البطل السعودي منيف السلماني لـ«الرجل»: نصيحة عابرة غيرت حياتي.. والخاص حلقة مفقودة في السباقات
في طفولته كان البطل السعودي منيف السلماني يحلم بأن يصبح "مُفحِّطاً" ماهراً، إلا أن نصيحة عابرة في أحد المجالس حوّلته إلى واحد من أبطال الراليات السعودي.
وقبل احترافه، أظهر السلماني قدرات خاصة في قيادة السيارات والتحكُّم فيها تماماً كأنها دمية بين يديه -على حد تعبيره- مثيراً إعجاب أصدقائه وجيرانه الذين اعتادوا اصطحابه إلى أي مكان يتنافسون فيه على إبراز مهارات القيادة.
قدرته على تجاوز الجميع في أي منافسة، لفتت الانتباه وجعلت أحد أصدقائه ينصحه بالاحتراف. في البداية رفض النصيحة، خوفاً من صعوبة الفكرة، إلا أنه بعد دراسة واستشارة محيطه اتخذ قراره باحتراف سباق السيارات.
وفور دخوله مجال الراليات، اكتشف الشاب الذي طالما كان شاعراً وأديباً وعضو نادي حائل الثقافي ورابطة الأدب الإسلامي العالمي، أن السباقات لم تُصقل مهارته في القيادة فقط، وإنّما أكسبته الحذر والتقيُّد بالأنظمة واحترام الوقت أيضاً.
البطل منيف السلماني متزوج وأب، يحمل شهادة البكالوريوس، وإلى جانب اختياره لرياضة السيارات يعمل اختصاصياً اجتماعيّاً بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
مغامرة وجنون
يوضح السلماني في لقائه مع مجلة الرجل أن روح المغامرة وُلِدَت معه. ويضيف "المغامرة في كل شيء مهما كانت خطورتها، وكلما زاد مستوى الخطورة في لعبة معينة أو رياضة ازداد شغفي بها، لقد انتقلتُ بين عدة هوايات مثل الخيل والدراجات النارية وكذلك الدرّاجات البحرية والسباحة حتى استقررْتُ مؤخراً في رياضة السيارات، التي تقدَّمتُ بها كثيراً الحمد لله".
ويعترف السلماني بـأنه خاض مغامرات خطرة جدّاً. يقول "أتذكر عدة مرات يخرج إخواني وأقاربي لأعماق النفود للبحث عني ويجدوني عالقاً أو مُتعطِّلاً". ويضيف "لقد قُمتُ بتصرفات مليئة بالمغامرة المضرّة حيث كنتُ أصعد الكثبان الطويلة جدّاً بسرعة تفوق 160، وكنت أستخدم السيارة استخدامات تهوُّر خالية من أيّ نوع من أنواع الأمن والسلامة، لكن لله الفضل ثم لهواية الراليات التي نقلتْني إلى عالمها الذي يُولي الإنسان قيمته الحقيقية وثمنه الباهظ".
خوف ورفض
خوف عائلة السلماني عليه، جعلها ترفض هواية سباق السيارات وتقف ضده. يروي لمجلة الرجل، أن هذا الرفض سرعان ما زال "بعدما رأوا سيارة الرالي عن كثب، وشاهدوا مستوى الأمان فيها اطمأنوا، ولما شاهدوا أن الرالي يقام تحت منظمة رسمية وحضور رسمي وحفل افتتاح وحفل ختام بحضور أمراء المناطق ومسؤولين، أدركوا أنها هواية رسمية آمنة".
ومع دخوله واحترافه السباقات أصبح السلماني يعي أكثر أهمية التقيُّد بأنظمة السلامة. يقول "كنتُ أقدم على انعطافات جنونية بالسيارة، لكن الراليات علمتني القيادة الآمنة؛ بسبب نظام السلامة والأمن المتبع في السباقات، والذي يُعدُّ شرطاً أساسياً للمشاركة، كما تعلّمتُ التقيُّد بالوقت، لأن منظمي السباقات يمنحون السائق وقتاً محدداً للانطلاق والدخول والخروج، وإلا كانت العقوبة مصيره".
8 انتصارات
برغم انضمام السلماني فعليّاً لعالم الراليات في عام 2015، فقد حقق ثمانية انتصارات بالمركز الأول فئة T2 داخليّاً وخليجيّاً وواحدة في الأردن، ويسعى للمزيد. يقول "أطمح لتحقيق المزيد وما زِلتُ أقدِّمُ لمجتمعي وأبنائه التوجيه والإرشاد لتوظيف حب السيارات في السباقات الرسمية الآمنة".
ويكشف بأن وجود رالي حائل في نفس المنطقة التي يسكنها، كان حافزاً مُهمّاً لمشاركته، مشيراً إلى أن أكثر شخص استفاد منه الكابتن بطل العالم القطري ناصر العطية، "كنتُ أتصل به مراراً وتكراراً بداية مشواري وما زلت أستفيد منه، وقد وجدتُ منه الإخلاص في الرأي والتواضُع الجمّ".
ومضيف على نفقتي
وفي بادرة تستلهِم تراث حائل اعتاد بطل الراليات السلماني منذ سنوات على إقامة مضيف داخل مقر الرالي، يوضح "نقدم القهوة والشاي والوجبات على مدار الساعة للزملاء المتسابقين من داخل وخارج المملكة سواء من العرب أو من ضيوف الرالي من دول العالم، وعادة ما يكون المضيف على الطراز الحائلي الموروث يتولاه أحد أعضاء فريقي طيلة أيام الرالي ويحظى أيضاً بتبادل خبرات المتسابقين والمنظمين والإعلاميين فيما بينهم، وكل هذا على نفقتي الخاصة".
أما عن اهتمامه بالشعر والأمسيات الشعرية فيوضّح "أقيمت لي عدة أمسيات شعرية في عدة مناطق، ودُعيت عدة مرات لإلقاء قصائد رسمية أمام شخصيات معتبَرَة مثل الملك عبدالله - رحمه الله- وكذلك الملك سلمان، والأمير سعود بن عبدالمحسن والأمير عبدالعزيز بن سعد، وكذلك عدة وزراء ومسؤولين زاروا منطقة حائل".
كما طُبِع ديوانه الشعري الأول بعنوان "همهمات" لدى النادي الأدبي الثقافي بمنطقة حائل، بالإضافة لمشاركاته في عدة صحف ومجلات ومشاركات متعددة في مجال الإلقاء وتطوير الذات والبرمجيات النفسية.
الصورة والثقافة
يرى بطل الراليات أن هواية القيادة في الصحراء و"التفحيط" ارتبطت في أذهان مجتمعنا ارتباطاً وثيقاً بالتهوُّر والفوضوية واشتهرت أنها هواية الفاشلين دراسيّاً والمضطربين اجتماعيّاً، مؤكداً أن هذه التصوُّرات لا أصل لها وهي غير صحيحة.
ويلفت السلماني إلى أن "تكرار إقامة رالي حائل أصبح تظاهرة رسمية ثقافية اجتماعية سنوية ساهمت في تغيير الصورة النمطية في أذهان المجتمع وأصبحت صورة سائق الرالي اجتماعيّاً السائق المُتَعلِّم والمُعلِّم أيضاً المُتقيِّد بالأنظمة المرورية المُحترِمة لحقوق الآخرين في الطُّرقات، واستُضِفتُ ومتسابقون آخرون في عدة محافل دراسية رسمية، وفي عدة جامعات وجمعيات، وأصبحنا جزءاً مهمّاً في ترشيد وتوجيه الجيل القادم اجتماعيّاً وثقافيّاً ورياضيّاً".
وعن الرابط بين الثقافة والراليات في ثنايا حديثه قال "هذا أمر يخفى على كثير من الناس وهو أنّ لعبة الرالي لعبة ثقافية قبل أن تكون رياضية، ويُمكِن تكثيفها بالقول "نمارس الخطورة بأعلى نسبة أمان"، وهذا أمر وجدناه في تصرفات الفاحصين الأوروبيين أثناء الفحص قبل أي رالي للتأكُّد من جاهزيتنا وسياراتنا لدخول السباق، فإننا نجدهم يهتمون كثيراً بأدوات الأمن والسلامة للسائق والملاح ولا يتهاونون إطلاقا ولا يتغاضون عن كل شيء قد يلحق أجسادنا منه خطر حتى لو كان بسيطاً".
مُشدِّداً على أنَّ "ثقافة الرالي ترفض على ممارسيها الفوضى، فإن الفوضى شيء والرالي شيء آخر مختلف تماماً".
قفزات سعودية
وعن المستوى الذي وصلت إليه المملكة يؤكد السلماني على الاهتمام السعودي الرسمي برياضة السيارات، ويرى أن "المملكة شهدت قفزات كبيرة منذ عام 2019 بإدارة مباشرة من رئيس الاتحاد السعودي لرياضة السيارات الأمير خالد بن سلطان الفيصل ودعم سخي من حكومتنا". ويضيف "أصبحت المملكة محط أنظار وقبلة جميع المهتمين والممارسين لرياضة السيارات في العالم أجمع".
ويشير لأهمية توقيع عقد إقامة رالي داكار الشهير بالمملكة العربية السعودية مدة عشر سنوات، مضى منها سنتان فقط، خاصة أنه ثاني أكبر تجمع عالمي لرياضة السيارة.
وينوه بإقامة بطولة محلية مكونة من ست جولات تتنقل بين مناطق المملكة، وكذلك استضيفت جولة من جولات بطولة العالم للباها، وأيضاً جولة من بطولة العالم للكروس كانتري وكذلك استضافة الفورمولاE وأيضاً جولة من بطولة العالم لسباقات "الإكستريم" الخاص بالسيارات الكهربائية، وأيضاً تُبنَى حاليّاً حلبة عالمية لاستضافة بطولة الفورمولا1
الشباب
من موقعه كبطل في رياضة السيارات يشير السلماني إلى وجود "مهارات شابة سعودية ناشئة تحمل في جعبتها القدرة العالية على المنافسة والصعود". ولكنّه يلفت إلى أن "هناك حلقة ما زالت غائبة أو شبه غائبة عن المشهد وهي القطاع الخاص".
ويدعو السلماني القطاع الخاص إلى دعم رياضة السيارات وذلك لسببين:
الأول من باب الدعاية والإعلام عن شركاتهم ومنتجاتهم وهذا أمر مهم وغير خفي على كل تاجر يدرك أهمية الإعلام، خاصة مع وجود اهتمام حكومي واعلامي عريض بالفعاليات المقامة.
الثاني من باب خدمة المجتمع ومؤازرة الحكومة في تطوير أبناء المجتمع الذي يعيشون فيه ورعايتهم ودعمهم حتى يستطيعوا التقدم والتطور والمنافسة في هذه الهواية الناشئة وتستحق مملكتنا ويستحق أبناؤها.
غياب الخاص
ويؤكد على أن رياضة السيارات مُكلّفة مادّياً وجسدياً ونفسياً، ويضيف "أنجب الوطن شباباً ومهارات قادرة على المنافسة والفوز، لكن للأسف لا يستطيعون حتى المشاركة، ناهيك عن المنافسة، وذلك بسبب غياب دعم القطاع الخاص فقد صارت أراضينا شاهدة على انتصارات سائقي العالم وغيابنا تماماً ونحن على أرضنا ونملك مفاتيحها".
ويكشف بأن من يريد الدخول إلى عالم سباق السيارات، سيدفع مبلغ نصف مليون على الأقل حتى يستطيع المشاركة دون "المنافسة" ويدعو إلى وقفة جادة ونظرة فاحصة من القطاع الخاص، ووكلاء السيارات والموردين. متابعاً: "هناك بعض الأسماء من رجال الأعمال الذين استشعروا هذه المهمة، وقاموا برعايتي مشكورين، على سبيل المثال رجل الأعمال سعيد الحارثي، وكذلك رجل الأعمال فهد الشريع، ووكالة نيسان الأم، غير أني أنتظر دعماً أكثر حتى أستطيع أن أتقدم وأقف بمحاذاة السائقين الكبار.
نصيحة للشباب
يختتم البطل السعودي منيف السلماني حواره مع حلبة الرجل بدعوة الشباب "الذين يجدون في أنفسهم ميولاً وشغفاً في قيادة السيارات، أوجه لهم -توجيهَ مَن مَرَّ بمثل هذا وجذبته المخاطر ثم وجد أخيراً أن الفوضى لا تصقل موهبة ولا تطورها- تعالوا للاتحاد السعودي لرياضة السيارات، ستجدون لديه التوجيه الصحيح لرياضة آمنة رسميّاً".