محمد النغيمش يكتب.. الثقافتان: القوية والضعيفة
الثقافة السائدة هي الصدمة غير المكتوبة! فكم من مؤسسة ذاع صيتها تجاريًّا، ولكن فور ما يعمل فيها الموظف الجديد حتى تنتابه ضيقة وضجر من أجوائها.
فالثقافة culture هي شيء نشعر به ولا نجده في اللوائح والقوانين، وهي باختصار القيم والمبادئ وأسلوب العمل الذي يؤثر على طريقة تصرفاتنا في أروقة العمل.
وهناك نوعان من الثقافات السائدة بالعمل، الأولى الثقافة القوية strong culture والثانية الضعيفة weak.
والثقافة القوية هي الثقافة المؤسسية التي يتمسك فيها العاملون بالقيم الرئيسة key values بكل قوة، وتجد ذلك سائدًا في جميع قطاعات المنظمة.
فمن يدخل أرامكو السعودية على سبيل المثال، يلاحظ أن قيمها المؤسسية وهي المواطنة، والسلامة، والمسؤولية، والتميز، والنزاهة سائدة في جميع مرافقها.
فتجد حقًا الإيمان بالعنصر الوطني، ومسارات تطويره وتدريبه جادة وفي تقدم مستمر.
والأمر نفسه ينطبق على قضية السلامة، كونها أكبر شركة نفطية في العالم، وهي التي يجب أن تدرك أهمية الالتزام بقواعد السلامة حيث يتعامل موظفوها مع منتجات ذات طبيعة خطيرة قابلة للاشتعال والانفجار.
اقرا أيضًا: د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»:معاناة الفيل في اجتماعاتنا
وتجد كذلك أن المناصب ليست تشريفًا بل تكليفٌ لكونها مرتبطة بالمسؤولية.
فلا يمكن أن تكون مديرًا أو قياديًّا هناك ولا تقبل بحمل المسؤولية على كاهلك.
والثقافة القوية هي التي تُرسل لجميع العاملين فيها رسائل ثابتة consistent حول ما هي الأمور ذات الأهمية القصوى في العمل.
فالاندماج المرتقب أو التغيير الجذري مثلاً ليست معلومات حكرًا على ثلة بعينها بل أمر يعرفه الجميع ليعملوا معًا على تخطي الصعاب والتقدم.
وعندما يكون الموظفون قادرين على أن يروا تاريخ المؤسسة ومحطاتها المفصلية وأبطالها بكل فخر واعتزاز، فإن ذلك مؤشر جيد على الثقافة القوية السائدة.
وكذلك المقدرة على تعريف الثقافة السائدة هي بحد ذاتها دليل وجود ثقافة قوية.
وكلما كانت الثقافة قوية زادت مقدرة المديرين على حسن التخطيط والقيادة والرقابة بشكل جيد بخلاف الحال في الثقافة الضعيفة.
ولذلك فإن الثقافة الضعيفة هي عكس القوية، فالرؤية فيها ضبابية، وكذلك القيم إن كانت موجودة أصلاً لا يلمسها العاملون على أرض الواقع.
فما فائدة كتابة "النزاهة أو الشفافية" في موقعها، في حين أن كبار المسؤولين يحرضون العاملين على كتمان أمور جوهرية عن عملاء رغم أنها في صميم حقوقهم التي كفلها القانون والعقود؟ّ! وما الفائدة من التغني بالنزاهة في حين أن أول من يخترقها هم أصحاب المناصب بقبول الرشوة أو النفع الشخصي أو تجاوز اللوائح والقوانين؟!
اقرأ أيضًا: د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: كيف يحمي الإنسان كوكبه؟
الثقافة السائدة في بيئة العمل تبدأ مع روادها المؤسسين وتحديدًا الإدارة العُليا، فإن سلوكهم يتغلغل في سلوكيات من هم في أسفل الهرم الإداري.
ومن الأسباب الأخرى أن الرواد الأوائل هم من اختاروا من يشبهونهم، وهكذا حتى يصبح المعينون نسخًا متشابهة.
ولذلك ينبغي حسن اختيار القيادات في بدايات التأسيس، وكذلك طوال عمر المؤسسة، لأن مع مرور الوقت سوف يضفي هؤلاء القياديون الأكفاء نكهة جميلة وواضحة للثقافة السائدة وتصبح سلوكياتهم مرآة لقيمهم.
إذن لا بُدَّ من وضوح الثقافة وتجنب الأجواء الضبابية (الضعيفة) حتى يمكن للعاملين معرفة كيفية التعامل مع الأطراف في الداخل والخارج على أساس هذه الثقافة.
وتشير الدراسات إلى أن الثقافة القوية تغرس الولاء في الموظفين مقارنة بالثقافة الضعيفة، بحسب كتاب الإدارة للبروفيسور ستيفن روبنز وزملائه.
وتنعكس كذلك إيجابًا على الأداء المؤسسي، كما أن الثقافة القوية تجعلك تفهم لماذا يكون سلوك فلان مقبولاً كموظف أكثر من فلان على سبيل المثال.
غير أن من عيوب الثقافة القوية أنها قد تحدّ من مقدرة العاملين فيها على تقديم أساليب عمل جديدة.