كيف تختار موظفاً من دون خبرة؟
شغلت كبريات المؤسسات، قضية في غاية الأهمية، وهي كيفية اختيار الأكفاء للانضمام إلى صفوف العمل. فبعد الثورة الصناعية، وبعد أن ألقت الحرب العالمية الطاحنة أوزارها، التفتت البلدان إلى اقتصاداتها وتعمير بلدانها. وفي كل القارات انطلق سباق محموم نحو التعليم النظامي الذي من المفترض أن يقدم مخرجات لسوق العمل. فصار اختيار الأنسب من ناحية التخصص سهلاً لمحدودية متطلبات السوق، كل ما في الأمر أن تجد صاحب التخصص المطلوب وكانت التخصصات قليلة أصلاً. وبعد التوسّع الهائل في اقتصادات البلدان، تزايد عدد الخريجين، فصار الحصول على حامل شهادة جامعية أو دبلوم، مثل سهولة استهلاكية من رفّ السوق المركزي، لكثرتهم وكذلك الحال مع حملة الشهادات العليا.
هنا أسقط في يد كبريات الشركات، فصارت تحتاج إلى "مفرزة" لتميّز بين المتقدمين لسوق العمل، وخصوصاً الحديثي التخرج الذين لا يتحلون بخبرة عملية تسهّل تعيينهم في الوزارة أو الشركة. وعليه تزايدت الحاجة إلى اختبارات قياس تظهر قدراتهم.
وهذا ما أدرّسه لطلبتي في الجامعة، حيث أشرح لهم الأنواع الكثيرة من الاختبارات التي تقدم لهم. فصار في مقدور المؤسسات معرفة نقاط القوة والضعف في شخصية المرشّح للوظيفة، ومدى حماسة أو فتوره تجاه بيئة العمل. كما تقيس مدى انسجام هذه الشخص مع بيئة العمل أو الثقافة السائدة فيه، فضلاً عن اختبارات الـ job-knowledge، مثل اختبار التقدم إلى مهنة المحاماة، أو التمريض وما شابه.
ليس هذا فحسب، فقد صار في مقدور القياديين القيام بأدوار عدة داخل لجنة المقابلات، مثل تطبيق نظام الضغط النفسي على المتقدم، بحيث يؤدي أحد المديرين دور الشرطي الوديع good cop، وآخر دور الشرطي الحازم، فيحيّران المرشح بتناقض آرائهم فيه. وكذلك ليختبرا سرعة غضبه أو مدى تحمّله. بمعنى أن أحدهم يريده والآخر لا يبدى اهتماماً يذكر به، كجزء من دور تمثيلي. وهناك اختبارات افتراضية، يفترض فيها المديرون حالات معينة، ليروا ماذا يمكن أن يقدم المرشح للوظيفة من حلول مميزة في التعامل مع عميل مزاجي أو متمرد، أو موظف متقاعس، أو غير ملتزم بالحضور والانصراف.
وهناك اختبارات أخرى، لا أراها شائعة، لكنها معتمدة لدى بعضهم، مثل "اختبارات الكذب" polygraphالتي يستخدمها المحققون في التحقق من المعلومات التي يدلي بها المجرمون أو المتقدمون إلى وظيفة ما. غير أن القانون الأمريكي الصادر عام 1988، لا يسمح باستخدامها على الموظفين العاملين في القطاع الحكومي، وهي برأيي غير لائقة أصلاً في عالم التوظيف، مهما تكن مرتبة الشك في الموظف.
ومن أغربها، كذلك، اختبار التعرف إلى شخصية الفرد من خط اليد Graphoanalysis الذي يستخدم في التعرف إلى المجرم من خط يده. ويستخدم فعلياً في أوروبا، لفرز طلبات التوظيف واستبعاد البعض الآخر، لضمان انسجام المرشّح في بيئة العمل.
وتتدنّى أهمية هذه الاختبارات مع القياديين أو أصحاب الخبرات، لما لديهم من رصيد خبرة يمكن التحقق منها، عبر ما يسمى بالـ background check بإجراء الاتصالات اللازمة وطلب مزيد من الأدلة.
باختصار هذه مجموعة من الطرق لاختيار الموظفين من دون خبرة، لكننا يجب ألّا نستند إليها وحدها، فقد تكون وسيلة من وسائل الانتقاء. ويفضل أن نمنح بعض المتقدمين فرصة التجربة، فقد يفاجئون الجميع بأداء يفوق التوقعات.