الفنان التشكيلي عصام عسيري: ليس لدينا ثقافة للاستثمار في الصورة
درس الهندسة الميكانيكية وبعد عام اكتشف أنها لا تناسبه، ليعود لعشقه الطفولي وشغفه بالخط والرسم، وليبرع في زواياه وشكله، متأثرًا بوالده وجده في خطهما الجميل، فتخصص في تعليم الفنون الجميلة، ووقع في هوى التجريدية لبساطتها، وكان للنحت نصيب بين دراساته، محافظًا على الهوية الجنوبية العسيرية التي يضع ما بين ألوانها الأربعة ورسومها رحاله وفنونه وفلسفته اللونية.
الدكتور عصام عبد الله عسيري الأستاذ في جامعة جدة يتحدث لمجلة "الرجل" عن الفنون التشكيلية السعودية، وكتابه الذي ذاع صيته قبل أن يطرح في معرض الكتاب والنادي الأدبي، وكيف أن الفن مرتبط ارتباطًا وثيقًا بكل المجالات العلمية والهندسية والاقتصادية.
ما بين الرقم والريشة من هو الدكتور عصام عسيري؟
إنسان محب للجمال، محب للإبداع، رجل مكافح في مجال العلم والفن، بدأت أكتب في الصحافة من عام 1417هـ، وفي الفن من عام 1415، ولي ما يقارب 500 مقالة، ما بين مقالات فنية، وأكاديمية، وقد ذُكر اسمي أكثر من 500 مرة كمرجع في دراسات خصوصًا في بوابة اقتصاد المعرفة حيث يستعين كثير من الباحثين بالمقالات التي أكتبها ويترجمها.
صدر لي كتاب بعنوان (العين الثاقبة).
ما بين العمل الأكاديمي والنحت والفن، أين أنت؟
لا أستطيع أن أحكم لأن الفن مترابط ولكن أميل إلى الفنون البصرية، وبالطبع للفنون التشكيلية من فنون الرسم والتلوين والخط والزخرفة والتصميم وفنون الخشب ومنحوتات المعادن جزء كبير من حياتي، لأن البحث في التصاميم والفنون هو تخصصي وأجد أنه متعلق بكثير من العلوم المختلفة منها الهندسة والعلوم والتقنية، والاقتصاد والمجتمع وعلم النفس، لذلك أجد أن الفن بزواياه المختلفة جامع لكل المعارف العلمية، والبصرية، والحسية، وأنا أدور حولها جميعًا.
اقرأ أيضًا: الفنان حكيم جمعة: أتمنى وضع اسمي ضمن مؤسسي السينما السعودية (فيديو)
مفهومك لنمو الإنسان وتطوره؟
الإنسان في عصرنا الحالي ينمو بأربع أقدام يجري بها كالحصان وهي العلوم والفنون والآداب والتقنيات، هذه الأركان إن اختفى واحد منها تتغير المعادلة، ويصيبها الخلل.
يقال إن لكل شخصية لونًا فما هي فلسفة الألوان وارتباطها بالإنسان؟
اللون بيني وبينه حكاية عجيبة، فبين كل فترة وأخرى أرتبط بلون ويصبح هو المفضل لدي، بدأت حكايتي مع الألوان المائية عندما كنت في بريطانيا وأظنها ألوانًا سحرية، أو معزوفة موسيقية على الأوراق، ثم الألوان الزيتية والأكريليك على أقمشة الكانفاس، وبالطبع اللون مرتبط بالإنسان فهو محور حياته الكوني ما بين السماء والأرض، التراب والبحر، الشجر، العصافير كلها تشكل مفاهيم البشر وذاكرتهم، ومن ثم نحن نعيش داخل المجموعة اللونية التي تؤثر فينا بشكل مباشر، ولكل لون سره الخاص، وتعبيراته المترابطة بعضها ببعض، التي تصنع سعادة تخاطبنا بصريًّا، ومن ثم نفسيًّا، وأنا أجد أن لكل مرحلة لونها الخاص، لكل مناسبة لونها الخاص.
ولكل لون تفاصيله التي يمكن أن تصنع منه كتابًا كاملاً بداية من الرؤية الفيزيائية لمجموعات الألوان والقيم، وبيولوجية العين في استقبال الصور والألوان ودور العقل في الفهم والاستيعاب، ثم سيكولوجية الفرد في التعامل والتفاعل مع المرئيات ومنها الألوان، ونهاية حياة اللون داخل الثقافة والحياة العامة، وقد نظّمت كلية التصاميم والفنون لقاءً ثقافيًّا بالتعاون مع كلية الطب كان أحد محاوره اللون في التشخيص السريري للمرضى.
دكتور عصام أنت فنان جنوبي التراث حجازي النكهة فكيف أثرت فيك الثقافات السعودية المختلفة؟
لا يوجد أي فروق ثقافية، أو فنية بين المنطقة الحجازية، والجنوبية، إنه اختلاف في اللهجة ولكن العادات والتقاليد والأبجديات الأساسية واحدة لحد كبير، كما لاحظت مجتمعات الحجاز المتناثرة على امتداد سلسلة جبال السروات، إنها مجتمعات تقدّس الجمال وتعشق الجميل وتتغنّى به وله.
لعل أكثر ما يعجبني في المنطقة الجنوبية صفاء ونقاء التراث والهوية، ففن الزخرفة العسيري فن أصيل يُصنع بأيدي أهالي المنطقة أنفسهم ويتوارثون أصوله وقواعده وطرقه، بينما تراث شمال الحجاز يُرى كتراث هجين ما بين الطرز الهندية والجاوية والعربية من تأثير الفاطميين، إضافة إلى العثماني، لذلك لا يوجد فيها هوية صافية تمامًا، ولعلي أميل إلى البساطة الشكلية المعتمدة على الخطوط المستقيمة في الفنون والتصاميم الزخرفية في العمارة والأزياء والجواهر، والبساطة اللونية، حيث يستخدمون في الغالب أربعة ألوان أساسية في تعبيراتهم البصرية (أصفر، أحمر، أخضر، أزرق) والأبيض والأسود هي ألوان حيادية، وأنا أرى أنه لا بُدَّ من المحافظة على هذه الهوية وتطوير تراثنا الشكلي واللوني والبصري عموما.
ومن باب أولى نحن أبناء المنطقة نعمل على المحافظة عليها من خلال المتاحف الأهلية المنتشرة في كل مدينة وقرية سعودية، وقد تأثرت أيضًا بفنونهم التجريدية لأنها أشكال هندسية بسيطة وألوان صافية محددة تنطق بالمعاني والقيم الجمالية في العلاقات والصياغات.
الفن مدارس فلأيٍّ منها تنتمي؟
بدأت مع التجريدية ولم أخرج منها، ولكن أود أن أنوّه بأنّه لدينا في السعودية مشكلة في المسميات، فهناك من يقول إنّه ينتمي للمدرسة الواقعية مثلاً دون أن يدرك معناها.
عن نفسي أعجبت بالمدرسة التأثيرية والمدرسة التجريدية، وجذبني التجريد الهندسي كوني درست هندسة في بداياتي، والفن أصبح يجمع ما بين مختلف التخصصات.
هل الفن التشكيلي يحقق الثراء؟ ولماذا لا يوجد (مزاد) للمقتنيات الفنية في السعودية؟
أنا مهتم بسوق الفن وبدأت المسألة عندما كنت عضوًا في بيت التشكيليين، وحينها وجدت أنه من ضمن مهامنا بيع وتداول الأعمال الفنية، ما يعود على الفنان بمقابل مادي ينفقه على توسعة عمله، ولكن أعتقد أن لدينا مشكلة في ثقافة الاقتناء، وثقافة الادخار والاستثمار في الإبداع والجمال، لذلك أقترح في نهاية حصص التربية الفنية أن يختار الطلاب أفضل ثلاثة أعمال أنتجوها ثم يكون عليها تصويت وبيع في مزايدة، حيث تبدأ المزايدة بريال أو خمسة وتنتهي بحسب السعر المعروض، ومن ثم يُعرض العمل الفني في المعرض السنوي للمدرسة بخمسين ريالاً مثلاً، حيث يتاح للأهالي شراء أعمال أطفالهم ودعم الجيل الناشئ مبكرًا.
كل هذه مفاهيم وخطوات تعلم الطلاب مفهوم الإنتاج والصناعة والتجارة، وفن الادخار والاستثمار.
أين أنت من الخط العربي؟
درّست ما يقارب 1500 طالب الخط العربي منذ بداية عملي في مؤسسات التعليم العالي لليوم، وأقمت عدة دورات في المجال نفسه، وكتبت عدة مقالات في الخط العربي وتراثه العظيم منها مقال (الألف والإنسانية)، وحاليًّا أنا أمين سر نادٍ هاوٍ للخط العربي في غاليري عزف الحروف بجدة، تقام فيه حوارات، وندوات، ولقاءات، وورش عمل.
اقرأ أيضًا: الفنان حسين فهمي لـ «الرجل»: بالنية الخالصة ستنجح السينما السعودية وننتظر منها نتائج قوية
كم معرضًا في رصيدك؟ وما عدد لوحاتك؟
لم أُقم للآن معرضًا فرديًّا، ولكن شاركت في ستة عشر معرضًا تشكيليًّا جماعيًّا، أما لوحاتي فهي نحو 600 لوحة منها ما جرى اقتناؤه، ومنها موجود في بعض الصالات الفنية ومنها متاح بالمرسم، ولدي مجموعة مقتنيات تصل لنحو 3000 قطعة بدأت جمعها منذ ما يقارب من عشرين سنة من فنانين سعوديين وعرب وأجانب.
متى سيكون لدينا معارض تهتم بفن النحت؟
بدأ هذا الفن يأخذ نصيبه أخيرًا، وزارة الثقافة لديها اهتمام بكل أنواع الفنون، وقد أخذت فنون النحت الحديثة نصيبًا منها، وبدأنا نشهد حراكًا في هذا الاتجاه فبدأت الملتقيات النحتية المتخصصة في فن النحت، والمعارض تضم مجسّمات جميلة، ولدينا استوديوهات ومراكز لفن الخزف، وسنويًّا سيكون لدينا ملتقيات عالمية في جدة والرياض واستضافة نحاتين عالميين.
وكم جائزة في رصيدك؟
ما يقارب 150 جائزة ورسائل شكر وتقدير وعرفان من أهمها جائزة معرض (حداثة الخيل) حيث جرى تصميمها خصيصًا للفنانين المشاركين من قبل الفنان محمد عسيري والنحات سعيد الزهراني، وهذا المعرض له ذكريات غالية، حيث جمعني بأروع فنانين سعوديين.
أيضًا مؤتمر البيئة العالمي، حيث كنت متحدثا في افتتاحيته بورقة علمية قصيرة عن التلوث البصري، أسبابه، آثاره، وعلاجه في عام 2020، وحصلت على درع له قيمة بالنسبة لي، حيث كانت مشاركتي مع ما يقارب 260 متخصصًا عالميًّا مشاركًا ببحث و 1500 من الحضور، وكنت سعيدًا بتمثيل السعودية.
أين أنت مستقبلاً؟
اختياري للفن كان اختيارًا استراتيجيًّا ومن ثم سأستمر في الفنون البصرية بكل مجالاتها، وسأبقى كاتبًا وباحثًا في مجال الفنون التشكيلية، وطموحي افتتاح مركز فني متنوع (Art Center)، بحيث يكون لدي مرسمي، مكتبي ومتحفي والطابق السفلي من منزلي يكون للزائرين.