخدمه بالفعل في حياتنا اليومية يمكن أن يكون مثالاً على "أجهزة الحافة"، وهذا يتضمن الهواتف المحمولة والساعات القابلة للارتداء وغيرها من الأجهزة المحلية القادرة على معالجة البيانات بشكل آني.
- شبكات/ سيرفرات الحافة Network edge: على عكس الحوسبة التقليدية، لا تتطلب حوسبة الحافة شبكةً أو سيرفر مركزيا ضخما حتى تقوم بنفسها، ولكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى عددٍ من السيرفرات "رجال المرور في المثال السابق" الموزعة على أكبر نطاق ممكن لتكون قريبة من البيانات وبالتالي تعالجها بسرعة عالية.
- بنية تحتية قوية: وذلك لإدارة الأنظمة أو السيرفرات المحلية وربطها ببعضها. يُمكن أن تتضمن البنية التحتية الخوادم/ السيرفرات، وأجهزة الراوتر، والأماكن الفيزيائية.
ما الفرق بين حوسبة الحافة والحوسبة السحابية Cloud؟
دائمًا ما يرتبط المفهومان ببعضهما، وهذا لأن هناك تشابهات بينهما بالفعل، ولكن هذا لا يعني أن الفرق ليس شاسعًا.
من حيث المركزية: فالحوسبة السحابية مركزية وتعتمد على تخزين قدرٍ ضخم من البيانات، ولكن بشكلٍ مركزي، أي بعيدًا عن أجهزة المستخدمين. أما حوسبة الحافة، فغير مركزية وموزعة على أكبر قدرٍ ممكن من الأماكن حتى تكون قريبة من أجهزة المستخدمين ومصادر البيانات.
اقرأ أيضًا:"غوغل تسعى لرد الاعتبار".. "Gemini" قادم ليكتسح أدوات الذكاء الاصطناعي
سرعة الاستجابة: تأخذنا المركزية إلى سرعتين مختلفتين من الاستجابة؛ في حالة الحوسبة السحابية نلاحظ تأخر الاستجابة نتيجة لبعد السيرفرات المركزية، وهذا على عكس حوسبة الحافة كثيرة السيرفرات.
قوة المعالجة: ولكن هل السرعة وحدها تكفي؟ الأمر يعتمد؛ إذا كنا نتحدث عن قدرٍ ضخم من البيانات فالإجابة لا، وهنا قد تكون الغلبة للحوسبة السحابية نظرًا لتفوقها في قوة المعالجة بحُكم سيرفراتها المركزية الضخمة التي يُشار إليها بـ "مزرعة السيرفرات- Server farm" للدلالة على كثرتها. على الجانب الآخر تتفوق حوسبة الحافة في حالة البيانات الأصغر وتعالجها بسرعة فائقة.
التكلفة: الحوسبة السحابية مُكلفة بشكل عام إذا ما قورنت بحوسبة الحافة، وذلك لأنها تتطلب سيرفرات ضخمة وبناءً فيزيائيًا عملاقًا، وذلك على عكس حوسبة الحافة التي تعتمد على شبكة الإنترنت المحلية "LAN"، وعددٍ محدود من السيرفرات إذا ما كنا نتحدث على نطاق مجموعة محدودة من الأشخاص.
الأمان: هُنا الأمر مُعقد قليلاً ويعتمد على عدة سيناريوهات؛ في هذا السياق نجد أن حوسبة الحافة تثير بعض المخاوف الأمنية نظرًا لطبيعة سيرفراتها المنتشرة في كل مكان وصعوبة إحكامها بنظام أمني واحد، أما الحوسبة السحابية فتمتاز بأنظمة تشفير أكثر تقدمًا ويمكن اعتبارها أفضل قليلاً نظرًا لمحدودية مكان سيرفراتها.
الاستخدام: نستشف مما سبق أن الحوسبة السحابية تتألق عندما يتعلق الأمر بالبيانات الضخمة والتخزين طويل الأمد، في حين أن حوسبة الحافة تُبدع في النطاقات الأصغر مثل الحاجة إلى تقليل زمن الاستجابة low-latency كما في ألعاب الفيديو الأونلاين.
هل تستبدل حوسبة الحافة الحوسبة السحابية؟
في حال لم تستنج ذلك بعد، أو حتى قفزت مباشرة إلى هذه الفقرة، فالجواب هو: بالطبع لا، بل يُكملان بعضهما؛ حوسبة الحافة تُكمل نواقص الحوسبة السحابية فيما يتعلق بالوصول السريع إلى الأجهزة ومصادر البيانات، كما أنها تبرع في التطبيقات التي تتطلب معالجة وقتية وآنية real-time لتقليل زمن الاستجابة.
أما الـ "Cloud computing" أو حوسبة السحابة، فتمتاز بمعالجة البيانات الضخمة غير المرتبطة بالوقت كما أنها تتيح التوسع scalability وسهولة/ عالمية الوصول accessibility.
إذن فحوسبة الحافة هي نموذج لا بد من تبنيه، لا سيّما مع تطور إنترنت الأشياء وتوسعه بشكلٍ غير مسبوق، ولكننا في الوقت نفسه لن نستطيع التخلي عن الحوسبة السحابية نهائيًا نظرًا لما تقدمه من مميزات كثيرة ناقشنا بعضها أعلاه.