محمد النغيمش يكتب : "متلازمة الإذعان"
وقعت عام 1973 حادثة سطو شهيرة، على مصرف في السويد؛ نجح الجناة في احتجاز موظفي البنك رهائن، لقرابة الأسبوع. غير أن المفارقة ظهرت لاحقاً، عندما بدأ الرهائن بالتعاطف مع اللصوص، إذ شرعوا بالدفاع عنهم، بعد إطلاقهم، وهي حالة محيّرة أطلق عليها العلماء "متلازمة ستوكهولم"، حيث وقعت الجريمة. وتبين وجود المتلازمة لدى ثمانية في المئة، من حالات المحتجزين.
وقد برزت لدى المصابين بهذه المتلازمة، علامات وسلوكات متعددة، منها: المشاعر الإيجابية تجاه من يتسلّطون عليهم، ومحاولة مساعدتهم بصور مختلفة، بل وتأييدهم لسلوك المعتدي وتفكيره. وقد لوحظ في حادثة ستوكهولم، بأن الرهائن بدأوا لاحقاً بالدفاع عن الجناة، بُعَيدَ انتهاء الأزمة. وقد ذاع صيت المتلازمة، بعد أن أبرزها المختص في علم النفس فرانك أوكبيرغ، الذي اشتهر بمساعدة المهتمين في التعامل مع حالات الرهائن.
هذه الحادثة تذكرني بالمثل الشعبي: "القطّ يحب خنّاقه"، أو كما يقول العراقيون "البزون يحب خناقة"، أي أن القطط تذعن لمن يسيء إليها. وهذا ينطبق على البشر أيضاً، فمن الناس من لا يتورع عن تمجيد مديره المتسلط أو الظالم، ليس لسبب سوى أن أحداً "خارجياً" قد ذكره بسوء. فتشتعل لديه جذوة الحَميّة أو العصبيّة أو التعاطف، وهو أمر يبدو متماشياً مع الفطرة العربية التي كشفها البروفيسور هوفستد، الذي تحلو لي تسميته "ابن خلدون العصر الحديث"، إذ درس عبر أبحاث، نشرت في كتاب ناهزت صفحاته الألف، الاختلافات الثقافية الصارخة بين الشعوب. فقد وجد أن العربي "يقبل" و"يتوقع" أن يقوده من هم غير أكفاء، كونهم يستمدون قوتهم من موقعهم في الهيكل التنظيمي بالمؤسسة أو الدولة. وهو ما يطلق عليه علمياً "مسافة السلطة" power distance. غير أن الأمم الغربية تنفر من هذا. وكان الفارق الرقمي كبيراً بين الثقافتين. وعليه فإن تقبل وتوقع أن يقودنا من هم أقل كفاءة، قد يجعلها صورة من صور أو مبررات التعاطف مع من يسيء إلينا.
وقد وجد باحثون أن هذا التعاطف "الاسكوتهولمي"، هو ظاهرة نفسية تعود لأسباب أو فرضيات عدة. فمنها أن ارتباط الضحية بالمعتدي، إنما هو استجابة الضحية للصدمة التي تحولت على إثرها إلى ضحية، مثلها مثل المعتدي. هنا يصبح تضامنها مع المعتدي صورة من صور الدفاع عن ذواتهما. فإذا ما اعتنقت الضحية قيم المعتدي، فإن الضحية لن تعدّ نفسها ضحية لتهديد أو ما شابه.
مشكلتنا، أننا إذا ما استسلم الناس لهذه المتلازمة، فإنهم سوف يساعدون الاستبداديين أو الانتهازيين أو المعتدين على التمادي. صحيح أن التعاطف قد يحصل عفوياً، كما أسلفنا، لكن المقصود أولئك الذين يتعمّدون "التطبيل" لكل ما يقوله المسؤول، مهما يكن كلامه سطحياً أو هُراءً، أو يشكل طعناً أو إساءة إلى أحد. ناهيك بأنه إذا ما كان ذلك المسؤول، هو من اشتهر بوضع العصا في دولاب كل طموحٍ أو متفانٍ أو مجتهدٍ في عمله. هذه الفئة يجب أن تسمع منا كلمة الحق، في إطار القانون والقيم المجتمعية السائدة، لتكون أدعى للقبول.