راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل»: بين المحفز وردة الفعل تكمن حريتنا
كلنا معرضون لتحديات الحياة، وذلك من العدالة الإلهية، ولكن بعضنا أفضل من غيره في التعامل مع تحدياتها. يكمن جوهر الفروقات بين ردة الفعل من شخص لآخر في قوة الإيمان والإرادة والعزيمة، التي تتعلق بالتحكم في ردود أفعالنا على المؤثرات الخارجية، وهو ما يعني في الأساس التحكم في مشاعرنا. بطبيعة الحال الكلام أسهل من الفعل، وقد أثبتت الدراسات أن المسألة أكبر من مجرد قوة إرادة وتحكم في ردود أفعالنا.
فبينما السيطرة على النفس والانضباط ضروريان، فإنّ ردة فعلنا على أي محفز خارجي ليست نتيجة لقرار نتخذه في اللحظة فحسب، ولكن بسبب توصيل مسبق في نظامنا العصبي يشترط علينا أن نتفاعل بالطريقة التي نفعلها. وفي معظم الأحيان، أنشئت هذه التوصيلات المسبقة في أدمغتنا في أثناء نمونا، إما من خلال مشاهدة كيفية تفاعل والدينا مع مواقف مماثلة، وإما مما تعلمناه من محيطنا بشكل مباشر أو غير مباشر.
معظم مشكلاتنا ومخاوفنا وعدم ثقتنا بأنفسنا أو الآخرين تتكون في مراحل الطفولة، إما عن طريق مراقبتنا للبالغين حولنا كالوالدين مثلاً، وإما عن طريق محيطنا الخارجي من أهل وأصدقاء ومعلمين وغيرهم، وكيفية تعاملهم مع هذه المواقف؛ ما يضع توصيلات معينة في نظامنا العصبي: إنْ حدَثَ كذا فيجب أن أرد بكذا، وإن صار هذا الموقف أو ذاك فردة الفعل يجب أن تكون بطريقة معينة. ومن ثم فالتعامل مع المحفزات الخارجية يعني أن تكون على دراية بالتوصيل العصبي المسبق، وأن تبذل جهدًا واعيًا لإنشاء توصيل جديد إن احتاج الأمر إلى ذلك، وذاك هو مفتاح النجاح. فور أن ندرك نمط التوصيل العصبي، فسنعرف السبب الرئيس، ومن ثم يمكننا وضع خطة الحل. باختصار، لتغيير مكانك في الحياة، تحتاج إلى أن تكون مستعدًا لتغيير طريقة ردك على العوامل الخارجية من حولك.
اقرأ أيضًا: راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : التغيير يبدأ من الداخل
تخيل معي شخصًا ينزعج بسهولة ممن حوله من قائدي السيارات في أثناء القيادة، ويبدأ في الشتم والصراخ فيهم حتى لو كان في وسط محادثة لطيفة مع الشخص الذي يجلس بجانبه: يبدأ في الشتم، ثم يعود إلى المحادثة. قد يكون شخصًا هادئًا بشكل عام، إلا عند القيادة فهو شخص آخر، بسبب توصيل عقلي مسبق عن كيفية التفاعل مع أي سيارة تقطع طريقه. ربما تعلَّم ذلك من والده عندما كان طفلًا أو من أصدقاء أكبر سنًا علموه كيفية القيادة.
لتبسيطها أكثر، عندما تضغط على زر أو مفتاح الضوء في غرفتك سيضيء النور في سقف الغرفة. إذا كنت تريد جعل ذلك المفتاح المحدد يشعل الضوء على الشرفة بدلاً من السقف، على سبيل المثال، فإن الكهربائي يحتاج إلى إعادة توصيل ذلك المفتاح ليتحكم في إضاءة الشرفة وليس غرفتك. الشيء نفسه يحدث في أدمغتنا. نحن ننشئ تلك العقد العصبية الكهربائية أو الاتصالات في أدمغتنا في مراحل مبكرة من عمرنا، وهي التي تحدد كيف نتفاعل مع محفزات معينة.
معرفة مفاتيحنا الخاصة، إن صح التعبير، تجعلنا على دراية بتوصيلاتنا ومن ثم نستطيع العمل على تغيير التوصيل الذي نحتاج إلى تغييره. هذه المهارة تتطلب دماغًا وجسمًا نشطًا وصحيًّا وشهية قوية لتعلم مهارات جديدة. إليك بعض النصائح:
• كن نشطًا بدنيًّا، فالجسم السليم يعني عقلاً سليمًا.
• احتفظ بعقل نشط وفاعل. العب ألعاب الفيديو أو الألغاز أو الألعاب العقلية اللوحية، أو تعلم لغة جديدة.
• حدد أفضل 2-3 عادات توصيل مسبقة تريد تغييرها. اكتب المحفز والرد الذي يحدث. اكتب الرد المثالي الذي تريده وابدأ في التركيز لمدة شهر كامل يوميًّا على تطبيق ذلك الرد الجديد.
• احتفظ بعقلية إيجابية تؤمن أنه يمكنها القيام بذلك التغيير.
"بين المحفز وردة الفعل، تجد مساحة زمنية أو فراغًا. في ذلك الفراغ تكمن قوتنا في اختيار ردود أفعالنا. وفي ردنا يكمن نمونا وحريتنا"
- فيكتور فرانكل.