المرشحون الأكثر خبرة ليسوا دائماً الخيار الأفضل للوظيفة
يروي لنا فاضل صاحب مؤسسة ناجحة حكايته عندما قرر البدء بعمله الخاص قبل ٩ سنوات. في البداية كان شاباً وعديم الخبرة برأس مال قليل للغاية. وهذا الواقع حدد له مساره للتوظيف، إختيار الفئة الشابة التي لا تملك الكثير من الخبرة لأنها لن تطالب برواتب مرتفعة، ومحاولة تصيد المواهب من الفئات الشابة خلال مرحلة النهوض بالشركة. الثقة بهذه الفئة الشابة كانت كبيرة جداً وربما أكبر مما يجب، وذلك لانه هو نفسه لم يكن يملك الخبرة أو التجارب السابقة التي تساعده على الخروج بمقاربات اخرى للتعامل معهم.
ورغم أن القرارات التي إتخذها حينها، خصوصاً تلك المتعلقة بالتوظيف كان بداعي الضرورة لانه لم يكن يملك خيارات اخرى، ولكن تبين لاحقاً بأنها من أفضل القرارات التي إتخذها. حالياً هو يملك شركة بـ ٢٠٠ موظف، ونصف القيادات داخل الشركة هم من تلك الفئة الشابة التي لم تكن تملك أي خبرة قبل ٩ سنوات.
عند التوظيف غالباً ما تبحث الشركات عن الذين يملكون الخبرة، وهذه مقاربة صحيحة تماماً وذلك لان الشركات تحتاج الى الخبرة التي يحملها هؤلاء من وظائفهم السابقة. ولكن أحياناً الخبرة وحدها لا تكفي، وأصحاب الخبرات قد لا يكونوا الفئة المثالية للوظيفة.
الخبرة لا تعني الموهبة
في معظم الأحيان وبما أن ريادي الأعمال غالباً ما يرزحون تحت ضعوطات عديدة ولا يملكون لا الوقت ولا الموارد الكافية للتوقف وتعليم الاخرين ما عليهم القيام به فهم يلجأون الى توظيف الذين يملكون الخبرة. ولكن، الصورة التي ترسم عن الشخص على« الورق» لا تعني بأنه الخيار المناسب. نعم هو يملك الخبرة ولكن هذا لا يعني أنه يملك الموهبة المناسبة لتلك الوظيفة بالذات. عند الإختيار يجب التفكير بما تحتاج اليه الوظيفة بالضبط.
مبدأ بيتر، المعتمد في أغلبية الشركات، يقول بأن كل موظف في الهرم الوظيفي تتم ترقيته حتى يصل الى مستوى تنعدم فيه الكفاءة عنده. وهو قائم على واقع معاش في مكان العمل بحيث ما يصلح للعمل الان سوف يستخدم تدريجياً في تطبيقات اكثر صعوبة حتى يصل الى مرحلة الفشل.
المبدأ هذا يشير الى نقطة هامة جداً تتعلق بالخبرة والتي غالباً ما لا يتم منحها الإهتمام وهي أن الخبرة قد تكون أحياناً متنكرة بزي «قلة الكفاءة».. فالشخص الذي عمل في المنصب نفسه لسنوات طويلة ليس بالضرورة الأفضل في مجاله، ولكن لانه لا يملك ما يكفي من المؤهلات فهو بقي في مكانه بينما تمت ترقية الاخرين. بطبيعة الحال النظرية هذه لا يمكن تعميمها، لان هناك عدة عوامل خارجية، لا علاقة لها بكفاءة الموظف، هي التي تحدد المسار إلى اعلى من عدمه مثل حجم الشركة أو الموارد التي تملكها الشركة والتي تحدد قرارات الترقيات.
ولكن من الأهمية بمكان التذكر دائماً أن إمضاء سنوات عديدة جداً في المنصب نفسه لا يترجم بشكل دائم على أنه دليل على الموهبة.
تنوع الخبرات له حسناته
سنوات من الخبرة في مجال محدد، قد تترك الموظف عالق في المسار نفسه والمقاربات نفسها لتأدية الأعمال. بشكل عام الذين يعملون في المجال نفسه لسنوات طويلة جداً لا يملكون ما يكفي من المرونة التي تمكنهم من التأقلم مع بيئة العمل المعاصرة. ولكن في المقابل حين يتم توظيف الأشخاص الذين يملكون خبرات لسنوات محدودة في مجالات مختلفة، فإن هذا يجلب النضج والتجربة المتنوعة من دون معضلة التعامل مع المشكلة نفسها بالطريقة نفسها، والتي هي من أبرز المشاكل في مكان العمل المعاصر. إخراج الموظف من منطقة الراحة الخاصة به، يرغمه على النظر الى حل المشاكل بطريقة مختلفة، وهذا يعني طاقة جديدة وإبداع يتم ضخه في الفريق.
مقابلات العمل هي غيض من فيض
غالبية الشركات تخصص الكثير من الوقت والموارد من أجل إجراء مقابلات عمل معقدة وإختبارات. ورغم ان المقاربة هذه تسمح للشركات بمعرفة القدرات الخاصة بالمرشح المحتمل للوظيفة ولكن يجب التذكر بأنه مهما كانت المقابلات تلك «عميقة» فهي تمنح الشركة نظرة عن جزء بسيط للغاية من قدرات الموظف.
خلال مقابلات العمل يتم التركيز كثيراً على عامل الخبرة بحيث يتم تجاهل الجزئيات الاخرى التي لها أهميتها. فالشخص قد يملك الخبرة ولكنه لا يريد التطور، وهذا لا يناسب بيئة العمل المعاصرة، أو قد لا يملك المرونة كما سبق وقلنا، أو قد لا يملك أدنى فكرة عن التعامل مع مشاكل تختلف عن تلك التي تعامل معها لسنوات طويلة.
تقدير المواهب الشابة يخلق بيئة محفزة
عندما يتم توظيف المواهب الشابة التي لا تملك الخبرة فإن المبدأ المعتمد يكون التعلم خلال السير قدماً. وبالتالي بيئة العمل ستكون قائمة على الرغبة الدائم بالتجربة والتطور، وهذا ما تحتاج اليه الشركات. وعندما يتم منح الفئات الشابة ما تستحقه من ترقيات حين تبرع فيما تقوم به فإن الشركة تخلق بيئة مفيدة جداً لها وهي أن السن ليس عائقاً أمام النجاح والتقدم. وهذا الواقع سيحفز الجميع، لان الأولوية ليست للأكبر سناً أو الذي أمضى سنوات اكثر في الشركة.. بل لمن يملك الكفاءة والموهبة ويحقق النتائج.
الخلاصة هي أنه رغم على الشركات ان تضع بالحسبان عامل الخبرة حين تقوم بعملية التوظيف لانها يمكنها الإستفادة من تجارب هؤلاء في مجالاتهم. ولكن هذا لا يعني ان الخبرة فقط يجب أن تكون العامل الذي يحدد ما إن كان يجب توظيف هذا الشخص أو ذاك. على القادة في الشركات التفكير أبعد من مما هو متعارف عليه وإحتضان المواهب التي لا تملك الخبرة والوثوق بحدس هؤلاء.