الشركات والذكاء الاصطناعي.. التريث لم يعد خياراً صحيحا
في الوقت الذي تقوم فيه شركات ضخمة، بشكل خاص البنوك، وشركات أخرى مثل فورد وجنرال موترز وكل الشركات التقنية بتبني وإعتماد الذكاء الاصطناعي وبقوة، هناك شركات عديدة أخرى لم تقم بذلك بعد. الفئة الأخيرة ما تزال تنتظر «نضوج» هذه التقنية كي تصبح الخبرات الشاملة المتعلقة بالذكاء الإصطناعي متوفرة على نطاق واسع. الخبراء يؤمنون بأن التريث قبل تبني الذكاء الإصطناعي فكرة سيئة للغاية. صحيح أن بعض التقنيات ما تزال تحتاج الى المزيد من التطوير، ولكن بعضها ناضج ومتوفر منذ عقود.
فلماذا التريث فكرة سيئة للغاية؟
كيف تحول هذا الرجل من أغنى رجال البرازيل إلى سجين وديونه مليار دولار؟
الوقت الذي تحتاج اليه المرحلة التحضيرية
بعيداً عن موضوع النضج التكنولوجي، هناك عدة مشاكل تتعلق بفكرة إنتظار الشركات ثم لاحقاً تبني المفهوم واللحاق بالركب بمجرد أن تصبح التقنية هذه جاهزة بشكل كلي. المشكلة الأولى هي أن تطوير برامج الذكاء الإصطناعي يحتاج الى الوقت، وهكذا برامج وفي حال كانت عامة ستعود بالقليل من الفائدة على الشركات لذلك هناك حاجة ماسة لان يتم تفصيل هذه البرامج على مقاس الشركات ولفرع معرفي محدد داخلها. ففي حال كان على سبيل مثال نظام الذكاء الإصطناعي الذي تتبناه الشركات يتمحور حول التعلم فحينها الشركة عليها أن تقوم بجمع كم هائل من المعلومات والداتا التي تتعلق بالتدريب والتعلم. ثم هناك معالجات اللغة الطبيعية التي تحتاج الى الوقت قبل أن تكون جاهزة وهناك الكثير من المعرفة «المحلية» والتصنيف وغيرها من الامور التي يجب دمجها في أنظمة الذكاء الإصطناعي وهذه الامور تحتاج الى الوقت.
الذكاء الإصطناعي ليس مجرد «سوفت وير» مشاكله تتمحور حول الخوارزميات والبرمجة، بل ما ستواجهه الشركات هو مشكلة برمجة المعلومات. إزالة الغموض وتوظيف المعلومات وكلها تحتاج الى الوقت.
المشكلة هذه مضاعفة في حال كان المجال المعرفي الخاص بالشركة لم يتم «قولبته» بعد بأي شكل من الاشكال، وهذا الأمر قد يتطلب أشهر طويلة لتحضيره. وحتى أن بعض مجالات المعرفة تتطلب وقتاً أطول بكثير، مثلاً مركز لعلاج السرطان يعمل مع أي بي ام على نظام للذكاء الإصطناعي منذ ست سنوات وما زال هذا النظام غير جاهز للإستخدام رغم أن جميع الأطراف المعنية بالمشروع تملك مهارات عالية.
بعض المجالات والمشاكل لها حلولها المتوفرة ولكن كما قلنا برامج الذكاء الإصطناعي يجب أن يتم تفصيلها على مقاس الشركة وبالتالي الحلول العامة قد تتفع وقد لا تنفع وإن كانت الكفة تميل لصالح الخيار الاخير.
الوقت المطلوب للدمج
حتى ولو كانت الأنظمة الخاصة بشركتك قد تم تحضيرها وهي جاهزة فإن الدمج بدوره يحتاج الى الوقت. وما لم تكن الشركة تستخدم بعضاً من أشكال الذكاء الإصطناعي الذي يكون ضمن حزمات أنظمة التطبيقات التي تعتمدها الشركة حالياً فإن ملاءمة الذكاء الإصطناعي يحتاج الى الكثير من الوقت فالإنتقال من النموذج الى التطبيق الفعلي يستهلك الكثير من الوقت والجهد.
حتى ولو كانت شركتك تملك القدرة على الإنتقال بمهارة وسرعة من النموذج الى التطبيق الفعلي، فالشركة على أن تعيد هندسة مسار الاعمال كاملاً من أجل أن تستفيد وبشكل إيجابي من الذكاء الإصطناعي. وفي عدد كبير من الحالات الذكاء الإصطناعي يدعم بعض المهارات الفردية وليس مسار الأعمال كاملاً وهي هذه الحالة على الشركة ان تعيد العمل على مسار الاعمال الخاص بها وتضمينه المهام الجديدة التي تتعلق بالذكاء الإصطناعي وتلك التي تتعلق بالبشر. مثلاً الشركة تحتاج الى تطوير أو تبني تطبيقات عديدة من الذكاء الإصطناعي ترتبط بالتسويق، المبيعات وخدمة الزبائن.
التفاعل البشري مع الذكاء الإصطناعي
وأخيراً هناك التحديات البشرية. قلة قليلة من أنظمة الذكاء الإصطناعي «مستقلة» تماماً، والغالبية منها قائمة على التوسع في ومن خلال الموظفين. أنظمة الذكاء الإصطناعي الحديثة تعني بأن هناك أدواراً جديدة للبشر وبالتالي هناك حاجة للوقت من اجل تدريب هؤلاء كي يتمكنوا من العمل جنباً الى جنب مع الذكاء الإصطناعي.
وحتى ولو كانت أنظمة الذكاء الإصطناعي مستقلة بشكل كامل، فخلال المرحلة الاولى هناك حاجة للعنصر البشري والتي خلالها يكون التفاعل بين الالة والمستخدمين البشر والمراقبين. هذه المرحلة تسمى «التفاعل التعليمي» وهي أساسية وضرورية للمؤسسات كي تتمكن من فهم كيفية تفاعل النظام هذا مع المحيط. وحينها يتم جمع معلومات جديدة والإنطلاق منها لوضع خورزاميات جديدة وهذا عادة يتطلب أشهر أو حتى سنوات.
تداعيات التأخر في تبني الذكاء الإصطناعي
بشكل عام الذكاء الإصطناعي بالإضافة الى ما تم ذكره اعلاه يحتاج الى المزيد من الوقت كي يفهم ما يحدث ويحلل ثم هناك حاجة للتحديث لان الخوارزميات مبنية على معلومات وهذه المعلومات تصبح قديمة مع مرور الوقت. كما هناك مرحلة المراقبة التي تتم من خلال البشر لرصد أي خلل يمكن أن يحدث. لو افترضنا أن شركة ما قررت إعتماد الذكاء الإصطناعي بعد عام أو عامين من الان، فهي ستحتاج لعام في الحد الادنى من أجل التحضيرات ومثلها للدمج وربما عام إضافي للتجربة والتطبيق، في هذا الوقت الشركات الاخرى التي تبنته ستكون قد حصلت على حصة الأسد من الارباح كما أن بياناتها ستكون محدثة وخبرتها أكبر وأوسع الإنضمام الى الركب بشكل متأخر يعني ان الشركات لن تتمكن من اللحاق مهما حاولت.