مشعل السديري: الدراجة النارية جوادي.. والراليات السعودية تتسارع نحو التميز والاحترافية
لم يكتفِ المهندس مشعل السديري بالمشاركة في حلبات رالي السيارات، كان غالباً ما يُصارع على المراكز الأولى في البطولات، وقد نال العديد من الجوائز، وطموحه لم يتوقف عند مقود السيارة المخصصة لسباقاته، فقد حمل هموم هذه الرياضة ووضع نصب عينيه العمل على مأسستها وتطويرها وصولاً للعالمية.
خلال ترؤسه للاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية، قاد بطولة رالي حائل إلى العالمية، وبطولة رالي الشرقية، والعديد من جولات بطولة الشرق الأوسط، والبطولة المحلية للراليات الصحراوية والبطولة المحلية للدراجات النارية، وتم وضع النظام الأساسي لهذه الرياضة في المملكة، وإنشاء قاعدة من الحكام والمتسابقين والفنيين السعوديين.
اختارت مجلة الرجل أن تحاور مشعل السديري بعد أن غادر منصبه في رئاسة الاتحاد وفضَّل الترجّل مفسحاً المجال للآخرين، لتتوقف عند أبرز محطات تجربته، وتتبع شغفه وعشقه لهذه الرياضة الذي لم ولن يتوقف.
البداية والنشأة
يُعرّف المهندس مشعل بن فهد السديري نفسه بالقول "أنا مواطن سعودي ورحّال متجول في أصقاع الدنيا، ومستكشف، شغوف بركوب الدراجة النارية، وأعتبرها جواد العصر لأنّها تشعرني بالطبيعة وتعطيني الفرصة لمعايشتها دون حواجز، كما أنني أعشق الطيران ومهتم بأدق تفاصيله، واعتدت خوض المغامرات".
دخل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وتخصص في هندسة النظم وتخرج في عام 1989، ثم عمل في سلاح الصيانة بالقوات البرية بالرياض حتى عام 1992، حيث بدأ ممارسة العمل الحر حتى الآن.
يقول عن أهم ذكرياته "حضور والدي رحمة الله عليه لحفل تخرّجي في الجامعة، ذكرى عزيزة ولن أنساها" موضحاً أنه كان متعلقاً بوالديه وأن لهما الأثر الأكبر في شخصيته.
وعن أحلام الطفولة يقول "كنت شغوفاً منذ الصغر بكل ما يتعلق بعالم المحركات من طائرات أو سيارات أو دراجات نارية، ولا يزال هذا الحلم معي في كل أوقاتي بعد أن بات واقعاً أعايشه يومياً".
الإلهام والتحفيز
وعن الأحداث الهامة والعلامات الفارقة في مسيرة حياته، يشير إلى "صعود صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، إلى الفضاء حدث هام ويشكل مصدر إلهام وتحفيز، كما أن عملي في سلاح الصيانة بالقوات البرية كمهندس -خاصة أثناء حرب الخليج الأولى- كان له أثر كبير في صقل شخصيتي الوطنية".
وكان للعائلة دور في تحفيزه للمضيّ في طريق سباق السيارات، ويضيف "كانت سنداً لي في هذه الخطوة، وقد قدمت ما أعتقد أنه يحقق الكثير لوطني الحبيب".
تاريخ الراليات
يلفت السديري إلى أن تاريخ رياضة السيارات بدأ في عهد قريب بالمملكة مقارنة بالعالم الآخر، منوهاً بمشاركة فريق السعودية في رالي ويلمز، في أواخر السبعينيات.
ويضيف "لا يمكن الحديث عن تاريخ رياضة السيارات في المملكة دون ذكر الأمراء: سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز، أمير منطقة حائل، رئيس الهيئة العليا لتطوير المنطقة آنذاك، وسلطان بن فهد بن عبدالعزيز، الرئيس العام لرعاية الشباب سابقاً، وسلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان يشغل رئيس الهيئة العامة للسياحة، ودورهم الكبير في انطلاقة رياضة السيارات في السعودية، بدءاً برالي حائل، والدعم المادي والمعنوي".
دعم حكومي
وحول الدعم الحكومي وما حققته لهذه الرياضة، يقول "في ظل خادم الحرمين الشريفين وهمّة ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، حققنا الكثير من الإنجازات في وقت قصير، ولا ننسى الحضور الدائم لسمو ولي العهد سباق الراليات، وهذا رفع من قيمتها وزاد من شعبيتها. وكان لاستضافة جولات بطولة العالم فورمولا إي للسيارات الكهربائية في الدرعية، وسباق رالي داكار في السعودية نقطة تحول كبيرة".
ويتابع "اهتمت الدولة بالراليات وحرصت على تطويرها وتنميتها، ما جعلها سبيلاً للرفع من قيمة الرياضة في السعودية كما الرياضات الأخرى، وهناك مردود اقتصادي عالٍ لهذه المنافسات الدولية والمحلية يتمثل في تنشيط السياحة الرياضية".
ويضيف "من الأهداف التي حرصَت عليها الدولة بإنشاء رياضة السيارات إيجاد متنفس للشباب لممارسة هذه الرياضة بشكل آمن، ومفيد للمجتمع".
ويشير إلى الدور الرائد لبطلي رياضة السيارات الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، وزير الرياضة، الذي يحمل ألقاباً عالمية في رياضة السيارات، وكذلك الأمير خالد بن سلطان العبدالله الفيصل، الرئيس الحالي للاتحاد السعودي لرياضة السيارات والدراجات النارية، أحد أبطال رياضة السيارات في المملكة. ويضيف "الثقة الملكية التي أسندت إليهم في محلّها".
ويوضح بأن "مشاركات الشباب بدأت قبل انطلاقة رياضة السيارات في المملكة وهو ما تمثّل في حصول ثلاثة من أبناء الوطن على لقب أبطال رالي الشرق الأوسط، وهم: البطل محمد المالكي، والبطل ممدوح خياط، والبطل عبدالله باخشب. ولا ننسى المشاركة المشرفة في هذه البطولات للبطل أحمد الصبان".
أما فيما يتعلق بدوره فيقول "من موقعي رئيساً للجنة رياضة السيارات في المملكة قمت بإدخال اللجنة السعودية لرياضة السيارات والدراجات النارية في عضوية الاتحاد الدولي للسيارات وكذلك عضوية الاتحاد الدولي للدراجات النارية، كما نجحنا في تصنيف رالي حائل كجولة من جولات بطولة العالم للباها. وبتحول اللجنة إلى اتحاد، وغدت رياضة السيارات أحد أعمدة الرياضة السعودية، وبرز فيها أبطال نقلوا المملكة إلى مصاف العالمية، منهم على سبيل المثال لا الحصر الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، ويزيد الراجحي، وياسر بن حمد بن سعيدان، وأحمد الشقاوي، وإبراهيم المهنا".
دور للخاص
يرى السديري أن القطاع الخاص شريك مهم ومؤثر لأن رياضة السيارات مكلفة جدّاً. ويضيف "حين كنت رئيساً للاتحاد كان لنا تعاون طيب مع القطاع الخاص، وكانت المشاركة الأكبر في ميزانية الاتحاد تأتي من دعم الخاص، كما أنهم دعموا الكثير من الفرق السعودية وأثمر دعمهم عن بروز أبطال سجلوا حضوراً لافتاً دولياً". لافتا إلى أن منظمي السباقات، إحدى الدعائم الرئيسة التي قامت عليها هذه الرياضة.
الحلبات والاتحاد
يرى السديري أن المملكة تحتضن حلبتين بمواصفات دولية، وهي "ستكون الأفضل في المنطقة بهذا المسار بإذن الله". ويضيف "لدينا في المملكة حلبة الدرعية المفتوحة، حلبة الفورميلا 1 في جدة. وأشير إلى حلبات سابقة أقيمت عليها بطولات محلية ودولية مثل حلبة جدة السابقة لسباقات التسارع التي كان يرأسها الأمير فيصل بن سعود بن عبدالمحسن، وحلبة الريم التي أقيم عليها عدد من بطولات السيارات والدراجات النارية، وأقيمت عليها البطولة الآسيوية للدراجات النارية، والتي يرأسها الأمير سلطان بن بندر الفيصل. ومن الحلبات الفاعلة في الوقت الحالي حلبة ديراب للتسارع الزمني التي يرأسها الأخ العزيز صخر بن عبدالعزيز السديري".
الاتحاد السعودي
يوضح السديري بأن دور الاتحاد السعودي للسيارات والدراجات بالتعاون مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب وضع اللائحة الأساسية لرياضة السيارات والدراجات النارية وأنشأ قاعدة من الأبطال والحكام السعوديين في مجال رياضة السيارات والدراجات النارية.
ويرى أن المعايير المتبعة تطبق الاشتراطات الدولية للسلامة في الحلبات أو الراليات سواء كأماكن تسابق أو سيارات أو كفرق سلامة مساندة مثل طواقم الإسعاف و الإطفاء، "وتبقى السلامة الفاعلة هي الأهم وذلك عن طريق مراعاة مواصفات السلامة في أماكن التسابق وسيارات المتسابقين".
منوها برئاسة الأمير خالد بن سلطان الفيصل للاتحاد ودوره، بتطوير الأنشطة والخدمات للأعضاء، هو وطاقم الفريق الذين يعملون معه على تطوير وتحسين خدمات الأعضاء.
ومن موقعه كأول رئيس للاتحاد السعودي لرياضة السيارات يرى أنه يمكن تطوير هوية الاتحاد لتلبية تطلعات أعضائه عبر نشر أندية السيارات والدراجات النارية في المناطق كافة.
وأن الجودة الشاملة يمكن تطبيقها عبر تأهيل كادر متخصص من الحكام والفاحصين الفنيين والإداريين.
مستقبل الراليات
يصف السديري مستقبل رياضة الراليات في المملكة بأنه "مشرق وواعد"، ويضيف "طموحنا يتماشى مع رؤية القيادة الرشيدة «همة حتى القمة»".
وبرأيه فإن دور الاتحاد السعودي التوعوي والتثقيفي "يدعو للسرور ويؤكد على المسؤولية والاهتمام بما يخدم المجتمع".
وحول استضافة السعودية لسباقات فورمولا 1 في الموسم المقبل (2021) في مدينة جدة، يقول "بلا شك هذا يضع السعودية في القمة في بطولة يصل العدد التراكمي لمشاهديها إلى مليارَيْ مشاهد للموسم الواحد".
ويضيف "هذه الرياضة تغلَّبت على الكثير من التحديات والمأمول منها وفيها أكبر، في ظل النهضة التي تعيشها بلادنا الغالية، ضمن الرؤية الرشيدة 2030"، داعياً لإنشاء المزيد من الأماكن والفرق لممارستها.
المرأة والراليات
وعن وصول ريما الجفالي أول سعودية تشارك في سباق سرعة للسيارات ومشاركة النساء يقول "مع رؤية المملكة 2030 باتت الفرصة للمرأة بصورة أكبر، وبالنسبة لرياضة السيارات أصبح حضورها لافتاً سواء في المشاركة أو التنظيم أو غير ذلك من أوجه الحضور"، مؤكداً أنه "في ظل التدريب والقيادة المدروسة تصبح القيادة فناً واحترافاً وسلامة".
رالي حائل
يصف رالي حائل الذي وضع أولى لبناتِه بأنّه "حدث عالمي وضع حائل على خارطة رياضة السيارات العالمية وأصبحت مقصداً للجميع من داخل وخارج المملكة وفرصة لحضور الفعاليات الرياضية والاجتماعية والاقتصادية المصاحبة لهذا الرالي"، معتبراً بأنه محفز للسياحة، وجاذب للكثير من محبي هذه الرياضة إلى منطقة عسير.
ويضيف "إقامة هذا الرالي سيكون له أثر ملموس في تحفيز النشاط الرياضي والسياحي والاقتصادي وخلق قاعدة لمتسابقين جدد من أبناء المنطقة".
العالمية
يرى السديري أن سباقات الراليات السعودية تمضي في مسار ممتاز وبخطوات متسارعة نحو التميز والاحترافية تحت ظل هذه القيادة الشابة، معتبرا أن "الصعوبات الأساسية تكمن في توافر الإمكانات المادية، ومتى توافرها، فإن لا حدود لما يمكن إنجازه".
وينظر إلى دور الإعلام بوصفه شريكاً رئيساً في نجاح هذه الرياضة، وعمل منذ بداياتها على نشر هذه الرياضة والوصول إلى محبيها.
يرى أن "رؤية 2030 ستساهم في إرساء البنية التحتية التي تقوم عليها هذه الرياضة وإيصالها إلى العالمية"، مناشداً جميع المشاركين بالارتقاء إلى مستوى الرؤية الطموحة.
إفساح المجال
وجواباً على سؤال مجلة الرجل لماذا ترجّل المهندس مشعل السديري عن مهمة رئاسة الاتحاد السعودي لرياضة السيارات وهو من مؤسسيها؟ يقول "لأن الضغوط في بدايات تأسيس هذه الرياضة كثيرة والتحديات كثيرة وبفضل الله عز وجل ثم دعم الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز ونائبه الأمير نواف بن فيصل بن فهد قطعنا شوطاً كبيراً في تأسيس نشاط رياضة السيارات والدرّاجات النارية في المملكة أنا وزملائي في الاتحاد، وهذا استنزف الكثير من قدرتي وطاقتي وكان على حساب حياتي العملية والخاصة، بعد أن وُفِّقْتُ في قطع شوط كبير في تأسيس هذه الرياضة آثرت إفساح المجال لغيري لإكمال هذه المسيرة الرياضية والتي نرى نتائجها الآن".
الحلم يتحقق
وردّاً على سؤال "الرجل" عن الحلم الذي لم يتحقق خلال ترؤسه الاتحاد، يكشف بالقول إنه "بطولة باريس دكار، إذ اجتمعنا عام 2010 مع اللجنة المنظمة لباريس دكار ولم نستطع إقامة هذا الحدث بسبب وجود بعض المعوقات، ومن الجميل أنني رأيت هذا الحلم يتحقق في بلادي في ظل القيادة الرشيدة لبلدي والقيادة الرياضية وقيادة الاتحاد الحالية".
أما النصيحة التي يقدمها للشباب السعودي فيقول "الإصرار والمثابرة والتدريب، وأن يجعل همته تقوده إلى القمة".
وفي كلمة أخيرة لمجلة الرجل يقول "أتمنى الخير لبلادي، وأرجو من الله أن يحفظ بلادنا الغالية قيادة وشعباً، كما أشكر مجلة الرجل على الاستضافة في هذا اللقاء".