أسرار من خلف المقود.. القصة الحقيقية لـ "بورشه 928"
قبل البدء بالحديث عن "بورشه 928"، لا بد من الاطلاع على الظروف التي أدت إلى نشأتها، والسر الذي كانت تخفيه. ففي القسم الأخير من ستينيات القرن الماضي، كانت "بورشه". وبفضل طراز "911"، قد كرّست نفسها صانعًا للسيارات الرياضية، يوفّر طرازات تحقق التوازن المثالي بين الجودة العالية، والقدرات الرياضية والتكلفة، بشكلٍ يجعل عميل "بورشه" يجد في مكونات سيارته، وفي أدائها عائدًا مرضيًا عن كل ما دفعه مقابل الحصول عليها.
هنا أرادت "بورشه" أن تعزز هذا الحضور الذي يميزها في الأسواق عن غيرها من صانعي السيارات الرياضية عالية الأداء من خلال طراز آخر، يلعب أكثر على وتر العملانية. لذا، وانطلاقًا من هذا الأمر والتفاعل مع متطلبات الحقبة التي كان شبح أزمة النفط قد بدأ يلوح في الأفق، قررت تصميم وإنتاج سيارة مناهضة بشكلٍ شبه تام للفلسفة التصميمية التي قامت عليها "911"، سيارة كوبيه مزوّدة بمحرك من ثماني أسطوانات، مثبّت بوضعية أمامية مع تبريد بواسطة الماء، أي على العكس من محرك الأسطوانات الست ذات التبريد الهوائي "حتى الجيل 996"، والوضعية الخلفية للشقيقة الأسطورية "911".
حتى الآن كل شيء طبيعي، وذلك لأن خطوة "بورشه" بتعزيز حضورها في عالم السيارات الرياضية الفاخرة من خلال سيارة عملية أكثر هو أمر ممتاز. ولكن السر الذي قد لا يعرفه الجميع هو أنّ "بورشه" كانت تهدف لأن يحل طراز "928" محل طراز "911"، أي أنها كانت تطمح لأن تستبدل الطراز الذي صنع مجدها بفضل هندسته الحصرية، بطراز يحمل مواصفات تقليدية يمكن أن تجدها في أي سيارة أخرى.
اقرأ أيضًا:أسرار من خلف المقود.. "Porsche Panamericana" نواة الحاضر المزدهر
وفي الحقيقة، فإنّ المدير الإداري للشركة "إرنست فورمان" كان يضغط على مؤسس الشركة "فرديناند بورشه" للموافقة على تطوير "928" الجديدة، بسبب مخاوف من أنّ طراز "911" قد وصل إلى حدود إمكاناته التطويرية القصوى، فهو كان يعتقد أنّ مستقبل الشركة يعتمد على السيارات السياحية الكبيرة ذات المحركات التقليدية، بدلاً من السيارات الرياضية غير التقليدية بمفهومها وهندستها. ولعل تراجع مبيعات "911" في منتصف السبعينيات جاء ليؤكد أنّ النموذج كان يقترب من نهاية دورة حياته الاقتصادية.
وهنا لا نريد أن نقول إنّ "فورمان" لم يكن صائبًا بتصوراته، بل على العكس من ذلك، فهو كان يفكر كما يمكن لأي شخص آخر عاقل أن يفكر، إذ إنّ تصميم سيارة رياضية سياحية كطراز "928" كان أفضل مزيج ممكن بين سيارة كوبيه رياضية، وبين سيارة سيدان فاخرة، سيارة من شأنها بفضل ما توفره من عملانية، أداء عالي، وتصميم جذاب، أن تتميز عن "911" التي لا تتمتع بمقصورة رحبة، والتي كانت وضعية محركها في الخلف تؤثر سلبًا على توازنها الديناميكي. ولكن ما غاب عن بال أصحاب القرار الأول لدى "بورشه"، بمن فيهم "فورمان" نفسه، هو أنّ قيمة "911" كاريرا الحقيقية هي أنها تتحدى المنطق، وتفرض حالة خاصة ربما تكون لا منطقية، لكنها بكل بساطة أفضل من المنطق، حالها بذلك حال أعظم التحف الفنية في التاريخ.
وهكذا، وما أن تم تطوير جيل آخر من طراز "911" حتى عاودت مبيعاته للارتفاع مجددًا في الأسواق، ولتكتشف "بورشه" أهمية الحفاظ على خصوصية السيارة التي لا تزال تتوفر في الأسواق حتى اليوم، ولتكتشف أيضًا أنّ التوازن بين المواصفات العملية والروح الرياضية العالية يتوافر من خلال الجمع بين طرازات الأداء العالي كـ "911"، بوكستر وكايمن وبين الطرازات العملية كـ "كايين"، باناميرا وما كان تحت سقف واحد.