هل تستطيع الآلات أن تكون أكثر إبداعاً من البشر؟
ماريو كلينغمان، فنان ألماني يستخدم الذكاء الاصطناعي في عمله، ويملك وجهة نظر مختلفة تماما حول الإبداع. ويقول إن البشر ليسوا أصليين، وإننا علينا إعادة اختراع كل شيء، والعثول على صلات بين الأشياء التي رأيناها.
يرى ماريو كلينغمان إنه بينما لا يستطيع البشر التأسيس والبناء إلا بناءاً على ما تعلموه وما اكتسبوه ممن عاشوا قبلهم، تستطيع الآت صنع أشياء مختلفة من الصفر.
إنه منظور مُثير للاهتمام، فإذا تخلينا مؤقتاً عن التفكير عما إذا كان الإبداع البشري محدوداً أم لا، وما هو بالضبط الإبداع، فسوف نرى أن الذكاء الاصطناعي سوف يهزم الكثير من البشر، ويتمكن من الفوز عليهم.
الفن والذكاء الاصطناعي
يمكن اعتبار كلينغمان أحد الرواد في مجال الفن بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. ويقول إنه يحب تلك اللحظات التي تقوم فيها الآلات بشيء غريب وغير متوقع، ولا يستطيع البشر القيام به بمفردهم.
تعتمد بعض أعمال كلينغمان على خوارزميات تخلق ما يبدو على أنه وجوه بشرية، ولكنها في الوقت نفسه ليست وجوه أي شخص عاش على وجه الأرض، ولكنها ملامح رسمتها وحددتها الآلات.
عُرضت أعمال كلينغمان في عدة مزادات، وبيعت إحدى لوحاته مقابل 432.500 دولار.
الأجهزة تفكر
يُعرف كلينغمان باعتباره أحد اللاعبين الأساسيين في مجال الفنون بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وعُرضت الكثير من أعماله في متحف الفن الحديث، ومتحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، ومراكز ثقافية ومتاحف في العاصمة الفرنسية باريس. ومن بين أعماله الشهيرة سلسلة التصوير العصبي، والتي تم إعدادها باستخدام جهاز كمبيوتر أنشأ صورا فوتوغرافية وهمية، وأحيانا مقاطع فيديو تنشر أخباراً مُزيفة.
رغم بساطة لوحات كلينغمان إلا أنها مليئة بالتفاصيل والتحديات، على سبيل المثال القطعة التي عُرضت في المزاد الأخير في مارس الماضي تم صنعها باستخدام شاشتين تعرضان عرضاً ليس له نهاية من وجوه نسائية وذكورية، ويتحول كل منهما إلى الآخر، ولا يوجد فيه أي معالجة بشرية، فقط الأجهزة تقوم بكل شيء. ويقول الفنان الألماني: "تجلس هكذا وتشاهد الأجهزة وهي تعمل، فتشعر وكأنها تفكر".
خوارزمية فنية
الخوارزمية التي يستخدمها كلينغمان عبارة عن مجموعة فرعية من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهي مكونة من شبكتين عصبيتين، واحد منها يولد الصور من اللا شيء، بعد أن يتم تدريبه على صورة محددة يقبلها أو يرفضها، وبهذه الطريقة يستطيع خلق المزيد والمزيد من الأعمال.
يستخدم كلينغمان تقنية تسمى "Pix2Pix"، يغذيها بكميات معينة من المواد، ما يدع للآلات فرصة في التحرك والتصرف بحرية شديدة، حتى تصبح أكثر إبداعاً، ويطلق العنان لها للقيام بشيء خاص وفريد من نوعه. يضع الفنان الألماني مجموعة من الصور الضبابية التي ليس لها ملامح على الأجهزة، والتي تحولها إلى صور لها ملامح بشرية، لم يُسبق أن شاهدها أحد على وجه الأرض.
هل الآلات أكثر إبداعاً من البشر؟
ولكن هل يمكن أن تكون الآلات مُبدعة حقاً؟ هل يمكن اعتبارهم فنانين قادرين على الابتكار دون توجيه؟ إذا كان الإبداع هو السمة الرئيسية التي تميز الإنسان عن غيره من باقي المخلوقات، فكيف يمكن اعتبار أجهزة مكونة من مجموعة من الآلات والأسلاك مبدعة؟
ربما نكون لسنا مختلفين عن الآلات كما نظن، في حقيقة الأمر فإن عقل الانسان عبارة عن آلات بيولوجية مكونة من أجهزة صغيرة أكثر دقة ولكل منها وظيفتها، فلماذا إذا لا تصبح أجهزة الحواسيب الآلية أكثر أبداً منّا؟
يثير الذكاء الاصطناعي الكثير من الأسئلة، والتي من بينها هل لديه قيم ومعايير؟ وهل يجب أن نطبق نفس معايير الفن البشري على الفن الصناعي؟ وكيف يمكننا تقييم فن الذكاء الاصطناعي؟
في الوقت الحالي، فإن كل ما يمكننا القيام به هو صنع آلات تعيد إنتاج الأشياء بالاعتماد على طريقة تفكيرنا نفسها. لا نستطيع تعليمها أي شيء لم نتمكن من فهمه حتى الآن. ولكن في نهاية المطاف فربما نستطيع بناء آلات قادرة على تجاوز قدرتنا على الإبداع، وأن تكون أكثر ذكاءاً منّا، دون تدخل بشري.
هناك من يعتبرون فكرة إنشاء آلات أكثر ابداعاً من البشر مُثيرة للقلق، وفي مقال نُشر مؤخراً في مجلة "ميت تكنولوجي ريفيو" قال دورانس كيلي، الفيلسوف في جامعة هارفارد، إن الإبداع هو الميزة الاساسية التي تميز البشر ولا يمكن أن يرتبط بالآلات والأجهزة.
ربما في المستقبل، ومن خلال المعرفة الموسوعية وقدرات المعالجة السريعة، فإن أجهزة الكمبيوتر سوف تصبح أكثر ابداعاً وأكثر قدرة على الابتكار، ما يجعلها تتفوق على البشر. ويمكن لهذا الأمر تحقيق طفرة كبيرة في العديد من المجالات التي تفيد البشرية، وإنعاش الحالة الثقافية والعلمية وإنشاء أشكال جديدة من الفن والأدب والموسيقى، وكذلك المساعدة في الأبحاث الطبية، والعثور على طرق مبتكرة وجديدة لحل الأزمات وإنهاء المشاكل، ما يُمكّن البشر والآلات على العمل جنباً إلى جنب، لجعل العالم مكاناً أفضل.