راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : القيادي الناجح
في بدايات مساري الوظيفي، كنت مديرًا لإحدى الإدارات وكان لدي موظف في الفريق أكبر مني سنًّا وأكثر خبرة، وبحكم قدمه في الإدارة وتمرسه في العمل، كان ملمًا بكل تفاصيل الإدارة ومتقنًا لكل الأمور الفنية والتقنية. ولكنه في المقابل كان سيئ الخلق مع زملائه ولا يحسن التواصل ولا التعامل مع الآخرين. فكنت في حيرة من أمري، فمن جهة هو جيد جدًا في عمله، ولكن في المقابل كانت شكاوى زملائه من سوء تعامله كثيرة.
فذهبت إلى مديري أستشيره عن كيفية حل الموضوع، فأعطاني خلفية كاملة عن ملف الموظف المذكور وكثرة مشكلاته السابقة مع زملائه. ثم استطرد قائلًا: "في كثير من الأحيان تكون بين خيارين أحلاهما مر، ولكن القيادي المتمكن يعطي أولوية لنجاح منظومة العمل ومكان العمل على الأفراد".
واتضح من حواري مع مديري أن هذا الموظف قد جرى نصحه وتوجيهه عدة مرات، ولكن بحكم خبرته وأنه الأقدم في الإدارة، فكان يعتقد أن لديه حصانة وأنه لا يمكن الاستغناء عنه. ولكن كما قال مديري حينها، مصلحة العمل أهم من الأفراد، فكان خياري الوحيد أن أتخلى عنه، لمصلحة المنظومة وباقي أعضاء الفريق.
تعلمت من هذه التجربة الصعبة في بداية حياتي العملية درسين مهمين:
- لا يوجد موظف أكبر أو أهم من المنشأة. لا يوجد مكان عمل يقف أو يتعطل بسبب غياب شخص أو فصله، وإن حدث ذلك، فهو خلل في حوكمة المنشأة نفسها، وعليه يجب أن يكون انتقال المعلومة وتوافرها لمصلحة العمل متوافرة وموثقة بالحوكمة المناسبة.
- الأدب في التعامل مع الآخرين وحسن السيرة والسلوك أهم من خبرتك ومهارتك في وظيفتك. المهارة يمكن تعلمها، ولكن إن لم تكن تحسن أخلاقيات التعامل مع الآخرين من الأساس فذاك أمر يصعب تعلمه.
مهما كنت بارعًا في عملك ومجالك، ومهما كنت متمكنًا وتقنيًّا محترفًا، مهما كان المجال، فكل ما تعرفه يوجد من هو مثلك أو أفضل منك، وفي كل الأحوال، كل المجالات قابلة للتعلم، وكما يقولون باللغة الإنجليزية "فهو ليس من علوم صناعة الصواريخ"، وأزيد أن حتى علم الصواريخ قابل للتعلم. ولكن أخلاقيات التعامل واللباقة وحسن الأدب لا تقدر بمال وهو ما يصعب تعلمه إن لم يكن من طباعك أصلًا. وكثير من الشركات والقادة تفضل الأفراد ذوي حسن السيرة والسلوك في التعامل مع زملاء العمل على الحرفية والتقنية، وستجد أن كل القادة لديهم هذه القدرة والذكاء العاطفي في الوعي بالآخرين وقراءتهم لمعرفة كيفية التعامل معهم بطريقة تعكس روح الفريق والاهتمام والقيادة. تذكر دائما أن ليس كل مدير هو قائد بالضرورة، فكثير منهم يفتقرون للقيادة، وفي المقابل كل قيادي هو مدير ناجح.
بطبيعة الحال، الواقع ليس مثاليًّا وكثيرًا ما نضطر في العمل والتعامل مع شخصيات من هذا النوع، وأحيانًا نراهم ناجحين في تقدمهم الوظيفي، ما يجعلنا نتساءل إن كانت طريقة عملهم صحيحة أو مناسبة. وهنا أقول إنه قد يحدث ذلك، ولكن عاجلًا أو آجلًا، ستضيق المنشأة والمسؤولون ذرعًا بهم وسيجري التغيير، وفي أحسن الأحوال، سيكسبون كره من حولهم. وفي المقابل فإن المديرين ذوي الحس القيادي المتقد والقدرة على كسب الموظفين وتحفيزهم هم الأفضل للعمل تحت قيادتهم. وإليكم بعض العلامات التي يتصفون بها:
- لديهم ذكاء عاطفي عالٍ
- يفضلون توظيف من هم أفضل منهم خبرة في المجال
- يركزون على الأهداف والنتائج لا على التفصيل
- غير متسلطين ولا متحكمين
- عند حدوث خطأ، فإنهم يركزون على إيجاد الحل والمضي قدمًا، دون تضييع الوقت في إلقاء اللوم على هذا أو ذاك.
وأخيرًا أقول: ما هو أهم من أن تكون هذه الصفات في مديرك المباشر، هو أن تتعلمها أنت وتجعلها من صفاتك وطريقة إدارتك.
«كل ما لا تغيره في حياتك، فأنت قانع به». – لوري بيوكانان