"إحداها أهدرت 200 مليار دولار".. أسوأ قرارات شركات التقنية في التاريخ
نوكيا، كوداك، ويسترن يونيون، وغيرها من الشركات الأخرى، كانت تتربع على عروش أسواقها، ولكنه قرار؛ قرارٌ واحد كفيل بضمان سيطرتها وهيمنتها، كما أنه قادر على رميها خارج خارطة التقدم والتطور. أثبتت لنا هذه الشركات أن دوام الحال من المُحال وأن أباطرة أي مجال يُمكنهم أن يهووا بسبب قرار واحدٍ أهوج يكلّفهم كل شيء، من هذا نتناول 5 قصص مختلفة نُدلل فيها على ما نقول.
نوكيا ونظام ويندوز
ظلت شركة "نوكيا" متربعةً على عرش الهواتف المحمولة لما يزيد على عشر سنوات، ولكن بسبب قرارٍ أهوج، سقطت سقوطًا مدويًا مع مطلع العقد السابق لم تستطع النهوض منه حتى يومنا هذا. ففي ذلك الوقت، خطفت هواتف الآيفون القائمة على نظام تشغيل iOS وهواتف سامسونغ المُعتمدة على نظام أندرويد، المشهد وشكّلا تهديدًا حقيقيًا لمكانة "نوكيا" في السوق، بل في الواقع استطاعت "سامسونغ" أن تتخطى "نوكيا" في 2010.
في ذلك الوقت وجدت "نوكيا" نفسها أمام حلٍ من اثنين، إما تبني نظام تشغيل جديد كليًا، أو تُتسلح بنظام الأندرويد الرائع وما يقدمه من مميزات كثيرة. رجّح المدير التنفيذي لـ"نوكيا" وقتها، ستيفين إلوب Stephen Elop، كفة الخيار الأول وأبرم اتفاقًا استراتيجيًا مع "مايكروسوفت" لاستخدام نظام ويندوز الشهير خشية استمرار هيمنة "سامسونغ" على السوق وتجنبًا لمنافستها المباشرة، ومن تلك اللحظة كانت بداية النهاية.
بدأ الانهيار سريعًا لدرجة أن "إلوب" قد عدل عن قراره، واقترح تبني نظام أندرويد بعد فشل الويندوز، ولكن هذا لم يحدث، فـ"نوكيا" استمرت بالتعنت إلى أن اندثرت. ويُذكَر أن "مايكروسوفت" قد أعلنت استحواذها على شركة "نوكيا" في سبتمبر 2013 بمبلغ 7.2 مليار دولار، وهو الأمر الذي عارضه ساتيا ناديلا "المدير التنفيذي لـ"مايكروسوفت" وقتها، وهو أيضًا ما يمكن اعتباره قرارًا أهوج وغريبًا من "مايكروسوفت"؛ فكيف تستحوذ على شركةٍ بمبلغ 7.2 مليار دولار إن كانت هذه الشركة قد فشلت بسبب نظام تشغيلها؟
عندما كانت نيتفلكس بـ 50 مليون دولارًا فقط!
في سبتمبر 2000، عرض المؤسسان الشريكان لنيتفلكس ريد هاستينغز Reed Hastings ومارك راندولف Marc Randolph، على شركة تأجير شرائط وألعاب الفيديو Blockbuster صفقةً لشراء "نيتفلكس" بمبلغ 50 مليون دولار فقط، وهو ما قابله المدير التنفيذي لـ Blockbuster، جون أنتيكو John Antioco، بالرفض مُقللاً من شأن "نيتفلكس".
لم يكن قرار "أنتيكو" خاطئًا فحسب، بل كان فادحًا بكل ما يحمله الوصف من معنى، حيث ضيَّع فرصةً تُقدّر قيمتها الآن بما يفوق الـ 200 مليار دولار! يُقال إن "أنتيكو" أمسك ضحكاته عندما سأل "هاستينغز" عن المبلغ المطلوب ورد عليه الأخير بـ "50 مليون دولار"، والآن لا بد أنه يعض أصابع الندم.
اقرأ أيضًا:ماذا تعرف عن "Starlink ستارلينك"؟.. أسرع إنترنت فضائي في العالم
أمازون تطرح هاتفًا باهظ الثمن ولا أحد يعرف لماذا؟!
أغرت أرباح سوق الهواتف المحمولة شركة "أمازون" فقررت اقتحامه في 2014 عندما أطلقت في الخامس والعشرين من يوليو ذلك العام هاتف الـ "Fire phone"، والذي تمتع صراحةً بعدة مميزات فريدة مثل امتلاكه لأربع كاميرات أمامية بمستشعر جيرسكوب، وهو ما أسمته الشركة "المنظور الديناميكي- Dynamic Perspective"، فضلًا عن ميزة الـ "X-Ray" وميزة شبيهة بعدسات "غوغل" أطلقوا عليها " Firefly product identifier"، كل ذلك كان مميزًا، ولكنه لم يكن كافيًا على الإطلاق.
فلا يمكن لمميزات كهذه، وإن كانت مفيدة أو حتى رائدة، أن تُنقذ أي هاتفٍ إن كان بجودة رديئة، أو مواصفات متدنية لا تُرضي تجربة المستخدمين، ولسوء الحظ أن كل هذه المساوئ تواجدت في الهاتف، والأدهى أن سعره كان مرتفعًا للغاية وقتها "200 دولار تقريبًا"، ما جعل المستهلكين يتساءلون: لماذا نتجه لهاتفٍ كهذا بينما يمكننا شراء سامسونغ أو آيفون بنفس السعر تقريبًا؟
وما هي إلا أشهر قليلة حتى تُعلن "أمازون" في أكتوبر 2014 عن خسارتها لـ 170 مليون دولارًا بسبب الـ "Fire Phone" الذي تخلصت من مخزونه غير المبيع والذي قُدّر بـ 83 مليون دولار. وبعد أقل من سنة واحدة فقط على إطلاقه، تعترف "أمازون" بفشلها بأن أوقفت خط إنتاجه، إذ إنه من الواضح أن القرار لم يكن مدروسًا بالمرة!
ندمٌ متأخر
حال شركة "Western Union" الآن من حال الكثير من الشركات التي تقدم خدماتها لتحويل الأموال. ذاعت شهرتها تقريبًا في القرن التاسع عشر، واعتمدت على جهاز التليغراف لإرسال الرسائل من وإلى المُدن والولايات، بل وحتى البلدان، إذ كانت في البداية شركة اتصالات، وذلك قبل اختراع الهاتف.
عندما كشف "ألكساندر بيل" عن اختراعه الثوري في عام 1876، أراد -بطبيعة الحال- أن يستفيد منه ماديًا، فذهب إلى شركة الاتصالات الرائدة وقتها "Western Union" وعرض عليها اختراعه مقابل 100 ألف دولار، وهو ما كان يُمثل ثروة آنذاك، وعليه، رفضت الشركة العرض، ورأت أن أحدًا لن يتخلى عن التلغراف ويستخدم هاتف "بيل" المزعج وباهظ الثمن.
وعلى عكس ما توقعت تمامًا، حظي اختراع الهاتف بشهرة جارفة كما نعلم جميعًا، وسعت الشركة لتصحيح خطئها بأن حاولت الاستعانة بـ"توماس إديسون" ليصمم لها نُسخة مُحسنة من اختراع "ألكسندر بيل"، وهو ما واجهه الأخير بصرامة، حيث قاضاهم وربح القضية لينعم واختراعه بنجاحٍ ساحق ولتندم "Western Union" على نبذ الاختراع الرائد.
من الهيمنة إلى التماس الحماية من الإفلاس
لعقود طويلة تخطت القرن، كان اسم شركة "كوداك- Kodak" والتصوير الفوتوغرافي وجهين لعملة واحدة. تأسست هذه الشركة في عام 1880، وبحلول سبعينيات القرن الماضي، كانت تسيطر على 90% من سوق صناعة الأفلام، و85% من سوق الكاميرات، وتوظّف ما يزيد على 60 ألف شخص، صرحٌ عملاق بلا ريب.
في عام 1975، استطاع أحد مهندسي الشركة الأفذاذ، ستيف ساسون Steve Sasson، أن يصنع أول كاميرا ديجتال في التاريخ قادرة على إنتاج صورٍ دقتها 100,000 بيكسل، أي 0.1 ميجا بيكسل فقط، رقمٌ لا يُذكر في عصرنا الحالي بالطبع، ولكنه وقتها كان شيئًا مذهلاً.
ولأن ذلك الاختراع كان شيئًا رائدًا لم يُرَ مثله من قبل، استثمرت شركة "كوداك" فيه مليارات الدولارات واهتمت جدًا بتطويره، ولكن خوفًا من إفلات سيطرتها المحكمة على سوق الأفلام والتصوير التقليدي، ظلت تماطل وتماطل إلى أن فاتها القطار، فدخولها إلى عالم الديجيتال في التسعينيات كان متأخرًا، وثورة الميجا بيكسل كانت قد تفشّت بالفعل.
انتهى مصير "كوداك" بسبب جشعها، وبعد سيطرة واستبداد بالسوق، أصبحت في حالة يُرثى لها؛ سرّحت 50 ألف موظّف، وتقدمت بطلب التماسٍ وحماية من الإفلاس في 2012، كما أعلنت أنها ستتخلى عن خط الكاميرات الرقمية التي فشلت فيه.
ما نتعلمه من هذه الدروس والعثرات، أن الفرصة لا تأتي مرتين؛ شركات كانت تلامس عنان السماء وسرعان ما هوت نتيجةً لرعونتها وقِصر نظرها عندما واتتها الفُرص، وشركات أخرى لم تنجح سوى لأنها استغلت الفرص ودرست احتياجات السوق أولاً ثم ركّزت على احتياجاتها ومن ثم مطامعها في الأخير.